Ελληνικά (Ελλάδα)

منبرٌ كبيرٌ لنشر وسطية الأزهر الشريف بكل لغات العالم

 

كلمات فضيلة الإمام الأكبر في التطرف والإرهاب
Anonym
/ Categories: Main_Category

كلمات فضيلة الإمام الأكبر في التطرف والإرهاب

 

كلمات في التطرف والإرهاب

(3)

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ([1])

السَّادةُ الحضــورُ!

السَّلامُ عليكُم جميعًا؛ ورحمةُ الله وبركاتُه.

اسمَحُوا لِي في البِدَايَةِ أنْ أتقدَّمَ لكم بخالص الشُّكْرِ والتَّقْدِير على الدَّعوةِ لهذا اللِّقاءِ الَّذي يَجْمَعُنا في ظرُوفٍ حَرِجَةٍ يَمُرُّ بها عالَمُنَا اليَومَ، وأزمَةٍ أخلاقيَّةٍ تعيشُها الإنسانيَّةُ جَمْعَاءُ، حتَّى أصبَحَت مَعاني المَحَبَّةِ والسَّلَامِ استثناءً مِن قاعدةٍ كُلِّـيَّةٍ تحكُمُ العالَمَ؛ هِيَ الأنانِيَّةُ والكَراهِيةُ والصِّرَاع.

ولَعَلِّي لا أُبَالِغُ لو قُلتُ: إنَّنا لا نكادُ نَجِدُ الآنَ وطنًا مِن الأوطانِ إلَّا ويَشْتَاقُ إلى سَلَامٍ دائِمٍ وعَيشٍ لا عُنفَ فيه ولا إرهابٍ. 

وإنَّهُ لَمِن دَواعِي الحُزْنِ الشَّدِيدِ أَنْ باتَت أصَابِعُ الاتِّهام كُلُّها تتوجَّهُ إلى الأديانِ راميةً إيَّاهَا بتُهمةِ صُنعِ هذا الإرهابِ اللَّعِينِ. 

ولعلَّ أصْحَابَ هذا الاتِّهَامِ يَغفُلونَ تمامًا عن حقيقتين هامَّتين في هذا الشَّأنِ:

أوَّلُهما: أنَّ الأديانَ إنَّما جاءت لترسيخِ السَّلامِ بين النَّاسِ، ورفعِ الظُّلمِ عن المظلومِ، والتَّأكيدِ على حُرمةِ دمِ الإنسانِ، ويكفي أنَّ الدِّينَ الذي أعتنقُه اشتُقَّ اسْمُهُ مِن السَّلامِ؛ فكانَ اسْمُهُ «الإسْلام»، وأنَّ السَّلامَ في هذا الدِّينِ - وكما تعلمونَ حضَراتِكُم- اسمٌ من أسماءِ الله تعالى، ومِن أسمائِهِ أيضًا الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ والرَّءُوفُ الوَدودُ اللَّطيفُ، كما أنَّ رسُولَ الإسلامِ حدَّدَ مَن هو المسلمُ فقالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» أي: من أذى لِسَانِهِ وأذَى يَدِه.

والحَقِيقَةُ الثانية الَّتي يَنْسَاهَا هؤلاءِ: أنَّ الإرهَابَ الَّذي تُتَّهَمُ بِهِ الأديانُ عامَّةً، والإسْلَامُ خاصَّةً هو إرهابٌ لَا يُفَرِّقُ بين مُتدَيِّنٍ ومُلحدٍ، أو بين مُسْلِمٍ وغيرَ مُسْلِمٍ. 

وإنَّ نظرَةً سَريعةً لِضَحَايا الإِرْهَابِ لَتُؤكِّدُ على أنَّ المُسْلِمينَ أنفسَهم هم أكثرُ مَن يَدفَعُون ثمنَ هذا الإرهابِ مِن دمائهِم وأشلائهِم، ليس فقط في الشَّرقِ حيث يَضرِبُ الإرهابُ دُوَلَ العِراقِ وباكستانَ ولُبنَان وَمِصْرَ وليبيا، وحيثُ تمزَّقَت سوريا التي هدَمُوا فيها أكثرَ مِن ألفِ مسجدٍ حتَّى الآنَ، وقُتِلَ فيها أكثرُ مِن أربعِمائةِ ألفِ قتيلٍ، بل أوروبَّا التي سُفِكَت فيها دماءُ المسلمين جنبًا إلى جنبٍ مع دماءِ الأوربِّيِّينَ في حوادثِ هذا الإرهابِ، ورغمَ ذلك فإنَّ الخَسَارةَ الكُبرى التي أُصيبَ بها المسلمون هي -فيما أعتقدُ- إلصَاقُ هذا الإرهابِ بدِينِهم، وإفرادُهُ بهذه التُّهْمَةِ مِن بينِ سائِر الأدْيَانِ، وترديدُ هذا الاتِّهامِ وتَكرارُه حتَّى أثمرَ خطابَ الكَراهِيةِ الذي تبنَّاهُ يَمِينيُّونَ متطرِّفُون أهانوا المسلمين، ونادَوا بعَزلهِم وتَهجيرهِم مِن أوطانِهِم وألحَقُوا الأذَى بِدُورِ عبادتهِم، فبَاتَ الأبرِياءُ بَيْنَ مِطرَقةُ الإِرْهَابِ وسِنْدَانِ «الإسلامُوفوبيا». 

