Deutsch (Deutschland)
 

كلمة فضيلة الإمام الاكبر في جنيف
/ Categories: Main_Category

كلمة فضيلة الإمام الاكبر في جنيف

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الحضور !

السلام عليكم جميعآ

اسمحوا لى فى البداية ان اتقدم لكم بخالص الشكر والتقدير على الدعوة لهذا اللقاء الذى جمعنا فى ظروف حرجة يمر بها عالمنا اليوم , وأزمة أخلاقية تعيشها الإنسانية جمعاء , حتى أصبحت معانى المحبة والسلام استثناء من قاعدة كلية تحكم العالم هى الأنانية والكراهية والصراع . ولعلى لا أبالغ لو قلت أننا لا نكاد نجد وطنآ واحدآ إلا ويشتاق الى سلام دائم وعيش لا عنف فيه ولا إرهاب .

 

وإنه لمن دواعى الحزن الشديد أن باتت أصابع الاتهام كلها تتوجه إلى الأديان رامية إياها بتهمة صنع هذا الإرهاب اللعين .

 

ولعل أصحاب هذا الاتهام لا يعون حقيقتين هامتين فى هذا الشأن , أولهما : أن الأديان إنما جاءت لترسيخ السلام بين الناس ورفع الظلم عن المظلوم والتأكيد على حرمة دم الإنسان , ويكفى ان الدين الذى أعتنقه وكما تعلمون اشتق اسمه من السلام فكان اسمه " الإسلام " , وأن السلام فى هذا الدين وكما تعلمون اسم من أسماء الله تعالى وأن من اسمائه أيضا الرحمن الرحيم والرؤوف الودود اللطيف كما أن رسول الإسلام عرف شخصية المسلم بأنه : " من سلم الناس من لسانه ويده " أى من أذى لسانه و أذى يده .

 

والحقيقة الثانية أن الإرهاب الذى تتهم في نشره الأديان عامة والإسلام خاصة هو إرهاب لا يفرق بين متدين وملحد أو بين مسلم وغير مسلم .

 

وإن نظرة سريعة لضاحيا الإرهاب تؤكد أن المسلمين أنفسهم هم أكثر من يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم وأشلائهم , ليس فقط فى الشرق حيث يضرب الإرهاب دول العراق وباكستان ولبنان ومصر وليبيا وحيث تمزقت سوريا التى هدموا فيها أكثر من ألف مسجد حتى الآن , وقتل فيها أكثر من أربعمائة ألف قتيل , بل فى أوروبا سفكت دماء المسلمين جنبا الى جنب مع دماء الأوروبيين في حوادث هذا الإرهاب ورغم ذلك فإن الخسارة الكبرى التى أصيب بها المسلمون هى فيما أعتقد إلصاق هذا الاتهام حتى أثمر خطاب الكراهية الذى تبناه يمينيون متطرفون أهانوا الأديان ونادوا بعزلها وتهجير أهلها من أوطانهم وألحقوا الأذى بدور عبادتهم , فبات الأبرياء بين مطرقة الإرهاب وسندان الإسلاموفوبيا .

 

السادة الحضور !

لا أريد أن استرسل في الدفاع عن الأديان ضد هذه التهمة الظالمة , فأنتم تعرفون ظلم هذه التهمة وزيفها ولكنى أريد أن أؤكد أن مسؤولية الأديان تجاه ترسيخ السلام ونشره في ربوع الأرض هى المسؤولية الأولى و الأصلية للدين بل هى أهم أهدافه التى أرسل من أجلها , فما من دين إلا وحرم دم الإنسان وماله وعرضه , ولا أعلم دينآ سماويآ سمح بإراقة الدماء واغتيال الحقوق وترويع الآمنين .

وفى اعتقادى أنه لن يعم السلام ولن تنعم به البشرية إن لم تعمل مؤسسات الأديان وقادتها يدآ بيد على صنع السلام .

وأكرر على مسامعكم ما نادي به الأزهر منذ أكثر من سبعين عاما وفي عواصم الغرب هنا أنه لابد اولآ من صنع السلام بين رجال الأديان أنفسهم , وبينهم وبين المفكرين , وأصحاب القرارات المصيرية قبل العمل على نشره بين البسطاء من الناس .

 السيدات والسادة ّ!

