Deutsch (Deutschland)
 

رسائل السلام الأربع لفضيلة الإمام الأكبر
/ Categories: Main_Category

رسائل السلام الأربع لفضيلة الإمام الأكبر

 

حَديثٌ عن السَّـلامِ([1])

إنَّ الحـــديثَ عن السَّلامِ حديثٌ مُتشعِّبُ النَّواحي والاتِّجاهاتِ، ولا يُمكِنُ أنْ تُستَقصَى جوانبُه في كلمةٍ كهذه؛ ممَّا جعَل التَّساؤلاتِ حولَ «السلامِ» ومعناهُ، وعَلاقتِه بحُقولِ المعرفةِ البشريَّةِ الأُخرَى – مفتوحةً لم تُحسَمْ حتَّى يومِ النَّاسِ هذا، بل أصبحَ الآنَ للسَّلامِ عِلمٌ خاصٌّ به، يُبحَثُ فيه عن السَّلامِ وعن الحُروبِ وأسبابِها، وارتباطِ كلِّ ذلك بالعُلومِ الاجتماعيَّةِ والسياسيَّةِ والدِّراساتِ الاستراتيجيَّةِ والعُلومِ العسكريَّةِ، بل علومُ الأخلاقِ كذلك.

ولا يَزالُ فلاسفةُ التَّاريخِ يَتَجادَلونَ حولَ السَّلامِ: فمنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ «التَّاريخَ البشريَّ إنَّما هو تاريخُ بُحَيراتٍ دَمَويَّةٍ»([2])، ومنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ «السَّلامَ» هو القاعدةُ في حياةِ البشَرِ، وأنَّ الحربَ أو العُنفَ استثناءٌ وشُذوذٌ مِن القاعدةِ([3]).

ويُنبِئُنا التَّاريخُ أنَّ الإنسانيَّةَ لم تَنعَمْ دهرًا طويلًا بالعَيشِ في ظِلِّ سلامٍ كاملٍ ودائمٍ، وأنَّها لا تزالُ تُعانِي من الحُروبِ المُهلِكةِ، ومِن آثارِها ونتائجِها، حتَّى وجَدْنا الحَضاراتِ الكُبرَى المُعاصِرةَ لا تَجِدُ بأسًا إذا أَعوزَتْها أسبابُ الفِتَنِ والحُروبِ أنْ تَختَرِعَ لها عَدُوًّا تُدِيرُ عليه رَحَى الحَرْبِ؛ لتتماسَكَ مِن حولِه، وتَقِفَ في وجهِه صَفًّا واحدًا، وتَنقُلَ إليه بُؤَرَ الصراعِ والاقتتالِ بعيدًا عن أَراضيها وشُعوبِها، وهذا السُّلوكُ الَّذي تتَّخِذُه بعضُ الكِياناتِ السِّياسيَّةِ المُعاصِرةِ هو –بدونِ شَكٍّ– دعوةٌ سافِرةٌ إلى وَأدِ السِّلمِ والسَّلامِ العالَميَّينِ، وتَشجيعٌ على العُدوانِ، وخُروجٌ على كلِّ الأُطُرِ الأخلاقيَّةِ والإنسانيَّةِ الَّتي تجعَلُ من «السَّلامِ» أبسطَ حقٍّ من حُقوقِ البشَرِ، والمجتمعِ الإنسانيِّ.

وإنِّي وإنْ كُنتُ لا أُعوِّلُ كثيرًا في تفسيرِ مَصائبِنا الَّتي تُحدِقُ بنا في الشَّرْقِ، على نظريَّةِ «المُؤامرةِ» الَّتي تجعَلُ مِن تَآمُرِ الغربِ «الأنجلو أمريكيِّ» باعثًا رئيسًا لمُشكلاتِنا في الأمنِ والاقتصادِ والصِّحَّةِ والتَّعليمِ، إلَّا أنَّ المَسرَحَ الَّذي تَجري على خشبتِه هذه الأحداثُ البَشِعَةُ هو مَسرَحٌ عَبَثِيٌّ وفَوضَوِيٌّ يُشِيرُ بكلِّ قوَّةٍ إلى هذه الأصابعِ الخفيَّةِ السَّوداءِ التي تُمسِكُ بخُيوطِ اللُّعبةِ الماكِرةِ، وتُحرِّكُها مِن وراءِ سِتارٍ.

إنَّ شواهدَ الواقعِ ومُجرَياتِ الأحداثِ على طُولِ نِصفِ قَرْنٍ -أو يَزيدُ- تُرشِّحُ هذا الفَهمَ، بل تَفرِضُه فرضًا على كلِّ المَهمُومين بقَضايا السِّلمِ العالميِّ بعامَّةٍ، والسِّلمِ العربيِّ والإسلاميِّ بخاصةٍ، وإلَّا فكيفَ نفهَمُ بقاءَ قارَّةٍ كإفريقيا الغنيَّةِ بالثَّرَواتِ المَعدِنيَّةِ مِن ذهَبٍ وبترولٍ وغيرِهما قارَّةً مُتخلِّفةً عاجزةً عن اللِّحاق برَكْبِ التَّطوُّرِ والتَّقدُّمِ؟! وكيف بَقِيَتْ دُوَلُ العالَمِ الثَّالثِ بكلِّ ما تَملِكُه مِن ثَرَواتٍ طبيعيَّةٍ وطاقاتٍ بشريَّةٍ في ذَيلِ قافلةِ التَّطوُّرِ العِلميِّ والتَّقدُّمِ التِّكنولوجيِّ؟!

وفي مسألةِ السلامِ أَستبِيحُ لنفسي أنْ أدَّعيَ أنَّ القائمينَ على مُؤسَّسةِ الأُمَمِ المتَّحِدةِ والإعلانِ العالَميِّ لحقوقِ الإنسانِ، والذين حدَّدوا –بكلِّ وضوحٍ– في المادَّةِ الأُولى مِن مِيثاقِ هذه المؤسَّسةِ: مبدأَ حِفظِ السَّلامِ والأمنِ الدَّوليَّينِ، ومبدأَ المُساواةِ السِّياديَّةِ بينَ الدُّوَلِ الأعضاءِ، وتحريمَ استخدامِ القوَّةِ، أو مُجرَّدَ التَّهديدِ بها في العَلاقاتِ الدَّوليَّةِ، والامتناعَ التامَّ عن «التَّدخُّلِ في الشُّئونِ الدَّاخليَّةِ للدُّوَلِ»- هؤلاءِ لم يَكونوا جادِّينَ فيما يَقولونَ، وفيما يَضَعونَ مِن مَواثِيقَ زعَمُوا أنَّها مِن أجلِ الإنسانِ، ومِن أجلِ حِمايةِ حُقوقِ الدُّوَلِ، لا تتميَّزُ فيها دَولةٌ عن دَولةٍ، ولا يتفاضَلُ فيها الإنسانُ الغربيُّ عن أخيه الشَّرقيِّ؛ ومِن ثَمَّ لم يَكُن غريبًا ألَّا نَرى لمنظَّمةٍ كمُنظَّمةِ الأُمَمِ المتَّحدةِ أيَّ دَورٍ في رَدْعِ كثيرٍ من السِّياساتِ الجائرةِ والظَّالمةِ، ورغمَ مُرورِ ستَّةٍ وستِّين عامًا على مُنظَّمةِ الأُمَمِ المتَّحدةِ التي أُنشِئَت مِن أجلِ مُواجَهةِ تهديدِ السَّلامِ العالميِّ، ووَقْفِ أعمالِ العُدوانِ بينَ الدُّولِ، وفرضِ الاستقــــرارِ والسِّلمِ في رُبوعِ الأُمَمِ والبلادِ، إلَّا أنَّ القُــــوَى الكُبرى في العالَمِ لا زالَت تمنَحُ السَّلامَ للأُمَمِ وتمنَعُه عنها حَسَبَ مَصالِحها الشَّخصيَّةِ، وحَسَبَ نظامِ الهَيْمنةِ، بل حَسَبَ منهجِ الظُّلمِ الذي تُبرِّرُه القاعدةُ اللَّاأخلاقيَّةُ عندَهم، وهي القاعدةُ التي تُقرِّرُ أنَّ «الغايةَ تُبرِّرُ الوسيلةَ».

 ولعلِّي لا أَعدو الحقيقةَ لو ذهبتُ إلى أنَّ النِّظامَ الأساسيَّ للأممِ المتَّحِدةِ ومَواثيقِها ومُؤسَّساتِها الكُبرَى، لا يَسمحُ بنَشرِ سَلامٍ قائمٍ على قِيَمِ العدلِ والإنصافِ ومُراعاةِ حُقوق الآخَرينَ، وأن ما أعطَتْه مِن حَقِّ السِّلمِ العالميِّ والأمنِ الجماعيِّ بإحدى يدَيْها سُرعانَ ما سلبَتْه باليَدِ الأُخرَى حين اشتَرطتْ ضرورةَ إجماعِ الدُّوَلِ الخَمسِ دائمةِ العُضويَّةِ في مجلسِ الأمنِ على القَراراتِ التي يُصدِرُها هذا المجلسُ ([4])، وهي القَراراتُ التي تتعلَّقُ باستخدامِ القوَّةِ العسكريَّةِ في بُؤَرِ الصِّراعِ المحليَّةِ والدَّوليَّةِ.

ولَستُ في حاجةٍ إلى التدليلِ على أنَّ هذه الخُروقاتِ أو النَّواقصَ في النِّظامِ الأساسيِّ لمَفهومِ السَّلامِ العالَميِّ في الأُمَمِ المُتَّحدةِ كانَت أسبابًا مُباشِرةً في اشتِعالِ الحُروبِ في مَناطقَ ليسَت لها في الحربِ ناقةٌ ولا جملٌ.

ومِن أَخطَرِ عَوامـــــلِ الهَدمِ للسَّلامِ العالَميِّ هو ما يُسمَّى بحقِّ: «الفيتو» أو «النَّقضِ»، والإسرافُ في استِخدامِه، وبخاصَّةٍ مِن القُطبَيْنِ الرَّئيسَيْنِ – وهذا الحقُّ المزعومُ هو الذي يَغُلُّ يَدَي هذه المُنظَّمةِ عن مُلاحَقةِ المُجرِمين وإقرارِ «السَّلامِ العادلِ» في كثيرٍ من مَناطِقِ التوتُّرِ العالميِّ.

ومِن هنا ذهَبَ كثيرٌ من النَّاقدينَ إلى أنَّ «الڤِيتو الأمريكيَّ» فيما يَتعلَّقُ بالنِّزاعِ الصِّهيونيِّ الفِلَسطينيِّ هو أهمُّ أسبابِ الإرهابِ الدُّوَليِّ والتَّشجيعِ عليه، بل والمشاركةِ فيه بصورةٍ أو بأُخرَى، وذلك على الرَّغمِ ممَّا يَصدُرُ عن أصحابِ هذا الڤِيتو من بياناتٍ تَصِفُ ضحيَّةَ الإرهابِ بأنَّهُ الإرهابيُّ الأوَّلُ([5]). 

ورَغمَ عِلمِنا أنَّ هذه المُنظَّماتِ الدوليَّةَ إنَّما نشَأتْ في الأصلِ لإقرارِ مبدأ السلامِ والعدلِ والأمنِ الجماعيِّ، وبخاصَّةٍ ما خلَّفَتْه الحَرْبانِ العالميَّتانِ مِن موتٍ ودمارٍ وخَرابٍ وهلاكٍ للحَرثِ والنَّسلِ، وبرغمِ ذلك فلم تُمثِّلْ هذه المُنظماتُ طَوْقَ نجاةٍ للإنسانيَّةِ ممَّا يَتربَّصُ بها الآنَ من الزَّجِّ بها في مَعاركَ تَعُودُ بها إلى الوَراءِ أزمانًا طِوالًا، تَفقِدُ بسببِها كلَّ ما أحرزَتْه من إنجازٍ وتنميةٍ وتقدُّمٍ.

