كلمة فضيلة الإمام الأكبر في كلمته الرئيسة بملتقى حكماء الشرق والغرب في مدينة فلورانسا الإيطالية
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحكماء من الغرب ومن الشرق:
الســـلام عليكم جميعًا.. وبعد؛
فإنه لشرف كبير أن أكون معكم اليوم، في هذا اللقاء الذي لا أشك في أنه سيكون لقاءً تاريخيا مشهودا، ربما يتوقف عنده تاريخ الإنسانية -يومًا-ليكتبه بأحرف من نور، ويسجلَّه في أنصع الصفحات، وما ذلك على الله ببعيد.
إن هذا العمل الذي نشهد اليوم أولى حلقاته، ولا ندري شيئًا عن بقية مراحله، كان فكرةً مجردة في عالم الأحلام والأماني، حين زارني في منزلي ، بحي مصر الجديدة بالقاهرة، أصدقاؤنا القدامى: الأب فيتوريو يناري والأستاذة باولا بيتزو والسيد أندريا ترتيني، منذ عام أو أكثر، وكان الحديث فيها يدور حول موضوع «حوار الأديان والحضارات»، ومدى تأثيره في العلاقة بين الشرق والغرب، وهل آتى ثماره المرجوة في التقريب بين الحضارات، أو تخفيف التوتر والاحتقان في علاقة كل منهما بالآخر، بعد أن آلت هذه العلاقة في الآونة الأخيرة –وبكلِّ أسفٍ-إلى علاقة صِراع مُخيف، وقد كان رأيي الذي كوَّنته عبر إسهامات عِدَّة، في حوارات الأديان والحضارات في مختلف القارات، أن هذه المحاورات لم تستطع – حتى الآن – تحديد قضايا النِّزاع المعلن والصامت بين العالَمينِ: العربي والإسلامي وبين الغرب، ومن ثَمَّ لَمْ تفلح في صياغة رؤية مستقبلية للخروج من هذه الأزمة العالمية، التي إن تُركت تتدحرج مثلَ كرة الثلج فإن البشرية كلَّها سوف تدفع ثمنها: خرابًا ودمارًا وتخلفًا وسفكًا للدِّماء؛ وربما بأكثر مما دفعته في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي. ضَرُورةَ التطور الذي لا يتوقف في تقنيات الأسلحة المدمرة، وتغوُّل السياسات العسكرية وتسارعها، والجهود الغربية التي لا تَكلِ ولا تَملّ في أن يكون لها تواجد عسكري مسلح في معظم بلدان الشرق.
وهــكذا، ومن بين ركام الإحباط وضباب الأسى على عالمنا الذي يقف على حافة الانهيار الحضاري، لمعت فكرة لقاءٍ يجمع بين نخبة محدودة من الغرب، ومثلها من الشرق، يتدارسون أمرًا بالغ الصعوبة، شديد التعقيد، لعلهم يجدون له مخرجًا، أو –على أقل تقدير –يغرسون-في طريق حلّه- «نواة» لشجرة ســلام قد تثمر يومًا ما من الأيام.
ثم شجعني على مواصلة التفكير الجاد في هذا المشروع ما لمسته من مجلس حكماء المسلمين، الذي أنتمي إليه، من حرص وتصميم على إطفاء نار الحروب – أينما اشتعل أُوارُها - من خلال قوافل لنشر السلام، تجوب العالم من أجل هذا الهدف المقدس..
ومن قبلُ شجعني أصدقائي من جمعية سانت إيجيديو، وأظهروا استعدادًا مشكورًا لرعاية هذا المقترح، وإخراجه من عالَمِ الأحلام إلى دنيا الحقيقة والواقع.. وإذا كانت تعاليم نبي الإسلام ﷺ تُعلِّمنا أنه «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» فإنه لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذه الجمعية، التي تعمل منذ زمن طويل من أجل الأخوة الإنسانية والسلام العالمي، والمحبة والرحمة، التي بُعثَ بهما إلى الناس سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام.
أيها الإخــوة الحكماء
كنت أظن أن من السهل أن يُدركَ أي باحث ماذا يعني الشرق، وماذا يعني الغرب، وأن يحدد ما بينهما من فروق تُميِّزُ بين المفهومين تمييزًا تامًا، وتزيل ما بينهما من إبهام وغموض، ولكن خاب الظَّنُّ مع أوَّل مُحاولة للاهتداء إلى هذا المعنى المحدَّد، و إلى تعريف جامعٍ مانعٍ – كما يقول علماء المنطق – لهذين الكيانين المتباعدين جغرافيًا والمتداخلين تاريخيًا وحضاريًا..
فإذا بـدأنا بتعريف «الغـرب» فإنَّه سُرعان ما تَقْفِزُ أمام الذهن سلسلة من تجاذبـات وتناقضات، لا يَخْلُص معها «الغـرب» كياناً أوروبياً خالصًا في مقابل «الشرق».. فلا يكفي -مثلًا- أنْ نُعرِّفَ «الغرب» بخصائصَ دينيةٍ وعرقيةٍ، كأن نقولَ: «الغرب هو هذه الشعوب الأوروبية التي تَدِينُ بالمسيحية» لأن هذا التعريفَ سُرعان ما يضطرب ويتفكك حين نأخذ في الاعتبار أن الملايينَ من المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا وأمريكا أصبحوا خُيوطًا بارزة في النسيج الاجتماعي للغرب، وأن هذه الملايين تركَت بصماتها قويةً في شتى مجالات الحياة الغربية، من عادات وتقاليد وفنون وسلوك أيضًا..
