09 مارس, 2019

في إطار سلسلة تقارير بمناسبة مرور 9 أعوام على تَوَلّيه مشيخة الأزهر.. الإمام الطيب في مواجهة الإرهاب.. الإرهابيون "مفسدون" والمسيحيون "إخوتنا" والتكفير "فتنة"

يُكمِل فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بحلول التاسعَ عشرَ من مارس الحاليّ، عامَه التاسع على رأس المؤسسة الدينية الكبرى في العالم الإسلامي، ورغم ثراء وتنوُّع ما شهدته تلك الأعوام من تطوير وإنجازات على مختلِف الأصعدة، فإن المواقف والمبادراتِ الجريئةَ التي اتخذها الأزهر الشريف خلال الأعوام الماضية في مواجهة جماعات العنف والتكفير، تحتل مكانة بارزة في حصاد تلك الأعوام التسع، حيث تميَّز تحرُّك الأزهر بالشمولية والفاعلية، والجمع ما بين الكلمة والفعل، مع اتخاذ العديد من المبادرات والتحركات الاستباقية، وعدم الاكتفاء فقط برد الفعل.
وقد حرَص الأزهر على أن تكون مواجهته للجماعات الإرهابية شاملة وجذرية، من خلال تأكيد الإمام الأكبر الدائم على أن الأديان كلها بريئة من دعوات العنف والقتل وسفك الدماء، وأنه ليس من المقبول تشويه دينٍ بعينه لأن جماعةً من معتنقيه خرجت عن الطريق القويم ولجأت إلى العنف والتفجير، وقد جاءت وثيقة الأُخوّة الإنسانية، التي وقّعها الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان، في شهر فبراير الماضي؛ لتؤكد على هذا المعنى، بتوقيعٍ من الرمزين الدينيين الأكثر تأثيرًا في العالم، حيث شدّدت الوثيقة على أن "الأديانَ لم تَكُنْ أبَدًا بَرِيدًا للحُرُوبِ أو باعثةً لمَشاعِرِ الكَراهِيةِ والعداءِ والتعصُّبِ، أو مُثِيرةً للعُنْفِ وإراقةِ الدِّماءِ"، كما طالَبت الوثيقةُ "الجميعَ بوَقْفِ استخدامِ الأديانِ في تأجيجِ الكراهيةِ والعُنْفِ والتطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى، والكَفِّ عن استخدامِ اسمِ الله لتبريرِ أعمالِ القتلِ والتشريدِ والإرهابِ والبَطْشِ".
وصول الأزهر إلى توقيع هذه الوثيقة غير المسبوقة في تاريخ العَلاقة بين الإسلام والمسيحية، لم يأتِ من فراغ، بل سبقته العديد من المحطات المهمة، والتي من أبرزها:

مؤتمر الأزهر لمواجهة الإرهاب

عقد الأزهر الشريف، في ديسمبر 2014، مؤتمره العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب، بمشاركة علماءَ من مختلِف المذاهب الإسلامية وقيادات الكنائس الشرقية وممثلين عن جميع الطوائف والأديان في العالم العربي، ليُشَكِّلَ المؤتمرُ أوّلَ تحرُّكٍ دولي يجتمع فيه هذا العدد من علماء وقادة المنطقة لإعلان موقف الإسلام من الإرهاب، حيث نَصّ البيان الختامي للمؤتمر على "أنَّ كلَّ الجماعاتِ المُسلَّحةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ"، كما أكد البيان "أنَّ المسلمين والمسيحيين في الشرقِ هم إخوةٌ، ينتمون معًا إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معًا على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العَيشِ معًا في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرّةٍ، تُحَقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعًا، وتحترمُ الحريَّاتِ".
وشدّد البيان الختامي للمؤتمر على "أنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها؛ لذلك نُناشِد أهلَنا المسيحيين التجذُّرَ في أوطانهم، حتى تزولَ مَوجةُ التطرُّفِ التي نُعاني منها جميعًا".