السَّــادةُ الحضُــورُ!

لَا أُرِيدُ أن أسْتَرسِلَ في الدِّفاعِ عن الأدْيَانِ ضِدَّ هذه التُّهْمَةِ الظَّالِمَةِ، فأنتُم خَيْرُ مَن يَعْرِفُ ظُلْمَ هذه التُّهْمَةِ وزَيفَها، ولَكِنِّي أُرِيدُ أنْ أُؤَكِّدَ على أنَّ مَسْئوليَّةَ الأديانِ تجاهَ ترسيخِ السَّلامِ ونَشرِهِ في رُبوعِ الأرضِ، أصبحت هي المسئوليَّةَ الأُولى لِقَادَةِ الأديانِ، والرِّسَالَةَ الأصِيلةَ للدِّينِ الَّذي يجبُ أن تطرُقَ أسمَاعَ النَّاسِ صَبَاحًا ومَسَاءً، فما مِن دينٍ إلَّا وَحَرَّمَ دمَ الإنْسَانِ ومالَهُ وعِرضَه، ولا أعلَمُ دِينًا سَمَاويًّا سَمَحَ بِإراقَةِ الدِّمَاءِ، واغتيالِ الحقُوقِ، وترويعِ الآمِنينَ. 

وفي اعتِقَادِي أنَّهُ لَنْ يَعُمُّ السَّلَامُ، ولَنْ تَنْعَمَ بِهِ البشَريَّةُ؛ إنْ لَمْ تعمَل مؤسَّساتُ الأديَانِ وقادتُها يدًا بيدٍ على صُنعِ السَّلَامِ. 

وأُكَرِّرُ على مَسامِعكُم ما نادَى بِهِ الأزهرُ منذُ أكثرَ مِن سبعينَ عامًا وفي عواصِمِ الغربِ هنا أنَّه لابُدَّ أوَّلًا مِن صُنعِ السَّلامِ بينَ رجالِ الأدْيَانِ أنفُسِهِم، وبينَهُم وبينَ المُفَكِّرين، وأصْحَابِ القراراتِ المَصِيريَّةِ قَبْلَ العَمَلِ على نَشْرِهِ بين البُسَطَاءِ مِن النَّاسِ.

الســيِّداتُ والسَّـــادَةُ! 

في الحَقِيَقةِ لَمْ تَعُدْ تَكْفِي تِلْكَ الإدَانَاتِ والبيانَاتِ الَّتي تصْدُرُ من أهلِ الأديانِ ضِدَّ عمليَّاتِ العُنفِ والإرهَابِ وخطاباتِ الكراهيةِ، وكأنَّنا بهذا نَعمَلُ في جُزُرٍ مُنْفَصِلَةٍ، وهو عمَلٌ لا يأتي إلَّا بنتائجَ ضعيفةٍ، لَيْسَ لها تأثيرٌ ملمُوسٌ على أرضِ الواقعِ، بل يجبُ التَّنسيقُ مِن أجلِ عملٍ مُشْتَركٍ لِمُواجَهةِ ظاهِرَةِ العُنْفِ، ومِن خلالِ مشروعٍ عالَميٍّ يَمَسُّ الواقِعَ ويُغيِّرُه، وتقومُ عليه القِيادَاتُ الدِّينيَّةُ، عَبْرَ عدِيدٍ من اللِّقَاءَاتِ الَّتي تَبحَثُ في أسبابِ الظَّاهِرَةِ والوقوفِ على أهمِّ الحُلولِ المُقترَحةِ لِمُواجَهَتِها مواجهةً فكريَّةً عِلميَّةً واجتماعيَّةً وتربويَّةً.

وتَجْدُرُ الإشَارةُ هنا إلى أنَّ مُؤسَّسَةَ الأزهرِ استَحْدَثَتْ مادَةً جدِيدَةً في مناهِجِهَا التَّعلِيمِيَّةِ لتوعيةِ التلامِيذِ والطُّلَّابِ بمَخاطرِ التَّطرُّفِ والإرهابِ، وتَحْصِينِهِم مِنَ الوقوعِ في أيِّ فِكْرٍ يَدْعُو إلى العُنْفِ، أو الانضِمَامِ إلى جماعَاتٍ تَرْفَعُ لافِتةَ الإسْلَامِ، وتنتَهِجُ العُنْفَ المُسَلَّح، وبمُوازاةِ ذلك؛ فإنَّهُ لا مناصَ مِن أن تقومَ الأديانُ بدَورِها في توعيةِ شبَابِ العالَمِ بقِيَمِ الرَّحْمَةِ والرِّفقِ مِن خلالِ تنظيمِ مُلتقيَاتٍ شبابيَّةٍ دوليَّةٍ كُبرى تُعنَى بتَعريفِ المفاهِيمِ الدِّينيَّةِ، وفي مقدِّمتِها ترسيخُ مفهُومِ المواطنةِ الَّذي لَا يُفَرِّقُ بينَ مُواطنٍ وآخرَ على أساسِ الدِّينِ أوِ العِرقِ، ويَسْتَمِدُّ قوَّتَهُ مِن الإيمانِ بالتعدُّدِيَّةِ والحُريَّةِ والمُسَاواةِ، وقَبُولِ الآخَرِ واحترامِ مُعْتَقَدَاتِه، وقد طَبَّقَ رسولُ الإسلامِ محمَّدٌ ﷺ هذه المفاهِيمَ، وسَبَقَ بها دساتِيرَ العالَمِ حينَ رسَّخَ هذه المبادئَ في نُفوسِ مُواطني المَدِينةِ المُنَوَّرَةِ بمُجَرَّدِ أن هاجَرَ إليها عندمَا كتَبَ لهُم أنَّ: «الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِب واليَهُود أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وأَنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْف أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنَ دِينُهُمْ». 

