Deutsch (Deutschland)
 

Große Kanzel für Verbreitung der ausgegelichenen Positionen der Al- Azhar

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.

الحضارة وعمارة الأرض ( من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي-  الدكتور حمدي زقزوق)
Anonym
/ Categories: مقالات

الحضارة وعمارة الأرض ( من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي- الدكتور حمدي زقزوق)

الحضارة وعمارة الأرض

        لقد حدّد الحق تبارك وتعالي مهمة الإنسان الحضارية في هذا الكون بقوله: ﴿ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61]

 وهذا يعني أن الله قد كلّف الإنسان بإعمار الأرض وصنع الحضارة فيها. ويعني ذلك بدوره تمهيد الأرض وتحويلها إلى حال يجعلها صالحة للعيش فيها والانتفاع بخيراتها. والاستعمار في الآية الكريمة هو طلب العمارة. ولا علاقة لهذا المصطلح بالمعني السلبي الذي شهدناه في عهود الاحتلال الأجنبي لعالمنا الإسلامي وغير الإسلامي، والذي يرتبط في الأذهان بمعاني التخريب والسلب والنهب والاستغلال الشنيع للأرض وللإنسان.

     وحتى يستطيع الإنسان القيام بهذه المهمة الحضارية في هذا الكون سلّحه الله بالعلم الذي جعله الإسلام فريضة دينية. ولكن عمارة الأرض على هذا النحو ليست هي الحضارة بإطلاق، وكذلك ليست هي العمارة بإطلاق، وإنما هي أحد جوانب العمارة. ويمكن أن يطلق عليها مصطلح " الحضارة الشيئية" أو المادية. أما الجانب الآخر الذي به تكتمل الحضارة-أو عمارة الأرض بالتعبير القرآني-فإنه يشمل كل القيم الدينية والعقلية والأخلاقية والجمالية، وبمعني آخر: إن الحضارة الحقيقية هي التي تضع الإنسان في قمة أهدافها.

     ولا يبعد مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي عن ذلك كثيراً، ولكنه يجعل الحضارة مرتبطة بتحقيق المشيئة الإلهية. ومن هنا يمكن القول بأن الحضارة في المفهوم الإسلامي تعني تحقيق المشيئة الإلهية في عمارة الأرض مادياً ومعنوياً. وبذلك يحقق الإنسان ذاته بوصفه خليفة الله في الأرض.

     وهكذا نجد أن سيطرة الإنسان على قوي الطبيعة لا تكفي وحدها لبناء الحضارة، بل لابد أن ينضم إلى ذلك أيضاً سيطرة الإنسان على نوازعه الداخلية، وأهوائه وشهواته حتى تكون منضبطة بالقيم الأخلاقية. وبذلك تتم عمارة الأرض كما أرادها الله. وبذلك أيضاً يكون الإنسان في صلة مستمرة بالله خالق الكون، تصحِّح له هذه الصلة دائماً مساره على الأرض حتى لا يضلّ الطريق، فيظن أنه سيّد هذا الكون فيتجبر ويتكبر ويطغي ويعيث في الأرض فساداً. فذلك كله ليس من التحضر في شيء، بل هو مناقض تماماً للحضارة وللإنسانية.

    وبناءً على ما تقدّم يمكن القول بأن الحضارة بالمعني الصحيح تعني التقدم المادي والروحي للإنسان. وبهذا لا تنفصل عن القيم الإنسانية بمعناها الشامل. كما أن مفهوم الحضارة مرتبط بمفهوم التقدم. وهذا يعني أن الحضارة تُعدّ نقلة تقدمية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني: تقدمية في الفكر وفي السلوك وفي أسلوب التعامل مع الناس والأشياء. وهذا كله في إطار منظومة من القيم التي تتعدي الإطار القَبَلي الضيّق إلى دائرة الإنسانية الأوسع والأرحب.

   وقد كان للإسلام دور كبير في تنبيه الأذهان إلى هذه الدائرة الإنسانية الواسعة مؤكّداً على العنصر الإنساني الشامل. وفي ذلك يقول القرآن الكريم:

    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  [الحجرات:13]

  وقد نبهت هذه الأية إلى عدة حقائق هي:

  1. النداء موجّه لكل الناس.
  2. وحدة الأصل الإنساني.
  3. وجود اختلافات غير جوهرية بين الأمم والشعوب.
  4. نظراً لأن هذه الاختلافات لا تتعلق بجوهر الإنسان كإنسان فإنها تُعدّ منطلقاً للتعارف بين الناس بوصفهم ينتسبون جميعاً إلى أصل واحد مشترك.

وهذا التعارف يُعدّ مفتاحاً للتفاهم والتعاون المشترك بين البشر في سبيل ترسيخ قيم إنسانية مشتركة. ومن أجل ذلك جعل الإسلام الاعتداء على فرد واحد من أفراد البشرية بمثابة الاعتداء على البشرية كلها. وفي المقابل جعل تقديم الخير لفرد واحد بمثابة تقديم الخير للبشرية جمعاء. وهذا يعني وضع الإنسان في مكانه الصحيح، ويعني أيضاً أن الإسلام يُعدّ دينَ الإنسانية بكل ما تحمله هذه العبارة من معني.

ومن ذلك يتضح ان هدف أي حضارة حقيقية هو الإنسان. فالإنسان هو صانع الحضارة وهو في الوقت نفسه هدف الحضارة. وفي تأكيدنا على المعني الإنساني للحضارة لا نعدو قول الحق إذا قلنا: إن الحضارة تنتهي عندما تفقد في مضمونها معني الإنسان، وحيث ينتهي المعني الإنساني تبدأ الأخلاق الزائفة والحضارة الزائفة.

    وإذا كان الفيلسوف الإنجليزي المعروف " توماس هوبز" قد ذهب في تصوره إلى حد رؤية الإنسان ذئباً بالنسبة لأخيه الإنسان، وأن الكلّ في حرب ضد الكل، فإن التصور الإسلامي الذي يتلاءم مع الحضارة الحقيقية أو الذي يعبر عن لُب هذه الحضارة، والذي ينبغي أن يصل إلى وعي الأفراد والجماعات هو " مسئولية الكلّ عن الكلّ". وهذا يمثل قمة التضامن والتعاون والتكافل بين البشر جميعاً.

Print
6491 Rate this article:
2.7

Please login or register to post comments.