في الحقيقة لم تعد تكفى تلك الإدانات والبيانات التى تصدر من أهل الأديان ضد عمليات العنف والإرهاب وخطابات الكراهية , فكأننا بها نعمل فى جزر منفصلة , وهو عمل لا يأتى إلا بنتائج ضعيفة ليس لها تأثير ملموس ومؤثر على أرض الواقع , بل يجب التنسيق من أجل عمل مشترك لمواجهة ظاهرة العنف ومن خلال مشروع عالمي يلمس الواقع تقوم عليه القيادات الدينية , عبر عديد من اللقاءات تبحث فى أسباب الظاهرة والوقوف على أهم الحلول المقترحة لمواجهتها ومواجهة فكرية علمية واجتماعية وتربوية فاعلة ,

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسسة الأزهر استحدثت مادة جديدة فى مناهجها التعليمية لتوعية التلاميذ والطلاب بمخاطر التطرف والإرهاب وتحصينهم من الوقوع فى أى فكر يدعوا الى العنف أو الانضمام جماعات ترفع لافتة الإسلام وتنتهج العنف المسلح .

وبموازاة ذلك فإنه لا مناص من أن تقوم الأديان بدورها فى توعية شباب العالم بقيمة الرحمة والرفق من خلال تنظيم ملتقيات شبابية دولية كبرى تعنى بتعريف المفاهيم الدينية وفى مقدمتها ترسيخ مفهوم المواطنة الذى لا نفرق فى ضوئه بين مواطن وآخر على أساس الدين أو العرق , وهو أساس الإيمان بالتعددية والحرية والمساواة وقبول الآخر واحترام معتقداته , وقد طبق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم هذه المفاهيم وسبق بها دساتير العالم حين رسخ هذه المبادئ فى نفوس مواطنى المدينة المنورة بمجرد أن هاجر إليها عندما كتب لهم أن " المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب واليهود , أمة واحدة وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم "

 

هكذا رسخ النبى صلى اللهعليه وسلم مبدأ المساواة بين المواطنين من المسلمين وغير المسلمين فى نموذج دولته الأولى وسجله فى كتاب معروف باسم وثيقة المدينة .

وفى هذا السياق نؤكد أن الإيمان بقيمة هذا المبدأ فيه الخلاص من مشاكل دينية واجتماعية لا حصر لها سواء فى دول الشرق أو فى دول الغرب ,

فطالما أكدت شريعة الإسلام أن على المسلمين فى الشرق المسلم اعتبار المخالفين لهم من الديانات الأخرى مواطنين مشاركين فى بناء الوطن والدفاع عنه , وقد اشتهرت فيهم القاعدة الشرعية " لهم ما لنا وعليهم ما علينا "

وطالما نادى الأزهر الشريف المواطنين المسلمين فى دول الغرب باعتبار انفسهم جزءآ من مجتمعاتهم يندمجون فيها اندماجا ايجابيا ويتفاعلون معها تفاعلا يحقق السلم المجتمعى .

ولا شك أن لرجال الدين هنا دورآ لا ينبغى أن يتجاهلوه فى كسر الحواجز النفسية التى بناها دعاة العنف والعزلة والكراهية بين المختلفين فى الاعتقاد , وذلك من خلال إبراز حقائق كثيرة يأتى  فى مقدمتها أن هذا الاختلاف سنة الله وإرادته التى لا يمكن ابدآ أن تنشأ معها علاقة صراع أو عزلة أو حرب , فهذا تناقض بين حرية التعدد ومصادرة هذا الحق .

وفى نهاية كلمتى أتطلع وأنا بينكم هنا لتكثيف جهودنا معآ لمواجهة جميع المظاهر والممارسات التى تقف فى طريق نشر السلام والرحمة  والعدل بين الناس فى الشرق والغرب , والخروج بمشروع إنسانى متكامل ينتهى بنا الى التأثير الإيجابى على مجريات الأحداث من حولنا , علنا نقابل الله ولدينا من أعمال الخير ما يحول بيننا وبين عتابه وحسابه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,

تحرير فى مشيخة الأزهر

26من ذو الحجة سنة 1437ه

الموافق : 27من سبتمبر سنة 2016م

   أحمد الطيب

شيخ الأزهر                                   

 

Previous Article أ.د / يوسف عامر
Next Article كلمة فضيلة الإمام الأكبر بإندونيسيا
Print
4875 Rate this article:
No rating

Please login or register to post comments.