05 مايو, 2021

خلال حديثه اليومي في برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب».. شيخ الأزهر: التجديد في شريعة الله صناعة علمية بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون في العلم

شيخ الأزهر: غير المؤهلين للتجديد يحولونه إلى تبديد وتدمير شيخ الأزهر : الدولة في الإسلام ليست دولة دينية بالمفهوم الغربي ولا دولة مستبدة تجحد الدين

قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: إن من القضايا التي تقبل الاجتهاد والتجديد، هي القضايا المستنبطة من نصوص ليست حاسمة في الدلالة على معنى واحد؛ كالنصوص القطعية التي تحدثنا عنها ومن أمثلتها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وأمثالها مما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا محددًا من النص، أما النصوص القابلة للتجديد فتسمى النصوص الظنية الدلالة، ومثَّلنا لها بالنصوص الواردة في البيع وغيرها، ومن هذه النصوص الآيات الواردة في الأمر بالعدل والشورى والمساواة، فإنها قابلة للتطبيق عبر الاجتهاد على أي نظام من أنظمة الحكم، ما دام يحقق مقاصد هذه الآيات، ومنها النصوص التي تحقق للمسلمين حرية الحركة والتأقلم بالأنظمة الحديثة في مجال العلاقات الدولية، مضيفًا أن منها أيضًا مجال القوانين الجنائية في غير مجال الحدود الشرعية، وإن كان مجال الحدود الشرعية هذا قد وضع له من القواعد والاشتراطات الشرعية ما يجعل من إقامة "الحد" أمرًا نادر الحدوث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، فهذه القاعدة بمفردها تجعل من إثبات الحد أمرًا بالغ الصعوبة؛ إذ كل جريمة من جرائم الحدود لا تكاد تخلو من شبهة من الشبهات، تأخذ بيد القاضي إلى النزول من عقوبة الحد إلى عقوبة أخرى أقل منها، وقُل مثل ذلك في مجالات الاقتصادِ ومجالات الأحوال المدنية، وكلِّ ما يُثمِرُه "قانونُ التطور" من اجتماعيَّاتٍ وآدابٍ وثقافاتٍ، ما دامت تَندرجُ بصورةٍ أو بأخرى تحتَ مقاصدِ الشريعةِ، والتي لا نَمَلُّ من القولِ بأنها مقاصدُ إنسانيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ ومصلحيَّةٌ تقومُ على الإيمانِ بالله تعالى.

وأوضح فضيلته خلال حديثه بالحلقة الثالثة والعشرين من برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب"، أن عملية التجديد في شريعة الله، صناعة علمية بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون في العلم، وقد طلب الأزهر في هذه المادة غير المؤهلين تجنب الخوض في هذا الموضوع؛ حتى لا يتحول التجديد إلى ما يشبه محاولة للتدمير والتبديد، مشيرًا إلى أنه وفيما يتعلق بمجال دعوات المتطرفين للشباب بترك أوطانهم التي ينعتونها بالمجتمعات الكافرة، ومطالبتهم بالهجرة منها للالتحاق بجماعاتهم المسلحة، يقول الأزهر: إن هذه الدعوة ضلال وجهل بالدين وبشريعته السمحة، والأمر على عكس ذلك تمامًا؛ إذ من حق المسلم إذا أمن على نفسه ودينه وماله وعرضه من الفتنة أن يتخذ له مسكنًا ووطنًا في أية بقعة من بقاع المسلمين أو غير المسلمين.. والجهاد فيما يقول الأزهر ليس ـ كما يشاع ـ هو القتال مطلقًا، وإنما هو القتال من أجل رد الاعتداء والعدوان، ولم يحدث أن شنت حرب في الإسلام لإدخال الناس في هذا الدين، ولو كان الأمر كما يقولون لما وجب على المسلمين وقف القتال إذا اختار أهل البلاد المفتوحة البقاء على أديانهم، والمنوطُ به أمرُ "الجهاد" هو السُّلطةُ المختصَّةُ في البلادِ وَفْقَ ما يُحدِّدُه الدستورُ والقانون، ويَحرُم على أيِّ فردٍ أو زعيمٍ أو جماعةٍ أن يُجيِّشَ الشبابَ ، أو يُدرِّبَهم على القتلِ أو قطعِ الرُّؤوس، ومن يَفعَلُ ذلك فهو مُفسِدٌ في الأرضِ ومحاربٌ للهِ ورسولِه، ويجبُ على السُّلطاتِ المختصَّةِ أن تَتعقَّبَهم وتُحاكِمَهُم، وتَقتَصَّ منهم القصاصَ العادلَ، وتُخلِّصَ البلادَ والعبادَ من جَرائمِهم.

وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن الدولة في الإسلام ليست ـ كما يقول زورًا وكذبًا ـ دولة دينية (كهنوتية) بالمفهوم الغربي، وكذلك ليست دولة مستبدة تجحد الدين، وتحرم الناس مما يتضمنه من مصالح ومنافع وأمن وأمان، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم وأفراحهم، ومواساتهم، وعزاؤهم في مصابهم من أخلاق البر الذي أمرنا الإسلام به تجاه إخوتنا من غير المسلمين، مضيفًا أنه ليس في تهنئة المسيحيين، أو اليهود ـ من غير الصهاينة ـ أو أي مسالم لنا على وجه الأرض، أو تعزيتهم - مخالفة للشريعة الإسلامية، وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} هذه الآية الكريمة قاطعة في الردِّ على الذين يُحرِّمون مُصافحةَ المسيحيِّين؛ ذلك أنَّها -مع ما بعدها- تُقسِّمان غير المسلمين إلى من لا يحاربون المسلمين ولا يُخرجونهم من دِيارِهم، ولا يُضيقون عليهم ليَهجُروا بلادَهم وأوطانَهم، وهؤلاء لا حَرَجَ على المسلِمِ أن يَبَرَّهُم ويُقسِطَ إليهم، بل مطلوبٌ منه البِرُّ والقسط، والبرُّ المذكور في الآية هو: "حسن المعاملة والإكرام"، والإقساط هو "العدل بأوسع معانيه"، وهو يَنطبقُ على التوازن في كُلِّ مواقفِ الإنسان مع غيرِه وتَصرُّفاته إزاءه.

وبين فضيلته أن الآيةَ الأولي قد أوحت إلى الفقهاء والعلماءِ كثيرًا من وجوهِ البر والتعاونِ بين المسلمين وأهلِ الكتاب، وخاصة المسيحيِّين منهم، مثل: جوازِ أن يَتصدَّقَ المسلمُ على المسيحيِّ الفقير، وجوازِ إخراج زكاةِ المسلم إلى الكتابي، وجوازِ أن يُوصِيَ المسلمُ في مالِه بعد وفاته لمسيحي، كما يجوز له الوقف عليه أيضًا.. وهذا كلُّه من باب "البرِّ" المطلوب من المسلم تُجاهَ الذمي، موضحًا أن الذين يحاربون المسلمين فقط هم من تحرم معاملتهم بالبر والإحسان.

يذكر أن برنامج «الإمام الطيب» يذاع للعام الخامس عبر قنوات مصرية وعربية، وقد أطلق ‏البرنامج في رمضان 2016م ويتناول البرنامج في عامه الحالي خصائص الدين ‏الإسلامي، ووسطية الإسلام ومظاهرها، وقواعد التكليفات الشرعية، ويسر الشريعة، ‏ومصادر التشريع، والرد على الشبهات حول السنة النبوية والتراث.