وهنا تَستوقِفُني دائمًا -كما استوقَفَتْ كثيرينَ غيري– مُقارَنةٌ بين المِيثاق الدَّولي الذي أعلَنَه نبيُّ الإسلامِ محمدٌ ﷺ في خُطبتِه في حَجَّةِ الوَداعِ([6])، وقرَّرَ فيه حُقوقَ السلامِ والعدلِ والمُساواةِ بين الناسِ، وبَيْنَ مِيثاقِ الأُمَم المتحدةِ في هذه الحقوقِ، سَواءٌ منها ما يتعلَّقُ بحُقوقِ الإنسانِ أو المُجتَمعاتِ أو الدُّوَلِ، وكيف أنَّ المِيثاقَ النبويَّ حَقَّقَ أهدافَه كاملةً غيرَ منقوصةٍ في نَشْرِ السلامِ العالميِّ، بينما أخفَقَ إعلانُ الأممِ المتحدةِ في إنشاءِ مِظَلَّةٍ دوليَّةٍ تُنصِفُ المظلومين من المُتربِّصين بهم من خارجِ هذه المُنظَّمةِ، أو حتى مِن بينِ الدولِ الأعضاءِ في هذه المُنظَّمةِ الكُبرَى، والسببُ عندي هو أنَّ نبيَّ الإسلامِ –صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- كان صادقًا في دَعوتِه لنشرِ السِّلمِ وتحقيقِ العَدْلِ والمُساواةِ بينَ الناسِ، وأنَّه لم يَكُنْ يعمَلُ مِن أجلِ الإنسانِ العربيِّ أو الإنسانِ المُسلِمِ دُونَ غيرِهما من سائرِ الناسِ، بل كان يُصدِّرُ فِقراتِ خِطابِه بنداءٍ للإنسانيةِ كلِّها: «أيُّها الناسُ.. »([7]) وكان يَقولُ: «لِيُبلِّغِ الشاهدُ منكم الغائبَ»([8])، بل تحدَّى ﷺ الحاضِرينَ بأنَّ مِظَلَّةَ الأمنِ والسِّلمِ سوفَ تنشُرُ آفاقَها على البلادِ والعِبادِ في المِنطقةِ العربيةِ في فترةٍ وَجيزةٍ: «وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» ([9]).

أمَّا القائمونَ على المُنظَّماتِ الدوليَّةِ التي أخَذَت على عاتِقها نشرَ السلامِ في العالَمِ؛ فإنَّهم لم يكونوا صادقينَ في دَعواهُم، بل كانوا يُفرِّقون في دَخائِل أنفُسِهم بينَ الغربِ والشرقِ، وحقِّ الإنسانِ الغربيِّ في الأمنِ والسِّلْمِ، وحقِّ غيرِه من سائرِ الناس، وإلَّا فلماذا تخلو أوروبا وأمريكا من بُؤَرِ الصِّدامِ والاقتِتال، بينما تُصنَعُ أسبابُ الصِّدامِ صُنعًا في الشرقِ وفي إفريقيا وبلادِ المسلمين على وجهِ الخُصوصِ؟!

إنَّنا نعلَمُ عِلمَ اليَقِينِ أنَّ مَصانِعَ السلاحِ في الغربِ لا تتوقَّفُ عن الدَّوَرانِ لحظةً واحدةً، فإذا كان مَمنوعًا أنْ يَعمَل هذا السلاحُ في الغربِ، أو أنْ يتوجَّه إلى صُدور الغربيِّين، وهذا ما يؤكده واقع الغرب الآنَ، فأين يَعمَل إذن هذا السلاحُ؟ ولمَن يتوجَّهُ؟ إذا لم يَعمَل في الشرقِ ويتوجَّهْ إلى صُدورِ أبنائِه وبناتِه؟!

إنَّ آفةَ الآفاتِ في فلسفةِ «السلامِ» أنْ يَرتَبِطَ بمقاصدِ السياساتِ الدوليَّةِ ومِزاجِها المُتقلِّبِ، وأنْ يتخلَّى عن مَقاصِدِ الأخلاقِ وغاياتِها الثابتةِ، وفي هذه الآفةِ يَكمُنُ الفرقُ بينَ نَظرةِ الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ لمَفهوم «السَّلامِ» وضَرورتِه القُصـوَى كشـرطٍ أساسٍ للتقدُّمِ والرُّقيِّ والتحضُّرِ وبينَ «السلامِ» في مفهومِ الأمزِجَةِ السياسيةِ المُتقلِّبةِ حِينًا، والمُتَصارعةِ حِينًا، والظالمةِ حِينًا آخَر.

ويَطولُ بنا المَقامُ لو رُحْنا نَستعرضُ أهميَّةَ «السلامِ» في الإسلامِ، لا أقولُ للإنسانِ فقط، بل للحيَوانِ والنباتِ والجمادِ أيضًا. وضَرورةُ السلامِ للإنسانِ في الإسلامِ تَنبُعُ مِن أنَّ الإسلامَ يُسوِّي بينَ الناسِ جميعًا في الحُقوقِ والواجباتِ، وأوَّلُ هذه الحقوقِ هو حقُّ «الاختلافِ»، فاللهُ خلَقَ الناسَ مُختلفِين: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود: 118]، وإذا كان الاختلافُ مَشِيئةً إلهيَّةً في خَلقِ الناسِ لا رادَّ لها؛ فإنَّ العَلاقةَ بين المُختلفِين -فيما يُقرِّرُ الإسلامُ– هي عَلاقةُ التعارُفِ والالتقاءِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى، و«السلامُ» هو مُقتَضى علاقةِ التعارُفِ ولازِمُها الأوَّلُ([10]).

ويَنظُر الإسلامُ إلى «السلامِ» على أنَّه الأصلُ في العَلاقاتِ الدوليَّةِ، وفي عَلاقةِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ، وأنَّ الحروبَ ضرورةٌ واستثناءٌ، يضطرُّ إليها المسلمون في حالةٍ واحدةٍ هي الدِّفاعُ عن أنفُسِهم أو أراضِيهم أو عقيدتِهم ضدَّ عُدوانٍ مُحقَّقٍ، ويَنطبِقُ على حالاتِ الحربِ ما يَنطَبِقُ على حالاتِ الضرورةِ في الإسلامِ، ومعلومٌ أنَّ الضروراتِ تُقدَّر بقَدْرِها، ومن هُنا حَرَّمَ الإسلامُ التجاوزَ والاعتداءَ في القتالِ: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} [البقرة: 190-191].

ونقول –ولا نَمَلُّ مِن تَكرارِ القَوْلِ: إنَّ الإسلامَ حَرَّمَ قَتْلَ الأعمَى والمُقعَدِ ومَقطوعِ اليدِ والأجيرِ والفلاحِ والرُّهْبانِ في جَيْشِ الأعدَاءِ؛ لأنَّ هؤلاءِ وأمثالَهم مِن المُعاقِينَ والضُّعَفاءِ لا يُتصَوَّرُ مِنهم عُدوانٌ أو حَملٌ للسِّلاحِ على المُسلِمين، وذلكَ رَغمَ كُفرِهم ووجودِهم في مُعسكَرِ الأعداءِ.

ومِن هُنا أيضًا حَرَّمَ الإسلامُ التمثيلَ بجُثَثِ القَتْلَى مِن المسلمين ومِنَ الأعداءِ على السَّواءِ([11])، بل كان التحريمُ يَشمَلُ التمثيلَ بجُثَّةِ كَلبٍ عَقُورٍ يَصُولُ على الناسِ ويَعقِرُهم([12])؛ بل حرَّم الإسلامُ الاعتداءَ على أمنِ الحيوانِ والنَّباتِ والجمادِ، فحرَّمَ على المُسلمين هدمَ البناءِ العامرِ في جيشِ الأعداءِ وحرقَ النخيلِ، وتغريقَ النحلِ، وقتلَ الحيوانِ أو ذبحَه في جيشِ العدوِّ، اللهمَّ إلا لضرورةِ الأكلِ فقط، وتُقدَّر بقَدْرِها أيضًا([13]).

والذي يتأمَّلُ العَلاقةَ بينَ السلامِ والإسلامِ يَدهَشُ كثيرًا لتَغليظِ الإسلامِ في حُرمةِ الدماءِ وصيانتِها، وتوعُّدِه الشديدِ لمَن يَقتُلون الناسَ بالعِقاب الأليمِ والعذابِ المُقيمِ في جهنَّمَ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].

ولا يتَّسِعُ المَقامُ هنا لسَرْدِ الأحاديثِ النبويَّةِ الواردةِ في تحريمِ قتلِ النفسِ وقتلِ الغيرِ، وتحريمِ دِماءِ الناسِ، ولكنْ يَهُمُّنا أنْ نُبيِّنَ في عُجالةٍ شديدةٍ تَداخُلَ «السلامِ» و«الإسلامِ» في لُحمةٍ واحدةٍ، ونسيجٍ مُتَشابكٍ يَمتَزِجُ فيه الإسلامُ والسلامُ امتزاجًا عجيبًا؛ فالمسلمُ –كما نعلَمُ- يُصلِّي كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ، وفي كلِّ صلاةٍ يتأمَّلُ المسلمُ كلمةَ «السلام» لفظًا ومعنًى، يتأمَّلُها في وسَطِ كلِّ صلاةٍ، ويتأمَّلُها مرةً ثانيةً قبلَ نهايةِ الصلاةِ، وذلكَ بقولِه: «السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ»، ثم يتأمَّلُها مرَّةً ثالثةً حين يَخرُجُ مِن صلاتِه، ويَقولُ: «السلامُ عليكُم».

 وهكذا تَفرِضُ شريعةُ الإسلامِ على كلِّ مُسلم ومُسلمةٍ أنْ يُؤمِّنَ نفسَه ويُؤمِّنَ الناسَ بـ«السلامِ» خمسَ عَشْرةَ مَرَّةً على الأقلِّ في كلِّ يومٍ.

 ثم إنَّ «السلامَ» هو التحيَّةُ التي يُبادِرُ بها المسلِمُ كلَّ مَن يَلْقاه، ممَّن يَعرِفُ ومَن لا يعرفُ، وهي تحيَّتُه في جميعِ الأوقاتِ من ليلٍ أو نهارٍ، وليس في الإسلامِ تحيَّةٌ للصباحِ وأُخرى لما بعدَ الظُّهرِ، وثالثةٌ للمَساءِ، ورابعةٌ لِلَّيلِ؛ إنَّها تحيَّةٌ واحدةٌ على مَدار الساعةِ ترتَبِطُ بـ «السلامِ»: لفظًا ومعنًى وتذكُّرًا وتذكيرًا، وإذا كان «السلامُ» هو مِفتاحَ اللقاءِ وبدايتَه في كلِّ مرَّةٍ يلتقي فيها المسلمُ بغيرِه، فإنَّ ردَّ التحيَّةِ المُنتظَرَ من الآخَرِ هو أيضًا مُرتبِــــطٌ بـ «السلامِ» ولا يَخرُجُ عنه، فـ «السلامُ عليكم» هو التحيَّةُ، و«عليكمُ السلامُ» هو ردُّ التحيةِ.

وانظُرْ معي كيف يُمثِّلُ «السلامُ» في شريعةِ الإسلامِ حركةَ البَندولِ ذَهابًا وإيابًا في كلِّ مرَّةٍ يتَّصِلُ فيها المسلمُ بغيرِه، سَواءٌ بالمقابَلةِ، أو المواجَهةِ، أو حتى على صَفَحاتِ المُراسَلاتِ والمُكاتَباتِ، وكأنَّ حياةَ المسلم كلَّها تدُورُ حولَ «السلام» أصلًا وقاعدةً ومبدأً ثابتًا، سَواءٌ في عبادتِه أو سلوكِه، بل كأنَّه يتنفَّسُ «السلام» شهيقًا وزفيرًا، ليلَ نهارَ؛ لأنَّ الإسلامَ كدِينٍ هو في حقيقةِ الأمرِ شقيقُ «السلام» وأخوه، كلاهما مُشتَقٌّ من جِذرٍ واحدٍ في الترجمة إلي اللغة العربيَّةِ.

 وإذا كان اسمُ اللهُ في المسيحيَّةِ هو «المحبَّة»، فاللهُ في الإسلامِ هو «السلامُ»، والسلامُ أحدُ أسمائِه، ونحنُ مأمورون في دينِ الإسلامِ بأنْ نتشبَّهَ بصفاتِ الله الجميلةِ، ومنها: السلامُ– قدرَ ما تُطيقُه طبيعتُنا البشـريَّةُ المحدودةُ.

 «والسلامُ» ليس هو التحيَّةَ بينَ الناسِ في الدنيا فقط، بل هو التحيَّةُ المُتبادَلةُ بينَ الناسِ حتى في الجنَّةِ أيضاً: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10]، والجنَّةُ اسمُها في القُرآنِ: «دارُ السلامِ» ممَّا يَعني أنَّ «السلامَ» هو مِيزانُ السعادةِ في الدنيا والآخرةِ، ومِن أجلِ ذلكَ وَرَدَتْ كلمةُ «السلام» ومُشتقَّاتُها في القُرآنِ الكريمِ إحدى وأربعين مرَّةً، بينما وردت كلمةُ «حربٍ» في القُرآن ثلاثَ مرَّاتٍ فقط، أمَّا كلمةُ «السيف» فلم تَرِد في القُرآن مُطلَقًا، فهي ليست مِن ألفاظِه ولا مِن مُفرَداتِه.