رفْض اتّباع منهج الإرهابيين في التكفير

وفي خِضَمّ انتشار تلك الجماعات الإرهابية، طالَب البعضُ الأزهرَ بتكفير المتطرفين؛ إلا أن الأزهر كان له موقف حاسم في رفض الانسياق وراء دعوات التكفير، وقال شيخ الأزهر: إن "العقيدة الصحيحة لا تُكَفِّر أحدًا من المسلمين بذنبٍ حتى لو كان من الكبائر، وإلا وقعنا فيما وقعتْ فيه "داعش" الإرهابية وأخواتها من تكفير المجتمع حُكّامًا ومحكومين"، وأعلن أن حكم هؤلاء هو أنهم مفسدون في الأرض، ويجب على الدول قتالهم والقضاء عليهم.
وبَيّنَ الأزهر أن فتح باب التكفير هو اتّباعٌ وإقرار بمنهج التكفيريين في التكفير ثم القتل على الكفر، وهو ما يَتَنافى مع المنهج الوسطي الذي يتبعه الأزهر، والذي يرى أنه لا يُخرِج المرءَ من الإيمان إلا جَحْدُ ما أدخله فيه، وأن القتل والقتال في الإسلام لا يكون على الكفر والإيمان، بل لدفع المعتدين وردّهم، أيًّا كان دينهم، وهو المنهج الذي حمى الأمة من الانحراف الفكري والاقتتال على أسس دينية أو مذهبية، كما أكد الإمام الأكبر أن إطلاق حكم الكفر على شخص بعينه، هو أمرٌ بيد القضاء وحده، ولا يجوز لغيره إطلاق أحكام الكفر وإشعال نار الفتنة والاقتتال بين المسلمين.

إنشاء مرصد الأزهر العالمي لمواجهة التطرف

رأى الإمام الأكبر أن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون عبر وسائلَ عمليةٍ، فأسس مرصد الأزهر العالمي لمواجهة التطرف؛ لملاحقة المتطرفين عبر الفضاء الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي، ورصد ما ينشرونه والرد عليه بعدّة لغات، بلغت 12 لغةً مختلفة؛ لحماية الشباب من الانخداع بما يدّعونه وفتاويهم المنحرفة، وكشف مخالفة هذه الآراء للدين الإسلامي، وإصدار دراسات وأبحاث تعالج أهم قضايا التطرف، وقد شارَك المركزُ في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية، وزارَه عددٌ من الشخصيات الدولية المهمّة، التي أَبْدَتْ إعجابَها بآليّة عمله، ودَوره في محاربة الإرهاب.

رفض فوضى الفتاوي

أكد الإمام الأكبر دومًا على أن فوضى الفتاوي الناتجة عن تَصَدُّر غير المتخصصين للفتوى والدعوة هي أحد الأسباب المؤدّية للإرهاب؛ لذا قام فضيلته بإنشاء مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية؛ لمواجهة ظاهرة تصدي غير المتخصصين للشأن الديني، ويضم المركز عددًا من العلماء والباحثين، يَتَلَقَّوْنَ الاستفساراتِ من مصرَ ومُختلِفِ أنحاء العالم، عبر موقعهم الإلكتروني، والخط الساخن، كما يضم المركز قسمًا لفتاوي النساء، تعمل به مجموعةٌ من الباحثات؛ للرد على كل ما يَخُصّ المرأةَ المسلمة حول العالم.

المواطنة ورفْض مصطلح الأقليات

من أبرز مواقف الإمام الأكبر في مواجهة الإرهاب، إعلانه أن دولة المواطنة تستمد شرعيتها من الدولة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وأن الوثيقة التي وضعها صلى الله عليه وسلم لتنظيم الحياة بين مُكَوِّنات مجتمع المدينة كانت أولَ وثيقةٍ للمواطنة، وهو ما مَثّلَ نَسفًا للنموذج الذي يدعو إليه المتطرفون ويَنسُبونه زورًا إلى الإسلام، والذي يُفَرِّق بين المواطنين على أساسٍ ديني أو مذهبي، كما دعا فضيلة الإمام الأكبر إلى نبذ مصطلح الأقليات؛ لأنه يؤدّي إلى الإقصاء والتمييز بين المواطنين، على أن يتمَّ استخدام مصطلح المواطنة، الذي يُساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات.

زيارة الروضة

بعد الهجوم الإرهابي الأثيم على مسجد الروضة في شمال سيناء، والذي وقع في نوفمبر 2017، وأدّى إلى استشهاد أكثرَ من 300 من سكان قرية الروضة؛ فاجأ الإمامُ الأكبر العالَمَ بتوجُّهه إلى قرية الروضة، بعد أقلَّ من أسبوع على ذلك الهجوم الإجرامي، في تَحَدٍّ واضح للإرهاب، ووَجَّهَ كلمةً من المسجد الذي شَهِدَ الحادثَ الأليم، أكّد فيها أن القتلة الذين سفكوا الدماء في بَيتٍ من بيوت الله خوارجُ وبُغاةٌ ومفسدون في الأرض، وأنه يجب أن يُطَبَّقَ عليهم حُكمُ المُحارِبين لله ورسولِه.

 


كلمات دالة: الإمام الأكبر