هكذا رسَّخَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم مبدأَ المُساواةِ بين المُواطنِينَ من المسلمين وغيرِ المسلمين في نموذجِ دولَتِهِ الأُولى، وسجَّله في كتابٍ معروفٍ عندنا باسْمِ «وثيقةِ المَدِينَة».

وفي هذا السِّياقِ نؤكِّدُ أنَّ الإيمانَ بقيمةِ هذا المبدأِ فيه الخلاصُ مِن مشاكلَ دينيَّةٍ واجتماعيَّةٍ لا حصرَ لها سواءٌ في دُوَلِ الشَّرقِ أو في دُوَلِ الغربِ. 

هذا وقد أكدَّت شريعةُ الإسلامِ أنَّ على المُسْلِمِينَ في الشَّرقِ اعتبارَ المُخالفينَ لهم مِن الدِّياناتِ الأُخرى مُواطِنين مُشاركينَ في بِناءِ الوطنِ والدِّفاعِ عنه، وقد اشتَهَرَت فيهمُ القاعدةُ الشَّرعيَّةُ الإسلاميَّةُ التي تقولُ: «لَهُمْ مَا لَنـَا، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا».

كما نادى الأزهرُ الشَّريفُ المواطنينَ المُسْلِمِين في دُوَلِ الغربِ بأن يَعْتَبِرُوا أنْفُسَهُم جُزءًا من مُجتمعاتِهِم يندمِجون فيها اندماجًا إيجابيَّا ويتفاعلونَ معَها تفاعُلًا يُحَقِّقُ الرَّخاءَ والسَّلَامَ المُجْتَمَعِيَّ.

 ولا شَكَّ أنَّ لرجالِ الدِّينِ هنا دَورًا لا يَنبغي أن يَتجاهلوه في كَسْرِ الحواجِزِ النَّفْسِيَّةِ التي بناهَا دُعاةُ العُنْفِ والعُزلةِ والكَراهيةِ بين المختلفينَ في الاعتقادِ، وذلك مِن خلالِ إبرازِ حقائقَ كثيرةٍ يأتي في مقدِّمتِها أنَّ هذا الاختلافَ هو سُنَّةُ اللهِ وإرادتهُ في عبادِه، والتي لا يُمْكِنُ أبدًا أن تنشَأَ معَها عَلاقةُ صِراعٍ أو عُزلَةٍ أو حَرْبٍ، فهذا تناقضٌ بَيْنَ حُريَّةِ التَّعدُّدِ ومُصَادرةِ هذا الحَقِّ.

وفي نِهَايَة كَلِمَتِي أتطلَّعُ -وأنا بينكُم هُنَا- لتكثِيفِ جهودِنَا معًا لِمُواجهةِ جَمِيع المظاهِرِ والمُمَارسَاتِ الَّتي تَقِفُ في طريقِ نشرِ السَّلامِ والرَّحمَةِ والعَدْلِ بين النَّاسِ في الشَّرقِ والغربِ، والخُروجِ بمَشروعٍ إنسانيٍّ مُتَـكَامِلٍ ينتهي بِنَا إلَى التأثيرِ الإيجابيِّ على مَجرَياتِ الأحداثِ مِن حَولِنَا، علَّنَا نقابِلُ اللهَ ولَدَينا مِن أعمَالِ الخَيْرِ مِا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عِتَابِهِ وحِسَابِهِ.

شُــكْـــرًا لَكُمْ.

والسَّلامُ عليكُم ورَحمـــةُ اللهِ وبركاتُه؛

تحــــريرًا في: 28 من ذو الحِجـَّةِ سـنة: 1437ﻫ

 المــــوافــق: 30 من ســـــــبتمبر ســنة: 2016 م                                                           

أحمـــد الطَّـيِّب

شـــيخ الأزهــر الشَّريف

 

 

[1]- أصلُ الكلمةِ: محاضرةٌ أُلقيت في افتتاح الحوار بين مجلس الحكماء المسلمين، ومجلس الكنائس العالمي، بسويسرا في: 28 من ذي الحجة سنة 1437هـ/ 30 من سبتمبر سنة 2016م.

Print
5080 Rate this article:
No rating

Please login or register to post comments.

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.