مِن هُنا؛ جاءت حضارةُ الإسلامِ حضارةَ «سلامٍ»، كما جاء الإسلامُ دينَ «سلامٍ» ورحمةٍ ومودَّةٍ، ولم يُحدِّثنا التاريخُ ولا الواقعُ بأنَّ الأممَ شَقِيَت بحضارةِ المسلمين، أو ازدادت بسببِها خوفًا وجُوعًا وموتًا. 

إنَّه لحَسَنٌ أن يَفطَنَ مجلسُ حُكماءِ المسلمينَ لخَطَرِ موضوع السِّلم والأمن الاجتماعيَّينِ، وحاجةِ العالمِ المُلِحَّةِ -الآنَ- إلى إحياءِ مفهومِ السلامِ العادلِ، وإلى تطبيقِه وتنزيلِه على واقعِ الناسِ الذي عانَى ويُعانِي الأمرَّيْنِ بسبب غِيابِ هذا المفهومِ فترةً تَزيدُ على نصفِ قَرنٍ، وأرى أنَّه آنَ الأوانُ لمجلسِ حُكماءِ المسلمينَ الذي يَجمَعُ نُخبةً مُتميِّزةً مِن أهلِ العِلم والحكمةِ والثقافةِ والرأيِ، آنَ لهذا المجلسِ أنْ يخطُوَ خُطواتٍ واسعةً وواثقةً نحوَ إحياءِ مَفهُومِ السلامِ العادلِ، والسعيِ من أجل بناءِ مُؤسَّساتٍ دوليَّةٍ فعَّالةٍ تَستَبعِدُ الحروبَ وتَتجنَّبُها، وتَتخطَّاها إلى إيجادِ بَدائلَ سياسيَّةٍ ودبلوماسيَّةٍ وحِواريَّةٍ لحَلِّ النِّزاعاتِ الدوليَّةِ، وفي مُقدِّمتِها: النِّزاعُ في القضيةِ الفلسطينيَّةِ وما تَفرَّعَ عنه من توتُّراتٍ كريهةٍ أَسفَرت عن وَجهِها القبيحِ في بعض بُلداننا العربيَّةِ، ووَجَدَتْ -للأسفِ- مَن يَنفُخُ فيها من بني جِلدتِنا وممَّن يَتكلَّمُ بلساننا.

وعلى هذا المجلسِ الذي يُبشِّرُ بكلِّ خيرٍ أنْ يتبنَّى قاعدةَ «التعارُف» التي وردَتْ في قولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13]، وإذا كان فلاسفةُ الحضارةِ المعاصِرةِ الآنَ في الغَربِ لن يَتحرَّجوا في أنْ يُقدِّموا للعالَمِ نظريَّاتِ الصِّراعِ الحَضاريِّ، ونهايةِ التاريخِ، والفَوْضى الخلَّاقةِ، وكلُّها دَعَواتٌ شيطانيَّةٌ تدعو إلى القتلِ والقِتالِ، أفَلا يكونُ من حقِّنا نحن حُماةَ الحقِّ والعدلِ والسلامِ أنْ نُبشِّرَ بنظريَّةِ «التعارُف»  كأساسٍ ثابتٍ لا يتَزحزَحُ للعَلاقاتِ الدوليَّةِ في عالَمِنا المُعاصِر؟! من أجلِ إنسانيَّةٍ آمِنةٍ مُستقرَّةٍ لا تَعرِفُ الخوفَ ولا القهرَ ولا الفقرَ ولا الحاجةَ؟!

على هذا المجلسِ بعُلَمائِه وحُكَمائِه أنْ يَنشَطَ اليومَ –وليس غدًا- لتَعزِيزِ السِّلمِ في المُجتَمعات، وأنْ يَتوسَّلَ لذلك بفتحِ قَنَواتِ اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ، وبينَ صُنَّاعِ القَرارِ مِن السياسيِّينَ في الشرقِ والغربِ، وأنْ يَدْعُوَ إلى ترسيخِ قِيَمِ السلامِ والأمانِ والأُخوَّةِ والمحبَّةِ، عبرَ برامجِ الحوارِ، وعبرَ برامجَ تعليميَّةٍ لتربيةِ النَّشءِ والأطفالِ على اختيارِ المُمارَساتِ السلميَّةِ في الحياةِ اليوميَّةِ، وهُناك في الأُمَمِ المتحدة الآنَ برامجُ عِدَّةٌ للتربيةِ مِن أجلِِ السلامِ، تدعو إلى دَعْمِ السَّلامِ الإيجابيِّ، وتجنُّبِ العودةِ للنِّزاعِِ والعُنفِ.

 

وأخيرًا –وليس آخِرًا– على هذا المجلسِ أنْ يتحرَّكَ فورًا مِن أجلِ دعوةٍ عامَّةٍ لعُلَماءِ المسلمين، للجُلوس بقُلوبٍ صادقةٍ ومُخلصةٍ لا تَشوبُها شوائبُ المصالحِ والأغراضِ والانتماءاتِ الصغيرةِ، التي كانت ولا تزالُ سببًا في تأخُّرِ أمَّتِنا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وتفكُّكِها وضَعفِها وهَوانِها على الناسِ، وما لم يتَّفِقِ العُلَماءُ على إقامةِ السلامِ العادِلِ بينَهم أولًا، فلا أملَ في أنْ يَسوسُوا النـــاسَ بقِيَمِ الحقِّ والخـــيرِ والجمالِ، كيف وفاقِدُ الشيءِ لا يُعطِيه، والذي يَعجِزُ عن قيادةِ نفسِه، هو عن قيادةِ غيرِه أعجَزُ؟!

***

مِن أجلِ السَّلامِ([14])

إنَّ الصَّلاةَ -بما فيها مِن تَضَرُّعٍ إلى اللهِ تعالى- قاعدةُ الإسلامِ الصُّلبةُ الَّتي تُجسِّدُ السَّلام في أعمـاقِ المُصلِّين، وتُذكِّرُهم به على مدارِ السَّاعةِ.

وهذا المَعنى لم يكُن خاصًّا بدِينِ الإسلامِ، بل يَنطبِقُ عليه وعلى غيرِه مِن الأديانِ الإلهيَّةِ؛ فالصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ الإلهيِّ كلِّه، في جميعِ رسالاتِه الَّتي حمَلَها الأنبياءُ والمُرسَلونَ، ونحنُ –المسلمين– قد اهتَدَيْنا إلى هذه الحقيقةِ في ضَوءِ النُّصوصِ القرآنيَّةِ الَّتي تُقرِّرُ في هذا الصَّدَدِ أمرَيْنِ واضحَيْنِ:

الأمرُ الأوَّلُ: قاعدةُ الصَّلاةِ في كلِّ رسالةٍ إلهيَّةٍ.

الأمرُ الثَّاني: ارتباطُ السَّلامِ البَشَريِّ بهذه القاعدةِ وُجودًا وعَدَمًا.

وفيما يتعلَّقُ بالأمرِ الأوَّلِ؛ فإنَّ القرآنَ يُبيِّنُ في أكثرَ مِن مَوضِعٍ أنَّ الصَّلاةَ والإيمانَ كأنَّهما وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، بل استعمَلَ القرآنُ كلمةَ الإيمانِ وكلمةَ الصَّلاةِ في معنًى واحدٍ؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّ الصَّلاةَ هي الإيمانُ، والإيمانَ هو الصَّلاةُ؛ كما جاءَ في قولِه تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143]، وأنَّ الصَّلاةَ هي الطَّريقُ الأَوحدُ للوُصولِ بالإنسانيَّةِ إلى السَّعادةِ في الدُّنيا وفي الآخِرةِ؛ وعليه: فإنَّ الحضاراتِ الَّتي لا تَشتمِلُ أجندتُها ورُؤَاها على فلسفةِ الصَّلاةِ هي حضاراتٌ قَلِقةٌ وخطيرةٌ بكلِّ المقايِيسِ، خطيرةٌ على أهلِها وعلى غيرِها مِن الحضاراتِ الأُخرى.

وفي هذا الإطارِ نَفهَمُ مِن القرآنِ أنَّ الأنبياءَ جميعًا حمَلوا رسالةَ الصَّلاةِ إلى النَّاسِ لإنقاذِهم مِن عبادةِ الأصنامِ ومِن ضلالِ الشَّياطينِ، ويَتجلَّى هذا الفَهمُ في موقفِ أبي الأنبياءِ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ- حينَ جَمَعَ كلَّ همومِه ومَخاوِفِه بعدَما فرَغَ مِن بِناءِ الكعبةِ، وتوجَّهَ إلى اللهِ  طالبًا منه أنْ يجعلَ هذا البلدَ آمِنًا، وأنْ يَحمِيَه ويَحمِيَ ذُرِّيَّتَه مِن عبادةِ الأصنامِ، وأنَّه ما جاءَ بأهلِه وذُرِّيَّتِه إلى هذا المكانِ الَّذي لا زَرعَ فيه ولا ماءَ إلَّا مِن أجلِ أنْ يُقيموا الصَّلاةَ للهِ حولَ هذا البيتِ، ثمَّ  دعا ربَّه أنْ يَجعلَه مِن مُقيمي الصَّلاةِ، وأنْ يجعلَ مِن ذُرِّيَّتِه مِن أبناءِ إسماعيلَ وإسحاقَ مَن يُقيمُ الصَّلاةَ دائمًا في كلِّ مكانٍ وزمانٍ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 35 - 40].

إنَّ ما جرى بينَ اللهِ عز وجل وإبراهيمَ عليه السَّلامُ في هذه المُناجاةِ يَضَعُ أيديَنا مباشرةً على ضَرورةِ الصَّلاةِ في تحقيقِ الأمنِ والسَّلامِ، فقد كانَ شاغِلُه الأوَّلُ هو تحقيقَ السَّلامِ عَبرَ الصَّلاةِ، وتَجنُّبَ عبادةِ الأصنامِ، وكأنَّ السَّلامَ في فلسفةِ الدِّينِ لا يَتحقَّقُ إلَّا بأمرَيْنِ مُتلازِمَيْن؛ الصَّلاةُ للهِ، ورفضُ عبادةِ الأصنامِ.

 وفي سورةِ الأنبياءِ يَتحدَّثُ اللهُ عن إبراهيمَ ولوطٍ وإسحاقَ ويعقوبَ، ويُثني عليهم، ويصِفُهم بأنَّهم أئمَّةٌ وقادةٌ يَهدُونَ النَّاسَ، وأنَّ اللهَ يُوحي إليهم فِعلَ الخيرِ وإقامَ الصَّلاةِ، {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 73]، والنبيُّ زكريَّا حينَ طَلبَ في صلاتِه أنْ يَهبَه اللهُ ذُرِّيَّةً طيِّبةً رَغمَ كِبَرِ سِنِّه وعُقمِ زوجتِه، بشَّرتْه الملائكةُ بيحيى، وهو قائمٌ يُصلِّي في مِحرابـِه، وكــأنَّ الصَّــلاةَ في هــذا السِّـياقِ تُحقِّـقُ المستحيلَ، {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].

وكذلك كانتِ الصَّلاةُ هي البندَ الثَّانيَ في وَصايا لقمانَ لابنِه، بعدَ بندِ النَّهيِ عنِ الشِّركِ باللهِ، {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].

 وحينَ اختارَ اللهُ سيَّدَنا موسى عليه السَّلامُ لتبليغِ الرِّسالةِ للنَّاسِ، كانَت الصَّلاةُ هي الأمرَ الإلهيَّ الثَّانيَ بعدَ الأمرِ بعبادةِ اللهِ:{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي . وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.

ولم تَخلُ المعجزةُ الأُولى لسيِّدِنا عيسى -عليه السَّلامُ- مِن بَيانِ خَطَرِ «الصَّلاةِ» في حياةِ الإنسانِ، وكانَت كلماتُه الَّتي نَطَقَ بها في المَهدِ: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ، وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 30 - 33].

ولم يَكُنِ الأمرُ فيما أُوحِي إلى سيِّدِنا محمَّدٍ في شأنِ الصَّلاةِ بعيدًا أو غريبًا عمَّا أُوحِيَ مِـن قَبلُ إلى إخوانِه الأنبياءِ والمرسَلينَ؛ فالصَّلاةُ في الإسلامِ لا تَنفصِلُ عـنِ الإيمانِ، وأيٌّ مِنهما لا يُمكِنُ أنْ يَثبُتَ معَ نفيِ الآخَــرِ، ومِن هنا قيــلَ: «لا إيمــانَ لمن لا صَــلاةَ له» ([15]).

ونَخلُصُ مِن كلِّ ما سبَقَ إلى أنَّ الآياتِ القرآنيةَ الَّتي ورَدَ فيها ذكرُ الصَّلاةِ ( 93 آيةً )، كلُّها تُؤكِّدُ أنَّ الصَّلاةَ مِن أهمِّ المظاهرِ الَّتي تَتجلَّى فيها وَحدةُ الدِّينِ الإلهيِّ، ووَحدةُ رسالةِ الأنبياءِ جميعًا، ووَحدةُ الكُتُبِ السَّماويَّةِ، وأنَّ خطابَ اللهِ إلى البشريَّةِ منذُ يومِها الأوَّلِ وحتَّى آخِرِ يومٍ في عُمُرِها خطابٌ واحدٌ، تُشكِّلُ الصَّلاةُ فيه حَجَرَ الزَّاويةِ الَّذي لا يَقومُ بُنيانُ الدِّينِ إلَّا عليه.

وإذا ما انتقَلنا إلى الأَمرِ الثَّاني، وهو عَلاقةُ السَّلام بالصَّلاةِ وُجودًا وعَدَمًا؛ فإنَّ فلسفةَ الإسلامِ في هذا الأمرِ تَنطلِقُ مِن أنَّ الصَّلاةَ في حقيقتِها ليسَت إلَّا تدريبًا مُنتظِمًا للإنسانِ على  التَّجاوُزِ، وعلى الاعتلاءِ والتَّسامي؛ ذلك أنَّ الإنسانَ بطبيعتِه يُشبِهُ أنْ يكونَ مُواطِنًا في عالمَيْنِ: عالَمٌ ضيِّقٌ خانقٌ، وعالَمٌ آخَرُ واسِعٌ، فهو يعيشُ بجَسَدِه في عالَمِ المادَّةِ الَّذي تَتَعارَضُ فيه المَصالِحُ وتَتَزاحَمُ المَطامِعُ، غيرَ أنَّه يَنتمي برُوحِه وقلبِه إلى عالَمٍ مُفارِقٍ مُتعالٍ، لا تَتَزاحمُ فيه الأغراضُ  ولا تَتَعارَضُ.

والصَّلاةُ في الإسلامِ مَدرسةٌ يَتعلَّمُ فيها المسلمُ كيف يَتخلَّصُ مِن الغرائزِ الوَحشيَّةِ الَّتي تُغذِّي نَزَعاتِه الشِّرِّيرةَ؛ كالعُدوانِ والتَّقاتُلِ ونَفْيِ الآخَرِ، وفي الوقتِ نَفْسِه يَتدرَّبُ على السَّلام النَّفسيِّ والسَّكينةِ الدَّاخليَّةِ، والارتقاءِ الفكريِّ والوِجدانيِّ، وهذا التَّجاوزُ أو الارتقاءُ يتساوَى فيه الإنسانُ البسيطُ السَّاذَجُ، والإنسانُ العالِمُ العبقريُّ؛ فكِلاهُما ذو نوازِعَ وَحشِيَّةٍ ضاريةٍ، وقد ثَبتَ أنَّ التقدُّمَ العِلميَّ والحضاريَّ لم يَستطع أنْ يُهذِّبَ الإنسانَ أو يُخلِّصَه مِن الوَحشِ الَّذي يَسكُنُ بداخلِه، وأنَّ التَّربيَّةَ الدِّينيَّةَ الصَّحيحةَ هي المؤهَّلةُ والقادرةُ على صُنعِ هذا التَّحوُّلِ الَّذي لا تَستقيمُ الحياةُ بدونِه.

ولنا أنْ نَعتبرَ بما يَجري في حضارتِنا الَّتي نعيشُها الآنَ، وكيف أنَّ الشُّعوبَ والدُّولَ تُعاني مِن تدميرٍ مُنظَّمٍ وإبادةٍ لا أخلاقيَّةٍ للإنسانِ والحيوانِ والجمادِ والنَّباتِ، على مَسمعٍ ومَرأًى مِن أُمَمٍ ودُوَلٍ في الشَّرقِ والغربِ تَتَغنَّى بالتَّقدُّمِ والرُّقيِّ، ولكنْ دونَ أنْ تَشعُرَ بأيِّ حَرَجٍ أو تأنيبٍ مِن الضَّميرِ.

وأنا باعتباري مسلمًا أتوقَّفُ طويلًا أمامَ النُّصوصِ الشَّارحةِ لأهميَّةِ الصَّلاةِ في تعلُّمِ السَّلام النَّفسيِّ والدَّاخليِّ، وذلك حينَ أتأمَّلُ تَجرِبةَ الصَّلاةِ في حياةِ النّبيِّ محمَّدٍ -عليه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ- حيثُ يقولُ عن نفسِه: «جُعِلتْ قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ»([16]) أي أنَّه يَجِدُ فيها هدوءَ نَفْسِه وسَكِينةَ قلبِه وعَقلِه، وكانَ يقولُ لمؤذِّنِه بلالِ بنِ رباحٍ: «قُمْ فأرِحْنا بالصَّلاةِ»([17])، وكان يُعالِجُ بها ثورةَ الغَضَبِ في داخلِ الإنسانِ: «ألَا إنَّ الغَضَبَ جَمرةٌ في قَلْبِ ابنِ آدَمَ؛ فمَن وَجدَ مِن ذلكَ شيئًا فلْيُلصِقْ خَدَّهُ بالتُّرابِ»([18]).

وهذه العبارةُ الأخيرةُ تُشيرُ إلى الصَّلاةِ؛ لأنَّ المُصلِّيَ يضَعُ جبينَه على الأرضِ خضوعًا للهِ وخشيةً ومَهابةً، فإذا وَضعَ وجهَه -وهو أَعَزُّ أعضاءِ جَسَدِه- على الأرضِ فلا بُدَّ أنْ تذهبَ عنه مشاعِرُ التَّكَبُّرِ والغَضَبِ والتَّعالي على الغيرِ.

أنا ممَّن يُؤمنون بحاجةِ الإنسانيَّةِ الشَّديدةِ إلى هَدْيِ السَّماءِ، وإلى نُورِ النُّبوَّةِ، وفي اعتقادي أنَّ خَلاصَ البشريَّةِ مِن أمراضِها الحديثةِ -وفي مُقدِّمتِها مَرَضُ العَمَى عن الحقيقةِ- لم يَعُدْ رٍَهنَ أيِّ تقدُّمٍ مادِّيٍّ أو رُقِيٍّ تِكنُولوجيٍّ، وإنَّما هو -فيما أَتَيقَّنُ- رَهْنُ تقدُّمٍ رُوحِيٍّ وأخلاقيٍّ، تقومُ  فيه الصَّلاةُ والدُّعاءُ بدَورِ المُخلِّصِ والمُنقذِ.

 

قِيمُ الأديانِ المشتَرَكةُ والسَّلامُ العالميُّ([19])

نحـن نُدركُ -منذُ بدايةِ الأمرِ- أنَّ الحديثَ عن الأديانِ السَّماويَّةِ لم يعُدْ هو ذلكم الحديثَ الَّذي تسمعُه الإنسانيَّةُ المُعاصِرةُ فتُصغِي إليه، وتُعوِّلُ على هَدْيِه في تحرِّي الصَّوابِ والخطأِ، والحُسْنِ والقُبْحِ، والصِّدقِ والكَذِبِ في أفعالِها وتصرُّفاتِها وأحكامِها.

ونعلمُ أنَّ الإنسانَ اليومَ، وإن كانَ قد كَسَبَ الرِّهانَ في معركتِه ضِدَّ التّخلُّفِ، واستطاعَ أن يُحقِّقَ طَفرَةً مُدهِشةً في جميعِ مجالاتِ التَّقدُّمِ التِّقْنيِّ والتِّكنُولوجيِّ والمعلوماتيِّ؛ فإنّه قد مُنِيَ بخَسارةٍ رُوحيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ فادحةٍ لا تُخطِئُها عَينٌ واعيةٌ، وأنَّه بعدَ أن أدارَ ظهرَه للهَديِ الإلهيِّ لم يَستطِع أن يَجِدَ له بديـلًا يُصحِّحُ خُطُواتِه على الطَّريقِ، ويَحجُزُه عن السُّقوطِ في فَوضَى الشُّعورِ بالفرديةِّ والأنانيَّةِ وتآكلِ المسئوليَّةِ الأخلاقيَّةِ؛ والّتي كادَت تُفرِّغُ كُبرى الثَّوْراتِ الحضاريَّةِ والتَّاريخيَّةِ مِن كلِّ معنًى جميلٍ، بل كادَت تُحيلُ هذا التَّقدُّمَ نَفْسَه إلى تاريخٍ مِن الانحرافاتِ الَّتي يَختنِقُ بها الإنسانُ في الغربِ وفي الشَّرقِ على السَّواءِ.

ولقد جاءَتِ الرُّؤيةُ الحضاريَّةُ الَّتي ارتضاها الغربُ منهجًا في تحريرِ الإنسانِ مِن أغلالِ الماضي وقيودِه -خاليةَ الوِفاضِ مِن النَّزَعاتِ الرُّوحيَّةِ، وفي مُقدِّمتِها: نزعةُ الإيمانِ باللهِ ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، وأن يؤدِّيَ هذا الفراغُ إلى مُشكِلاتٍ إنسانيَّةٍ كُبرى، مُعقَّدةٍ ومُتشابِكةٍ، أصابَتِ المتأمِّلَ في انتشاراتِ هذه الحضارةِ وزحفِها المتغلِّبِ بشيءٍ غيرِ قليلٍ مِن الإحباطِ الممزوجِ بالخوفِ والرُّعْبِ.

وأرجو ألَّا يُفهمَ عنِّي أنَّني مُتطيِّرٌ أو مُتشائِمٌ، ففي هذه القاعةِ المتألِّقةِ([20]) الَّتي يَعكِسُ كلُّ جزءٍ منها مَظهرًا مِن مظاهرِ التقدُّمِ الحضاريِّ، رجالُ دِينٍ فُضلاءُ مِن أبناءِ هذه الحضارةِ، أعرِفُهم، وأعرِفُ عنهم انزعاجَهم مِن المجهولِ الَّذي تُخبِّئُه السِّياساتُ العالميَّةُ المُصِرَّةُ على تجاهُلِ الأديانِ ودَورِها المتفرِّدِ في إقرارِ السَّلام العالَميِّ، وترسيخِ قِيَمِ الأُخوَّةِ والمحبَّةِ بين النَّاسِ.

لستُ مِن المتشائمِينَ، ولكنَّ قِراءةَ الأحداثِ قراءةً أَمينةً لا تَسمحُ بالتَّفاؤلِ، وإلَّا فما الَّذي يَحمِلُ سياسةً حضاريَّةً عُظمَى على أن تُنفِقَ مِئاتِ الملياراتِ مِن الدُّولاراتِ على تدميرِ شُعوبٍ بائسةٍ فقيرةٍ، وكانَ في مَقدورِها -لو أرادَت- أن تُنفِقَ عُشرَ مِعشارِ هذا المبلغِ على تَمدِينِ هذه الشُّعوبِ وتخليصِها مِن براثنِ القهرِ والجهلِ والفقرِ والمرضِ؟!

وهذا أحدثُ الأمثلةِ والنَّماذجِ على تصرُّفِ هذه الحضاراتِ وسُلوكِها الرَّديءِ الَّذي يَعمَلُ بمشاعرِ الأنانيَّةِ والغَطرسَةِ، ويضرِبُ في مقتلٍ حقوقَ الضُّعفاءِ والمُستضعَفِينَ دونَ شُعورٍ بأَدنى حَرَجٍ أو أَزمَةٍ في الضَّميرِ.

ولقد كنَّا نظنُّ أنَّ إقصاءَ الدِّينِ مِن البناءِ الحضاريِّ -المعرفيِّ والنفسيِّ- خيارٌ ارتضَته سياساتُ الغربِ عن اقتناعٍ، بحِسبانِه خِيارًا يُحقِّقُ لها مصلحتَها ومَنفعتَها، وأنَّ هذه السِّياساتِ وهي تختارُ هذا، إنَّما تُمارِسُ حقًّا خالصًا لا تُصادِرُه عليها حضارةٌ أخرى، ولا ثقافةٌ تتقاطعُ مع ثقافتِها، بل ولا الأديانُ الّتي رَضِيَتْ بأن تأويَ في ظلِّ هذه السِّياساتِ إلى رُكنٍ مهجورٍ مِن أركانِ دُورِ العبـادةِ.

وكنَّا نظنُّ أنَّ الفلسفاتِ اللَّادِينيَّةَ وأنماطَها الحضاريَّةَ أمرٌ غيرُ قابلٍ للتَّصديرِ ولا التَّسويقِ بينَ شعوبِ العالَمِ، ولكنَّـا فُوجِئنا -ومن أَسَفٍ بالغٍ- بمُحاولاتِ فرضِ هذه الثَّقافةِ على النَّاسِ، وبالتَّدخُّلِ السَّافرِ في أدقِّ خصوصيَّاتِ الآخَرِينَ، وبالقوَّةِ أحيانًا إن لزِمَ الأمرُ في زَعمِهم، ولَيتَ الأمرَ وقَفَ عندَ هذا الحدِّ، إذًا لهانَ وسهُلَ، ولكن تجاوَزَه إلى تأصيلِ نظريَّاتٍ فلسفيَّةٍ وسياسيَّةٍ؛ كنظريَّةِ صراعِ الحضاراتِ، والعولمةِ، وتنميطِ الثَّقافةِ، وسياسةِ المركزِ والأطرافِ، وكلُّها سياساتٌ تُعيدُ إلى الأذهانِ عصورَ الاستعمارِ والتسلُّطِ وإبادةِ الآخَرِ.

في مقابلِ ذلك، تُعلِّمُنا الأديانُ أنَّ اللهَ قد خَلقَ النَّاسَ أحرارًا، وخلَقَهم مُختلِفِينَ في عقائدِهم وأفكارِهم، ومشاعرِهم وأديانِهم، ولُغاتِهم وأجناسِهم وألوانِهم، وأنَّه لو شاءَ أن يخلُقَ النَّاسَ أُمَّةً واحدةً لفعَلَ، لكنَّه خلَقَهم مُختلفِينَ، وضَمِنَ لهم بقاءَهم مُختلفِينَ حتَّى آخِرِ لحظةٍ في عُمُرِ الشُّعوبِ والجَماعاتِ، قالَ في القرآنِ الكريمِ: { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }، والنَّتيجةُ العَمليَّةُ أنَّه ليس في مقدورِ  أمَّةٍ مِن الأُمَمِ، ولا حضارةٍ مِن الحضاراتِ -كائنًا ما كان بَطشُها وجَبَروتُها وكِبرياؤُها- أن تَرُدَّ النَّاسَ جميعًا إلى حضارةٍ واحدةٍ، أو تُصيغَهم في ثقافةٍ مُعيَّنةٍ، وأنَّ الحضارةَ الَّتي تُحاوِلُ ذلك إنَّما تُحاولُ تغييرَ مشيئةِ اللهِ في خَلْقِه، وَاللهُ -كما يقولُ القرآنُ: { غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ  }.

ومَنطِقُ الأديانِ لا يَعرِفُ تَسلُّطَ الحضاراتِ بعضِها على بعضٍ، بل يُؤكِّدُ على أنَّ العَلاقةَ بينَ الحضاراتِ المختلِفةِ لو دَرجَتْ في هذا الاتِّجاهِ المشئومِ، فإنَّ النَّتيجةَ لن تكونَ أبَدًا سيطرةَ حضارةٍ على حضارةٍ، أو سيادةَ ثقافةٍ على حسابِ ثقافةٍ أُخرى، وإنَّما القَدَرُ المحتومُ آنَئِذٍ هو: إمَّا انهيارُ الحضاراتِ المتغطرسةِ، أو عَـودةُ البشريَّةِ كلِّها إلى حالةٍ مِن الهمجيَّةِ والفَوضَى، رُبَّما لا يَعرِفُ التّاريخُ لها مثيلًا مِن قبلُ. 

وواضحٌ مِن هذه المقارنةِ السَّريعةِ، أنَّ منطقَ الأديانِ في عَلاقةِ أبناءِ الحضاراتِ بعضِهم ببعضٍ؛ يتناقضُ جِذريًّا مع منطقِ صراعِ الحضاراتِ ومنطقِ نهايةِ التَّاريخِ، ومِن قَبلِهما مَنطقُ المجتمعِ الشُّيوعيِّ ذي الطَّبقةِ الواحدةِ، الَّذي تَداعَت أركانُه قَبلَ أن يكتملَ بُنيانُه، وأنَّ الأديانَ إنَّما تُعوِّلُ في أمرِ هذه العَلاقةِ على نَزعةِ التَّديُّنِ الَّتي هي غريزةٌ وفِطرةٌ مُشتَرِكةٌ، وشعورٌ عامٌّ وشائعٌ بين النَّاسِ جميعًا، لم تخلُ منه أمَّةٌ مِن الأُمَمِ في القديمِ أو الحديثِ، فقد أَثبتتِ الحَفريَّاتُ ودِراسةُ الأساطيرِ وعِلمُ مُقارَنةِ الأديانِ في الغربِ أنَّ نزعةَ التّديُّنِ أقدمُ في تاريخِ الإنسانِ مِن كلِّ حضارةٍ مادِّيَّةٍ، وأنَّ فِكرةَ التَّأليهِ أو  الأُلوهيَّةِ لم تكُن -كما يقولُ فولتير Voltaire وروسُّو Rousseau:  «فِكرةً مصنوعةً اخترعَها دُهاةٌ ماكرون مِن الكَهَنةِ والقَساوسةِ الَّذينَ وَجَدوا مَن يُصدِّقُهم مِن الحَمقَى والسُّخَفـاءِ»([21])      

إنَّ الإنسانَ المتديِّنَ هو المؤهَّلُ للإحساسِ بأخيهِ الإنسانِ، والشُّعورِ بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ الَّتي هي أساسُ القِيَمِ الرُّوحيَّةِ المشتَرِكةِ بينَ الأديانِ، وهذه الحقيقةُ شديدةُ الوُضوحِ في الإسلامِ الَّذي أَدِينُ به، والَّذي يُقرِّرُ انتسابَ النَّاسِ جميعًا إلى أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ، ولا يكتفي بذلك، بل يُقـرِّرُ الأخُـوَّةَ الدِّينيَّةَ بينَ الإسلامِ وبينَ الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ السَّابقةِ عليه، ويَربِطُه بها رَبْطًا عُضويًّا لا يَنفصِـمُ؛ سـواءٌ كانَ ذلك على مُستوى الإســلامِ دِيـنًا، أو كتابًا مُقــــــدَّسًا، أو نبيًّا مُبلِّغًا لهذه الرِّسالةِ.

وانظروا كيف كان الإسلامُ في القـرآنِ عُنوانًا على الدِّينِ الإلهيِّ الواحدِ، الَّذي حَملَ مُهمَّةَ تبليغِه للنَّاسِ جميعُ الأنبياءِ والمرسَلِينَ، مِن آدمَ إلى مُحمَّدٍ – صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين.

والأنبياءُ في الإسلامِ -كما يقـولُ سيِّدُنا محمَّدٌ ﷺ: «إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ» ([22])، أي: إخْوَةٌ مِن أَبٍ واحِدٍ وأُمَّهاتٍ شَتَّى، والأبُ الواحدُ في هذه الصُّورةِ النَّبويَّةِ يَرمُزُ للدِّينِ الواحدِ الَّذي يَنتسِبُ إليه الأنبياءُ، أمَّا تعدُّدُ الأمَّهاتِ فيَرمُزُ إلى تعدُّدِ شرائعِ الأنبياءِ واختلافِها حسَبَ تَطوُّراتِ الزَّمانِ والمكانِ.

 وانظروا كيف يُسجِّلُ القرآنُ أنَّه جاءَ مُصدِّقًا للتَّوراةِ والإنجيلِ، ويَصِفُ كلًّا منهما بأنَّه هُدًى ونُورٌ، بل انظُروا صِلةَ الرَّحِمِ المُدهِشَةِ بين مُحتوى الإسلامِ دِينًا، وبين مَحتوياتِ الرِّسالاتِ السَّابقةِ في الخطابِ القرآنـيِّ الّذي يقـولُ: { شَـرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ  } [الشُّورى: 13].

ومادامَ الدِّينُ واحدًا والمصدرُ واحدًا، فمِن المستحيلِ ألَّا تتفِقَ الأديانُ وتَتداعى حولَ أُصولٍ عامَّةٍ وقواعدَ مُشتَرِكةٍ؛ تكونُ بمثابةِ الشُّعلةِ الَّتي يحمِلُها الأنبياءُ، ويَتداولونها واحِدًا وراءَ الآخَرِ.

وليسَ صحيحًا ما يَشْغَبُ به الغافلونَ عن هذه الحقيقةِ؛ مِن أنَّ ما يُوجَدُ في القرآنِ مِن أشباهٍ ونظائرَ في الكُتُبِ الإلهيَّةِ السَّابقةِ هو أَخذٌ واقتباسٌ مِن هذه الكُتُبِ، ولو أنَّهم فَطُنُوا إلى وَحْدَةِ الدِّينِ الإلهيِّ، لتَنبَّهوا إلى أنَّ هذه الأشباهَ والنَّظائرَ بُرهانٌ على وَحْدَةِ المصدَرِ، ووَحدَةِ الخطابِ الإلهيِّ في القَضايا الكُبرى الَّتي تَثبُتُ على وَجهِ الزَّمانِ، وليسَت -كما زعَموا- دليلًا على فُرقةِ هذه الكُتُبِ، واقتباسِ أحدِها مِن الآخَرِ.

  ونحن -المسلمين- نعتقدُ تمامَ الاعتقادِ أنَّ الرِّسالاتِ الإلهيَّةَ مُتَّفِقةٌ في قضيَّةِ عَقيدَةِ التَّوحيدِ، وأيضًا في أمَّهاتِ الفضائلِ والأخلاقِ، وأنَّ شيئًا مِن ذلك لا يُتصوَّرُ أن يَختلِفَ مِن رسالةٍ إلى أخرى مِن رسالاتِ الدِّينِ الواحدِ.

 فَالوَصايا العَشرُ الَّتي ورَدَت في سِفرِ الخروجِ مَثَلًا لا يُعيِيكَ أن تجِدَها مَذكورةً ومَبثوثةً في آياتِ القرآنِ الكريمِ.

 وكذلك عِظةُ السَّيِّدِ المسيحِ عليه السَّلام على الجَبلِ، وما جاءَ بها مِن بيانِ معنى السَّعـادةِ، والبِرِّ والصَّدَقةِ والزُّهدِ، وبُشرى الفقراءِ والوُدعـاءِ والرُّحماءِ والمحزونينَ والسَّاعينَ لنـشرِ السـَّـلامِ.

ما أشـبهَ الليلةَ بالبارحـةِ! فمنذُ أكـثرَ مِن 70 عامًا، كَتبَ الأستاذُ الإمامُ محمَّد مصطفى المَراغي شيخُ الأزهرِ الشريفِ آنَذاك (ت.1364هـ/1945م) رسالةً بعُنوانِ: «الزَّمالةُ العالَميَّةُ»([23])، أرسلَ بها إلى المؤتمرِ العالَميِّ  للأديانِ، والَّذي عُقِدَ في لندن عام: 1936م، بيَّنَ فيها أسبابَ الفُرقةِ والاختلافِ، ولفَتَ النَّظرَ فيها إلى  سَببٍ هامٍّ مِن أسبابِ الصِّراعاتِ العالَميَّةِ، وهو استغلالُ الأديانِ، وبَيعُها وشِراؤُها في سُـوقِ السِّياساتِ والصِّراعاتِ، وكان يَرَى أنَّ الحياةَ المادِّيَّةَ تَغلَّبت على الدِّينِ وتحكَّمت فيه وعبثَت به، وأنَّ البدايةَ الصَّحيحةَ هي بَعثُ الزَّمالةِ الدِّينيَّةِ أوَّلًا بينَ رُؤساءِ الأديانِ أَنفُسِهم، فهم أَقدَرُ مِن غيرِهم على إدراكِ هذه المعاني السَّاميةِ، وأَوْلَى النَّاسِ بأن يَفهَموا أنَّ الخطرَ الَّذي يُداهِـمُ الإنسانيَّةَ لا يَجـيءُ مِن أديانِ المُخالِفِينَ، وإنَّما يجيءُ مِن الإلحـادِ، ومِن الفَلسفاتِ الَّتي تُقدِّسُ المادَّةَ وتَعبُدُها، وتستهينُ بتعاليمِ الأديانِ، وتعدُّهـا هُزُؤًا ولَعِبًـا([24]).

وقد اقـترحَ الأستاذُ الإمامُ المَراغيُّ خُطَّةً مُحدَّدةً لتَفعيلِ بَرنامَجِ «الزَّمالةِ العالَميَّةِ» هذه، وحَـدَّد لها الوسائلَ والآليَّاتِ، ومنها:

أوّلًا: إيجـادُ هَـيئةٍ تَعملُ على تَنقيةِ الشُّعورِ الدِّينيِّ مِن الضَّغائنِ والأحقـادِ، ويُتوصَّلُ إلى ذلك بأمورٍ:

1- توجيهُ النَّشاطِ الدِّينيِّ في الأديانِ المُختلِفةِ إلى هذا الاتِّجاهِ الإنسانيِّ، بدَلًا مِن توجيهِه صَوْبَ الصِّراعِ بينَ الأديانِ والمُتديِّنينَ.

2- جمعُ المَعاني الإنسانيَّةِ السَّاميةِ العامَّةِ في كلِّ دِينٍ، مِن الرِّفقِ بالبَشرِ والبِرِّ بهم، دونَ نظرٍ إلى الفوارقِ الَّتي تُفرِّقُ بينهم، وإذاعةُ ذلك بمُختلِفِ الوسائلِ في مُختلِفِ اللُّغاتِ.

3- الاعتمادُ في نشرِ هذه المَعاني العامَّةِ على أساسٍ عَقليٍّ مَحْضٍ، وحُبٍّ للحقيقةِ، مع تَجنُّبِ الاعتمادِ على وسائلَ غيرِ بريئةٍ في توجيهِ الاعتقـادِ أو الإغراءِ به.

ثانيًا: إيجـادُ هيئةٍ تَقـومُ بتَقويةِ الشُّعورِ الدِّينيِّ لدى الطَّبقاتِ النَّيِّرَةِ، حتَّى يُمكِنَ تدعيمُ مراكزِ التَّديُّنِ أمامَ البحثِ العلميِّ والتَّفكيرِ الحرِّ؛ تدعيمًا يتأيَّدُ بمُقابَلةِ الدَّليلِ بالدَّليلِ، والبُعدِ عن التَّضليلِ، وعن الرُّكونِ إلى السُّلطةِ الرُّوحيَّةِ المُستبِدَّةِ، وبالجُملةِ: البُعدُ عن الأخطاءِ الماضيةِ الَّتي دَفعَت الإنسانيَّةُ ثَمَنَها باهظًا ومُرهقـًا([25])

هذه هي رسالةُ الأزهرِ الشَّريفِ إلى مؤتمرِ لندن للحوارِ العالَميِّ للأديانِ، منذُ سبعينَ عامًا مَضــــتْ، ورغـــــــمَ أنَّ العـــــالَمَ قد تغيَّرَ الآنَ كثيرًا؛ فإنَّه ما زالَ أمسَّ حاجةً إلى رُوحِ هذه الرِّسالةِ الَّتي تَشهَدُ على عالميَّةِ الأزهرِ الشَّريفِ، وأنَّه -منذُ القِـدَمِ- يَحمِلُ همَّ البشريَّةِ كلِّها، ويَستجيبُ لكلِّ دعوةٍ جادَّةٍ تَهتَمُّ بنشرِ السَّلامِ العالَميِّ  المؤسَّسِ على العدلِ، واحترامِ حقوقِ الإنسانِ، والمساواةِ بين النَّاسِ، وأنَّ الأزهرَ في كلِّ ذلك يَنطلِقُ مِن أنَّ الأغراضَ الإنسانيَّةَ حين تَتغيَّاها مؤتمراتُ حِوارِ الأديانِ، لا تُنافي قواعدَ الإسلامِ العامَّةَ، إنْ لم تكُن مِن أهمِّ مقاصدِه وأغـراضِه.    

أنَا لا أمَلُّ مِن تَكرارِ ما ذَكرتُه في المحاضرةِ السَّابقةِ، مِن أنَّ الإنسانيَّةَ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى نُورِ النُّبُوَّةِ،  فقد أَخفَقَتِ المدَنِيَّةُ الأوروبيَّةُ الحديثةُ في سَعيِها لخيرِ الإنسانِ، وأَسلَمَته إلى رَحًى تَدُورُ بأسبابِ الطُّغيانِ والغَلَبَةِ وازدِواجيَّةِ المعاييرِ، وليسَ بين هذينِ مَعْدَلَةٌ ولا نَصَفَةٌ، إنَّ هذا أَمرٌ لا يُمارِي فيه إلَّا مُكابِرٌ أو مُعانِدٌ، فهل يُمكِنُ أن يتطهَّرَ العالَمُ الحديثُ فيما يُستقبلُ مِن أيَّامِه على أساسِ العَودِ الحميدِ إلى هَدْيِ السَّماءِ!؟

***

 

حَضارةُ الإسلامِ وحَضارةُ الغَربِ والسَّلامُ المفقودُ(*)

الحمدُ للهِِِِِِِ، والصَّلاة والسَّلامُ على سيِّدِنا رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصَحبِه ومَن والاهُ.

ها هو شهرُ رمضانَ الكريمُ يُلملِمُ أطرافَه ويَستعدُّ للرَّحيلِ، وتدنو شَمسُه مِن الغروبِ، ولا ندري هل سيُقدَّرُ لنا أن نَتفيَّأَ ظِلالَ جلالِه وجمالِه، أو سيَقضي اللهُ دونَ ذلك أمرًا كانَ مفعولًا!

إنَّ هذا الشهرَ الكريمَ هو شهرُ القرآنِ، وهو شهرٌ أوَّلُه رحمةٌ، وأَوسَطُه مَغفرةٌ، وآخِرُه عِتقٌ من النارِ([26]) ، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، وصَفَها القرآنُ الكريمُ في قولِه تعالى : {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }، ثمَّ  أَوصانا بها النَّبيُّ ﷺ في قولِه الشَّريفِ: «التَمِسوها في العَشرِ الأَواخِرِ» ([27]).

والاحتفالُ بِلَيلةِ القَدرِ هو في حقيقةِ الأمرِ احتفالٌ بالقرآنِ الكريمِ، ذلكم الكتابُ الَّذي صَنَعَ حضارةً إسلاميّةً رائعةً، ثمَّ  هو الَّذي يَحمِيها مِنَ الذَّوَبانِ ومِنَ الاندثارِ، وهو الَّذي يَقِيها الآنَ من ضَرَباتِ الانتقامِ الَّتي تُوجِّهُها إليها اليومَ حضاراتٌ أُخرى مُعاصِرةٌ، أَدارَت ظُهورَها لهَدْيِ الأديانِ، واتَّخذَت مِن صِراعِ الحضاراتِ وصِداماتِها المسلَّحةِ مَذهبًا وفلسفةً وعقيدةً، وقد أعلنَ شاعرُهم القديمُ جوزيف كبلنج (ت.1936) Joseph Kipling في سنةِ: 1890م في مُستهَلِّ قصيدتِه الشهيرةِ: «أُنشودةِ الشَّرقِ والغربِ» ما ترجمتُه: «الشَّرقُ شرقٌ والغربُ غربٌ، وأبدًا لن يَلتَقِيا»، وقد سَرَتْ مقولتُه هذه في سياساتِ الغربِ مَسرى المبدأِ والقاعدةِ في تكييفِ عَلاقةِ الغربِ بالشَّرقِ، بل عَبَّرت منذُ أكثرَ من قَرنٍ عن أخصِّ وَصفٍ للثَّقافةِ الغربيَّةِ الرَّافضةِ للشَّرقِ الإسلاميِّ، والمناهضةِ لحضارتِه وتراثِه في القرنِ الماضي وما قبلَه أيضًا.

وكنُّا نظنُّ أنَّ ثقافةَ «رفضِ الإسلامِ» هذه قد عَفَى عليها الزَّمانُ بعدَ التَّقدُّمِ المُذهِلِ الَّذي حقَّقَه الغربُ، وبخاصَّةٍ في مجالِ المعلوماتِ، حيثُ يُمكِنُ الآنَ قراءةُ الإسلامِ قراءةً صحيحةً، ويسهُلُ التَّعرُّفُ على يُسرِه وإنسانيَّتِه بكلِّ دِقَّةٍ ووضوحٍ من جانبِ الغربيِّين، وبحيثُ لا يَبقَى أيُّ مبرِّرٍ لثُبوتِ الغَربِ على موقفِه العدائيِّ التَّقليديِّ مِن الإسلامِ وحضارتِه.

ومع ذلك فُوجِئنا بسياساتِ الغربِ الحديثةِ تَنسُجُ على مِنوالِها القديمِ، بعد تغيِيرِ اللَّافتاتِ، وتَلفيقِ الدَّعاوَى والأكاذيبِ، فبعدَ أن كان الباعثُ على الاستعمارِ في القرنَيْن الماضيَيْن رسالةَ الرَّجُلِ الأبيضِ تِلقاءَ الشَّرقيِّين الهمَجِ، وتهذيبَهم وتمدينَهم، طالَعَنا الغربُ بعِلَّةٍ جديدةٍ هي: «صِدامُ الحضاراتِ»، و«حتميَّةُ مواجهةِ الإسلامِ»، و«نهايةُ التَّاريخِ»، و«الفوضى الخلَّاقةُ»، و«نشرُ الدِّيموقراطيّةِ»، وكلُّها مُغالَطاتٌ وفضائحُ مُخجِلةٌ إذا ما نُظِرَ إليها في نُورِ الآيةِ الكريمةِ الَّتي تُقرِّرُ تَعارُفَ الحضاراتِ وتكامُلَها وتآخيها، وذلك في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13]، وأيضًا في ضوءِ النُّورِ النَّبويِّ الّذي أكَّدَ بدَورِه على مبدأ المساواةِ بين الناسِ: «النَّاسُ سَواسِيةٌ كَأسنانِ المُشْطِ» ([28]) ، «النَّاسُ بنو آدمَ، وخَلقَ اللهُ آدمَ من ترابٍ» ([29]).

إنَّ نظريةَ صدامِ الحضاراتِ الَّتي تحكُمُ فلسفةَ الأنظمةِ الغربيَّةِ، هي نظريةٌ استعماريَّةٌ بامتيازٍ، وهي مُصَمَّمةٌ بعنايةٍ لتَسويغِ الصِّدامِ المحتومِ مع الإسلامِ؛ والَّذي يَستولي هاجِسُه على صانعِي القرارِ في الغربِ، وقد صِيغتْ هذه النَّظريَّةُ في كُتيِّبٍ نُشِرَ في الولاياتِ المتَّحدةِ، سنةَ: 1996م، ولم يَلبَثْ صُنَّاعُ القرارِ هناك أنْ تبنَّوْا هذه الدَّعوى ومعَها الدَّعاوى الأُخرى، وحوَّلوها إلى واقعٍ بائسٍ مريرٍ يعيشُه العَرَبُ والمسلمونَ في أكثرَ مِن بلدٍ مِن بُلدانِهم وأوطانِهم.

إنَّ حضارةَ الإسلامِ لا تَعرِفُ استِقطابَ الحضاراتِ الأُخرى، ولا نَفيَها ولا  استِبعادَها، ولو كانَت كذلك لَما صمَدَتْ على وجهِ التَّاريخِ، وما بقِيَتْ حتَّى الآنَ إلَّا لأنَّها حضارةُ سلامٍ، وحضارةُ اعتدالٍ وتوسُّطٍ، والمسلمونَ وَسَطِيُّونَ، بل إمَّا أنْ يكونوا وَسَطِيِّينَ، وإمَّا أنْ يكونوا غيرَ ذلك، وهذا هو مُقتضى خطابِ اللهِ للمسلمينَ في كتابِه الكريمِ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة:  143]، والأُمَّةُ الشَّاهدةُ على غيرِها من الأُمَمِ هي أمَّةُ العدلِ، والعدلُ هو الوَسَطُ.

وقد تميَّزَتْ حضارةُ الإسلامِ بهذه الوسطيَّةِ عن الحضاراتِ الأُخرى الَّتي انحازَت إمَّا إلى المادَّةِ، وإمَّا إلى الرُّوحِ؛ والسَّببُ في ذلك: وسطيَّةُ القرآنِ الكريمِ نفسِه، وتوازنُه وتعادُلُه في خطابِ الإنسانِ، ولأنَّ الإنسانَ مُواطِنٌ في عالمَيْن -كما يُقالُ- يَنتمي برُوحِه إلى عالَمِ الغَيْبِ، وبجَسَدِه إلى عالَمِ المادَّةِ والشّهادةِ، فإنَّ القرآنَ الكريمَ يوَفِّرُ في نداءاتِه للإنسانِ كلَّ ما يُلبِّي هذهِ الحاجاتِ المُزدوِجةَ.

وفي هذا الصَّددِ، يُمكِنُ أنْ يُقالَ الكثيرُ في وَسَطِيَّةِ الخطابِ القرآنيِّ من حيثُ الاعتقادُ والأخلاقُ والتَّشريعُ، والرُّؤيةُ المُتوازِنةُ للثُّنائيَّاتِ الكُبرى، كعالَمِ الغَيبِ والشَّهادةِ، والدُّنيا والآخِرَةِ، والَجبْرِ والاختيارِ، والفكرِ والمادَّةِ، والدِّينِ والدَّولةِ، والرَّجُلِ والمرأةِ، وحُرمةِ الاعتداءِ معَ وجوبِ الدِّفاعِ عن النفسِ، إلى ثُنائيَّاتٍ أُخرى يصعُبُ حصرُها.

بل إنَّ الحضارةَ الإسلاميَّةَ قد أفادَت بسببِ هذا المبدأِ العِلميِّ الأخلاقيِّ كلَّ ما خَسِرَتْه الحضاراتُ الأُخرى بسَبَبِ غِيابِ المبدأِ ذاتِه؛ فالإنسانُ في حضارةِ الإسلامِ مُتحرِّرٌ مِن كلِّ التَّناقُضاتِ الدَّاخليةِ الَّتي تَنشأُ مِن جرَّاءِ الاستِقطابِ بينَ الرُّوحِ والجسدِ، أو بين مُتطلِّباتِ الهَدْيِ الإلهيِّ ومُتطلِّباتِ الحياةِ والمجتمعِ، والإنسانُ المسلمُ مُؤَهَّلٌ للقفزِ على الهُوَّةِ المُصطَنَعةِ للقطيعةِ بينَ الدُّنيا والآخِرةِ، والأخذِ مِن كلٍّ بما يحقِّقُ طُموحاتِ جسدِه وأشواقَ رُوحِه، فلا ثنائيَّةَ ولا استقطابَ ولا صِراعَ، وإنَّما التقاءٌ وتكامُلٌ وتمازُجٌ يُبدِعُ نظرةً مُتكامِلةً، وشعورًا هادئًا مُتوازنًا، وإدراكًا متميِّزًا بالكونِ وبمُبدِعِ الكونِ في الوقتِ نفسِه.

ولعلِّي لا أَقعُ في مُجازفاتِ المُبالَغةِ لو قلتُ: إنَّ الحضاراتِ غيرَ الإسلاميَّةِ، والَّتي بَنَتْ تصوُّراتِها في غَيْبةٍ مِن نورِ الوَحيِ والسَّماءِ، ومِن الخُلُقِ والضَّميرِ الإنسانيِّ، لم يكُنْ أمامَها إلَّا فلسفةَ الصِّراعِ أداةً أو آلةً للتَّعامُلِ معَ الغيرِ، فماذا ننتظرُ – مثلًا – من حضارةٍ تَعجِزُ عن الجمعِ بين الإيمانِ بالمادَّةِ والإيمانِ باللهِ، فتُؤمِنُ بالأولى وتكفُرُ باللهِ؟ ماذا ننتظرُ منها إلَّا أنْ تُشكِّلَ كلَّ تصوُّراتِها وتصرُّفاتِها في إطارِ هذه الحياةِ الأرضيَّةِ الخانِقةِ؟ وبحيثُ تُصبِحُ اللَّذَّةُ أو المَنفعةُ أو حبُّ الذَّاتِ هو مِعيارَ الفضائلِ والرَّذائلِ الَّذي لا مِعيارَ غيرَه؟!

ولك أنْ تتصوَّرَ أنَّ حضاراتٍ كُبرى بمؤسَّساتِها السِّياسيَّةِ والعسكريَّةِ يحكُمُها هذا المنطِقُ المادِّيُّ الصِّرْفُ، ثمَّ  يحتاجُ تأمينُ اقتصادِها – مثلًا – إلى تشغيلِ مصانعِ السِّلاحِ، أو السَّيطرةِ على مصادرِ الثَّروةِ خارجَ حدودِها، فهل ستَتردَّدُ هذه الحضاراتُ في الحصولِ على ما تُريدُ، حتَّى لو تمَّ ذلك على جُثثِ الآخَرينَ وأشلائِهم؟ وهل ستتورَّعُ عن اقترافِ هذه الجرائمِ؟ ومن أينَ لها هذا المبدأُ الَّذي يَعصِمُها مِنِ ارتكابِ هذه الفظائعِ؟

وما كانَ للحضارةِ الإسلاميَّةِ أنْ تعتمدَ الصِّراعَ مَنهجًا تتعامَلُ به معَ الحضاراتِ الأُخرى، وتُمارسَ من خِلالِه نفيَ الآخَرِ، وتدميرَ ذاتِه، أو تَبديلَ هُوِيَّتِه، وتاريخُ الفُتوحاتِ الإسلاميَّةِ يَشهَدُ على أنَّ الحضارةَ الإسلاميَّةَ كانَت تَحمِلُ فيما تَحمِلُه حُلولًا جَذريَّةً لمُشكِلاتٍ اجتماعيَّةٍ حقيقيَّةٍ، فكانَت تُحرِّرُ المُضطهَدِينَ والمظلومين مِن ظُلمِ الطُّغاةِ وبأسِهم، ولم يُعرَفْ في تاريخِ هذه الحضارةِ قَطُّ أنَّ المسلمين كانوا يُحرِّرون الضُّعفاءَ؛ مِن أجلِ السَّيطرةِ عليهم، أو استعبادِهم والاستيلاءِ على مُقدَّراتِهم؛ إذ مِن المعلومِ لَدى المُنصِفينَ -حتَّى مِن غيرِ المسلمينَ- أنَّ القتالَ في الإسلامِ لم يكُنْ أبدًا لتغييرِ الأديانِ، أو فرضِ الإسلامِ على أهلِ دِينٍ آخرَ.

وما عُهِدَ أبدًا في التَّاريخِ أنَّ المسلمينَ ذهبوا إلى قومٍ ليسَ بينَهم وبينَهم عداوةٌ وتُراثٌ وقالوا لهم: إمَّا الإسلامَ وإمَّا السَّيفَ، ولسنا في حاجةٍ إلى التَّدليلِ على هذه القضيَّةِ؛ لأنَّها من الواضحاتِ بذَواتِها، لولا ما يُثيرُهُ أصحابُ الدَّعاوى المُريبةِ والشُّكوكِ المُصطَنَعةِ، ولكنْ نُشيرُ – في عُجالةٍ – إلى أنَّ الإسلامَ ما كان يُطرَحُ من قِبَلِ الفاتحِينَ المسلمينَ على أنَّه الحلُّ الوحيدُ الَّذي لا خِيارَ معَه ولا بَدائِلَ له، بل كانَ يُطرَحُ معَه –وجَنبًا إلى جَنبٍ- بقاءُ الآخَرينَ على دِينِهم، وضمانُ حُرِّيتِهم كاملةً في ممارَســـةِ طقوسِهم وشـــــــعائرِهم.

ولـــو أنَّ القرآنَ الكريمَ أو السُـنَّــةَ المُطَهَّرةَ أشارتْ -ولـــو مِن بعيـدٍ- إلى أنَّ فرضَ الدِّينِ واحتلالَ الأرضِ هما الغايةُ مِن القِتالِ، لَما قَبِلَ المسلمونَ المنتصرونَ بقاءَ الآخَرينَ على دِينِهم مُقابِلَ دفعِ مبلغٍ زهيدٍ هو أيسرُ ما يَقبلُه غالبٌ مِن مغلوبٍ، لكنَّ التاريخَ يُحدِّثُنا أنَّ المسلمينَ الفاتحينَ كانوا يعيشونَ جَنبًا إلى جَنبٍ معَ أهلِ هذه البلادِ، وهم على دِينِهم وعاداتِهم وتقاليدِهم، أي: كانوا يَسمحون بوجودِ حضارةٍ أُخرى كاملةٍ ومُختلِفةٍ عن حضارتِهم يَتواصَلُونَ معَها، ولا يَرَوْنَ بأسًا من العيشِ في جِوارِها، على أنَّ إقرارَ الآخَرِينَ على أديانِهم وما يَستلزِمُه هذا الإقرارُ من قَبولٍ لحضارةِ الأديانِ السَّماويَّةِ الأُخرى، وأنماطِ حياتِها، وظواهرِ الاجتماعِ النَّاشئةِ في ظِلالِها -برهانٌ واضحٌ على أنَّ الحضـــارةَ الإســــــلاميةَ لم تكُــنْ أبدًا حضارةَ نفيٍ واستبعادٍ وانفرادٍ بالساحةِ.

وهذا هو أَثَرُ الوسطيَّةِ الَّتي تَتجلَّى في احترامِ الإسلامِ للأديانِ الأُخرى وقَبولِه إيَّاها حتَّى وإنِ اختلفَ معها، وهذا ما طبَّقتْهُ الحضارةُ الإسلاميَّةُ في البلادِ الَّتي دَخلَتْها، وكانَ أهلُها مِن أتباعِ الدِّيانةِ المسيحيَّةِ كمصرَ مَثَلًا، بل هذه الوسطيَّةُ الحضاريَّةُ هي نفسُها كانَت مِن وراءِ دخولِ النَّاسِ في الإسلامِ في تلك البلادِ، وما زالَت هذه الوسطيَّةُ تَعمَلُ عملَها في جَذبِ الغربيِّين والأمريكيِّين وغيرِهم إلى الإسلامِ، حتّى أصبحَ الاطِّرادُ في زيادةِ أعدادِ المسلمين الغربيِّين مصدرَ قَلَقٍ وتَوتُّرٍ لدى الجهاتِ الرَّسميَّةِ في هذه الدُّوَلِ.

ولعلَّ الَّذين يتنكَّرون لوسطيَّةِ الإسلامِ لا يَرتابون في أنَّ هذه الملايينَ مِن الغربيِّينَ الَّذين يختارونَ الإسلامَ دِينًا، لم يحمِلْهم على هذا الاختيارِ سيفٌ مُشْرَعٌ على رءوسِهم في لندن أو باريس أو برلين أو روما أو واشنطن، وذلك بالرَّغمِ من حَمَلاتِ التَّشويهِ المُمَوَّلةِ والَّتي لا تترُكُ لحظةً إلَّا استغلَّتْها في التَّنفيرِ مِن الإسلامِ والمسلمينَ.

والذي يَتتبَّعُ تاريخَ عَلاقةِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ بغيرِها من الحضاراتِ، يَهُولُه الأثرُ الأخلاقيُّ والإنسانيُّ لوسطيَّةِ الإسلامِ والمسلمين، والَّذي عَصمَهم مِن التَّردِّي فيما تردَّى فيه غيرُهم مِن أبناءِ الحضاراتِ الأُخرى حينَ قُدِّرَ لهم الغَلَبةُ على المسلمين، فما إنْ ظَفِرُوا بهم حتَّى قَلَبوا لهم ظَهْرَ المِجَنِّ، وقابلوا سماحتَهم بقَسوةٍ مُنقطعةِ النَّظيرِ.

ولْنتَّخِذْ منَ الأندلسِ حالةً تُوضِّحُ الفَرْقَ بين وسطيَّةِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ وتسامُحِها حينَ سادَت في هذه البلادِ، وبين تطرُّفِ حضارةِ الإسبانِ حينَ جاءَ دَورُهم وملَكوا زِمامَ الأمورِ في بلادِهم، وسوفَ نكتفي هنا بمَثَلٍ واحدٍ فقط، هو ما ذَكَرَه المؤرِّخونَ في مَعرِضِ سماحةِ المسلمينَ في الأندلسِ مِن ظاهرةِ المشاركةِ الكاملةِ في أعيادِ المسيحيِّينَ، وتَغاضي كثيرٍ مِن فقهاءِ الإسلامِ وتساهلِهم معَ تجاوزاتٍ تَمَسُّ بعضَ أحكامِ الشريعةِ مثلُ: مجالسِ اللَّهوِ والطَّرَبِ، ولدَرَجةِ أنْ أَفْردَ بعضُ الأندلسيِّين منَ المسلمينَ مُصنَّفاتٍ مستقلةً للحديثِ عن هذه الأعيادِ غيرِ الإسلاميَّةِ، ومنهم: أبو عامرٍ السُّلَميُّ، وأبو القاسم العَزَفيُّ، وابن بَشْكُوالَ القرطبيُّ، بل عُنِي بإيراد أخبارِ هذه الاحتفالاتِ فقهاءُ وفلاسفةٌ مسلمون، مثل: الطُّرطوشيُّ، وابن رُشدٍ، والوَنشَرِيسيُّ وغيرُهم.

ويُعلِّلُ المؤرِّخونَ هذه المشاركةَ باندماجِ المسلمينَ مع المسيحيِّينَ أيامَ الحُكمِ الإسلاميِّ للأندلسِ، وشيوعِ زواجِ المسلمينَ بالإسبانيَّاتِ، وأنَّ هؤلاء الإسبانيَّاتِ كُنَّ يحتفِلنَ في بيوتِ أزواجِهنَّ من المسلمينَ بأعيادِ المسيحِ عليه السَّلامُ، ونحن نصدِّقُ هذه الرِّواياتِ؛ لأنَّنا نعلمُ أنَّ الإسلامَ لا يَحولُ بين أحَدٍ وبين البقاءِ على دِينِه، وأنَّه لا يمنعُه من ممارسةِ عاداتِه وعِباداتِه وشرائعِه، وأنَّ الوثيقةَ الَّتي كتَبَها النَّبيُّ ﷺ عهدًا لنصارى نجران هي السَّنَدُ الشَّرعيُّ في ذلك، وفيها من صُورِ التسامحِ الرَّفيعِ ما لم يَعرِفْه التَّاريخُ، ولن يعرفَه لغيرِ نبيِّ الإسلامِ، وقد جاء في هذه الوثيقةِ: «... وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ عَلَى دِمَائِهِم، وَأَمْوَالِهِم، وَمِلَّتِهِم، وَبِيَعِهم، وَرَهْبَانِيَّتِهِم، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَشَاهِدِهِم، وَغَائِبِهِم، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، عَلَى أَنْ لَا يُغَيِّرَهُ أُسْقُفٌّ مِنْ سِقِّيفَاهُ، وَلَا وَاقِفٌ مِنْ وِقِّيفَاهُ، وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَعَلَى أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا، وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، مَنْ سَأَلَ مِنْهُم حَقًّا فَالنِّصْفُ بَيْنَهُم بِنَجْرَانَ ... وَعَلَيْهِمُ الْجَهْدُ وَالنُّصْحُ فِيمَا اسْتَقْبَلُوا غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مَعْنُوفٍ عَلَيْهِم»([30]).

ولعلَّ القارئَ المُنصِفَ -أيُّها الإخوةُ– لهذه الوثائقِ يتَّفقُ معي في أنَّ أيَّ تعقيبٍ على هذه البنودِ يفقِدُ قِيمتَه أمامَ دهشةِ المسلمِ، وغيرِ المسلمِ أيضًا مِن هذا الإنصافِ المُتفرِّدِ، والذي لا يخرُجُ إلَّا من مِشكاةٍ كمِشكاةِ النُّبوَّةِ المحمَّديَّةِ.

إنَّ دروسَ رمضانَ وتجربتَه الرُّوحيَّةَ تفرِضُ علينا فرضًا أنْ نتذكَّرَ -ونحن نَمُرُّ بهذا المنعطَفِ الخطيرِ في تاريخِ أمَّتِنا - أنَّ علينا واجباتٍ وفروضًا لا مَناصَ مِن أدائِها، وأهدافًا لا مَفرَّ مِن تحقيقِها، وأوَّلُ هذه الواجباتِ هو: وَحدةُ الصَّفِّ، ويَقَظةُ الضَّميرِ، وتحمُّلُ المسئوليَّةِ؛ حتَّى لا تتفلَّتَ مِن بينِ أَيدينا المكاسِبُ الَّتي حقَّقتْها لنا الانتفاضاتُ والثَّوْراتُ العربيةُ، والَّتي سَالَت مِن أجلها دِماءٌ عزيزةٌ غاليةٌ، وذهبَ فِداءً لها شهداءُ هُم أحياءٌ عند ربِّهم يُرزَقونَ.

لَسنا -أيُّها الإخوةُ- وَحدَنا في هذا العالَمِ، ولنا أصدقاءُ، ولنا أعداءُ لا يغمَضُ لهم جَفْنٌ إلَّا بتَمزيقِ وَحدتِنا، وتَبديدِ ثَروتِنا، وإعادتِنا إلى ما قبلَ قرنَيْنِ مِن الزَّمانِ، فَلنَنتصِرْ على أَهواءِ النُّفوسِ، وَلنَرتفِعْ إلى مُستوى الحَدَثِ، ومَعرَكتُنا معركةُ بقاءٍ وصُمودٍ أمامَ تَحدِّيَاتٍ قاسيةٍ، ورياحٍ عاتيةٍ، تعصِفُ بأوطانِنا وببلادِنا وبتاريخِنا وثقافتِنا.

على مَقرُبةٍ منَّا شعبٌ مسلمٌ يُعاني منذ عَقدَينِ مِن الزَّمانِ مِن التَّفكُّكِ السِّياسيِّ، والتَّراجعِ الأمنيِّ، وأهلُه يموتُ أغلبُهم جُوعًا وفقرًا وجَفافًا، وإنِّي أدعو مِن مِنبَرِ الأزهرِ الشَّريفِ: المصريِّينَ والعربَ والمسلمينَ إلى حَمْلةِ مُساعداتٍ واسعةٍ وعاجلةٍ؛ لجمعِ الأموالِ والغذاءِ والدَّواءِ؛ إنقاذًا لهؤلاءِ البُؤَساءِ في الصُّومالِ الشَّقيقِ، ونحن بهذه الدَّعوةِ إنَّما نُراهِنُ على أخلاقِ الإسلامِ الَّتي أَرساها نبيُّه ﷺ فيما يَرويه عنه الإمامُ البخاريُّ([31]): «تَرَى المؤمنين في تَراحُمِهم وتَوادِّهم وتَعاطُفِهم كمَثَلِ الجسدِ، إذا اشتَكى عُضوٌ، تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهرِ والحُمَّى».

لقد آنَ الأوانُ -ونحن في وَداعِ هذا الشَّهرِ الكريمِ- أنْ نَعمَلَ على إنجازِ مشروعٍ حضاريٍّ إسلاميٍّ، يُواجهُ التَّحدِّيَاتِ، ويُصحِّحُ مسارَ الأُمَّةِ، ويُلبِّي طموحاتِ شعوبِها.

ويقيني أنَّ ترتيبَ البيتِ الإسلاميِّ مِنْ داخلِه، وبسواعدِ أبنائِه، وعلاجَ ما فيه مِنْ عِلَلٍ وأمراضٍ، هو تحدِّي اللَّحظةِ الرَّاهنةِ بكلِّ ما يَضطرِبُ فيها مِن مخاطِرَ وآلامٍ، ومِن آمالٍ وأشواقٍ، إلى نهضةٍ يَقِظةٍ تُعيدُ إلينا ما نستحِقُّ مِن مجدٍ وعزٍّ وقيادةٍ وريادةٍ.

 

 

([1]) أصلُ الحَديثِ كلمةٌ أُلقِيَت في افتتاحِ مُنـتدَى: «تعــزيزُ السِّــلْمِ في المجتمعاتِ المُسـلِمـةِ» المنعقدِ بأبو ظبي، خلالَ الفترة من: 8-9 من جمادى الأولى، سنة: 1435هـ، الموافق: 9-10 من مــــارس، سنة: 2014م.

([2]) «السَّلام من أجل عالم أفضل»، عبد الفتاح محسن بدوي: 15.

([3]) م. ن.

[4]-  م. ن: 17.

[5]- الإرهاب والعنف السياسي، لمحمد السماك: 37، دار النفائس، بيروت 2014م.

([6]) أخرجها البخاري في صحيحه (67)، ومسلم في صحيحه (1679) من حديث أبي بَكْرَةَ ؓ  وغيره، وفيها: أن رسول الله ☺ قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» .

([7]) يراجع: صحيح البخاري (مثلًا: 1739، 4625، 6438، 6788)، وصحيح مسلم (مثلًا: 1337، 1578).

([8]) كما في خطبته بعد فتح مكة: أخرجها البخاري في صحيحه (104)، ومسلم في صحيحه (1354) مِن حديثِ أبي شريح العدوي ؓ ، وخطبته يوم النحر في حجة الوداع: تقدَّم تخريجُها مِن حديثِ أبي بَكْرَةَ ؓ  وغيره .

([9]) رواه البخاري في صحيحه: (3612) مِن حديثِ خبَّاب بن الأرتِّ ؓ.

(1) انظر ما سبق ص  .

([11]) أخرج البخاري في صحيحه (2474) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ ؓ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّهْبَى وَالمُثْلَةِ».

([12]) أخرج الطبراني في معجمه الكبير: 1/97 105 (168) من حديث علي بن أبي طالب ؓ قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/145: «هو مُرسَلٌ، وإسنادُه حَسَن»، ومرادُ الهيثميِّ أن الحديثَ مُنقطعٌ؛ لأن إسماعيلَ بنَ راشدٍ لم يشهَدِ القصةَ، وأخرج البخاري في صحيحه (5515) مِن حديثِ عبدِ الله بنِ عُمَرَ ¶ قال: «لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ بِالحَيَوَانِ».

([13]) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: 18/297-302  في وصية أبي بكر ؓ لجيوشه، ثم قال: « وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ثم أخرج ثلاثة أحاديث عن أنس، وابن عباس، وعلي ╚ ثم قال: « فِي هَذَا الْإِسْنَادِ إِرْسَالٌ وَضَعْفٌ، وَهُوَ بِشَوَاهِدِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْآثَارِ يَقْوَى، وَاللهُ أَعْلَمُ».

([14]) كلمةٌ أُلقِيَتْ في اليوم الثاني لمؤتمر: «الدُّعاء من أجل السَّلام»، والمنعقد بمدينة أسيسي بإيطاليا، في 11، 12شعبان 1427هـ، الموافق: 4، 5 سبتمبر  2006م.

([15]) أخرجه ابن نصر  في تعظيم قدر الصلاة (945) بهذا اللفظ ،  وأبو بكر الخلَّال في السنة (1384 ) ، وابن بطة العكبري في الإبانة  (887)  ، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (1536) بزيادة « وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ»،  من حديث أبي الدرداء موقوفًا بإسنادٍ حَسَن ، وأخرجه أبو بكر بن الخلَّال في السنة (1195 ) ، وأبو عبد الله العدني في كتاب الإيمان  (62 ) مرفوعًا من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ حُوَيْطِبٍ ،وهو مرسل ، وله شاهد من حديث ابن مسعود موقوفًا: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (30397)، والطبراني في المعجم الكبير (8941) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد : 1/ 295 : «فيه أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، وهو ضعيف»، وذكر الحافظ البوصيري في إتحاف المهرة :2/409 عدةَ شواهد تُقوِّيه .

 

([16]) أخرجه  النسائي في المجتبى (3939 )، وأحمد في مسنده (12292)، والطبراني في المعجم الكبير (741)، والضياء المقدسي في المختارة (1533) مِن حديثِ أنس رضي الله عنه. وقال ابن الملقِّن في البدر المنير:1/ 501 : إسناده صحيح.

([17]) أخرجه أبو داود في سننه (4985)، وأحمد في مسنده (23087) ، وابن أبي شيبة في المصنف (939)، وأبو بكر بن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2396)، وقال الحافظ العراقي في: المغني عن حمل الأسفار ص: 195: إسناده صحيح.

([18]) أخرجه الترمذي في سننه (2191)،  وأحمد في مسنده (11587)، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».

([19]) بحثٌ أُلقِيَ في مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان المنعقد بدولة قطر يوم الاثنين 20ربيع الثاني 1428، الموافق 7 مايو عام 2007م.

([20]) وهي الصالة المشهورة باسم: «الخمس مئة» «salone dei cinquecento»، بقصر فيكيو «palazzo vecchio»، وفيها أجمل لوحات ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو.

([21]) انظر: «بحوث ممهِّدة لدراسة تاريخ الأديان»، لمحمَّد عبد الله دراز: 80، وما بعدها.

([22]) أخرجه البخاري في صحيحه (3443) من حديث أبي هريرة ◙.

([23]) طبعت أوَّلًا بمجلَّة الأزهر، المجلد (7) سنة: 1936م، ثمَّ طُبعت مستقلَّة في مطبعة الرَّغائِبِ في القاهرة، عام: 1936م.

([24]) رسالة الأستاذ الإمام الشَّيخ المراغيِّ للمؤتمر العالميِّ  للأديان، مجلَّة الأزهر، مجلَّد (7) عام: 1936م، صفحة: 306.

([25]) م.ن: 308 - 309 ( بتصرُّف ).

(*) كلمة ألقيت.........

([26]) جزء من حديث أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (41)،  وابن خزيمة في صحيحه (1887) وقال : إن صح الخبر، وابن شاهين في فضائل رمضان (14)، والبيهقي في شعب الإيمان (3336)  من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وفيه: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، ميزان الاعتدال :3/ 127.

ولكن الحديث في فضائل الأعمال وقد قال النووي في «الأذكار: 8 »: قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: «يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا». 

([27]) متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه (2016)، ومسلم في صحيحه (1167) من حديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه، وأخرجه البخاري في صحيحه (2021)  أيضًا مِن حديث ابن عباس رضي الله عنه، ومسلم في صحيحه (1165 ) من حديث  ابن عمر رضي الله عنهما .

([28]) أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (949)، وابن حبان في المجروحين (152)، وابن عدي في الكامل (4/ 225) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (477) مِن حديثِ سَهْل بن سعد رضي الله عنه .

([29]) أخرجه أبو داود في السنن (5116) ، والترمذي في جامعه (3956) وقال : هذا حديث حسن صحيح ،  و أحمد في مسنده (8735)  من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . 

[30]- أخرجه أبو عبيد  القاسم بن سلام في الأموال: 1/244(503)، وابن زنجويه في الأموال: 2/447 (732)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة: 2/584.

 

[31]- في صحيحه (6011) وأخرجه أيضًا مسلم في صحيحه (2586) بنحوه، من حديث النعمان بن بشير .

Previous Article كلمة فضيلة الإمام في قمة رئيسات برلمانات العالم
Next Article كلمة الإمام الأكبر في جامعة القاهرة
Print
5250 Rate this article:
No rating

Please login or register to post comments.