أضف إلى ذلك أن هذا التأثر والتأثير ليس وليدَ عصرِنا الحاضرِ هذا، بل هو تأثير وتأثر قديمان، نعلَمُهُما من تاريخ الحضارتين: الشرقية والغربية، ومن تاريخ المراكز الحضارية في أوروبا، التي سطعت عليها شمسُ العَرَب قديمًا واستضاءت بها، ونقلتها إلى كل الشعوبِ الأوروبية، ولعَلَّ مَدينة «فلورانسا» ذاتَ التاريخِ العريق في الحضارة والدين والثقافة والفن، والتي تستضيفنا اليوم، ونتطارح في فضائها وعلى أرضها هذه الذكريات، كانت من أهم مراكز التواصل في ذلكم الحين..
وهكذا لا ندري ماذا يعني الغرب بالنسبة للشرق؟ هل هو المسيحية أو العلمانية. أو الإلحاد؟ هل هو القوة العسكرية والاقتصادية؟ هل هو التنوير وحقوق الإنسان؟ أو هو الفاشية والعنصرية؟!
هل هو الفن والثقافة وأحدث الموضات وبيوت الأزياء، أو هو الإنتاج والاستهلاك، أو هو العلم والتكنولوجيا ومصانع أسلحة الدمار!! ومهما دققنا النظر وواصلنا البحث والتحليل في خصائص «الغرب» الذاتية؛ فإننا لن نظفر إلا بمركَّب معقَّد، شديد التناقض والتضارب ( ).
وشيءٌ غير قليل مما قيل في تحديد مفهوم «الغرب» يقال مثلُه في تعريف «الشرق»، وتحديدِ مفهومهِ تحديدًا دقيقًا واضحَ الملامحِ والقَسَمَاتِ. ذلكم أن تأثير الحضارة الغربيَّة في الحضارة الشَّرقيَّـة أو الإسلامية من الوضوحِ بحيث لا تُخطِئُه عين باحث أو متبصر، وقد وصلت قوَّةُ التأثير الغربي إلى درجة «الغزو» والاكتساحِ لأكثر الدُّول الإسلاميَّة، ثُمَّ إنَّ العَالَم الإسلامي لا يُمثِّلُ امتدادًا جُغرافيًا مُوَحَّدًا، كما أن الرابطةَ «القوميَّة» بين دوله كثيرًا ما تكونَ أقوى من رابطة «الدِّين». فالعراق وإيران بلدان مُسْلِمان، لَكِنَّهما تقاتلا سنوات عِدَّة على أساس من اختلاف القوميات والمصالح، ولَمْ تنهض رابطةُ الدِّينِ أن تكفكف شيئًا ولو قليلاً من شراسة الحرب بينهما.
كما لَمْ تُثْمِر الدَّعَــوات التي تُنــادي بتكـــوين «أُمَّة إسلاميَّة» مُوحَّدة - بجديدٍ يضافُ إلى رصيد وحدة الأُمَّة الإسلاميَّة وتضامنها، مما حدا بالبعض إلى القول بأنَّه لا يوجدُ كيانٌ اســمه العَالَم الإسلامي «يمكن اعتبارُه خطرًا يُهدِّدُ الغرب الذي يمتلك قوةً أكبرَ وأشـــرسَ وأعنفَ» ( ).
.. .. ..
وَمِن وِجهَةِ نظري المغرقةِ في التجريد - والمتفائلة أيضا -أعتقدُ أن هذه العناصرَ المتداخلة بين الشَّرق والغرب، والتي تتمثَّلُ في تبادل العناصر العلمية والثقافية والفنية بين الحضارتين، ربما تُشَكِّل أرضية مشتركة تساعد في بناء تقاربٍ حضاري يقوم على التكامل وتبادل المنافع، وترسيخ مبادئ الديموقراطية والحرية وحَقِّ الإنسان الشرقي –مثل أخيه الغربي-في حياة آمنة كريمةٍ، مع أمل كبير في أن تتوقَّف الدول القادرة الغنية عن الاستبداد والتحيز والكيل بمكيالين: مكيال للغرب وآخر للشرق.. وأن تتوقف سياساتها التسلطية على الضعفاء والمستضعفين، هذه السياسات التي يبدو أنها أجمعت أمرَها على تقسيم العالم إلى فُسطاطين: فُسطاطٍ للغِنَى والأمن والرفاهية والتقدم العلمي والثقافي والفني والحضاري، وفُسطاطٍ للحروب والدماء والإرهاب والخراب والفقر والجهل والمرض.
وأعتقد أن حضراتكم تتفقون معي في أن وضع العالَم الآن هو وضع بالغُ السوء، وأن نظرة جماهير المسلمين في الشرق إلى نظام سيادة القوة واستخدامِها المُفرط لهدم إرادة الشعوب ليست نظرة احترامٍ بكلِّ تأكيد، نعم قد تُعجَب بالقوي وبقوَّتِه، لكنك مع ذلك قد تزدريه بسبب غياب البُعد الخُلُقي والشعور بالآصرة الإنسانية والأخوة البشرية، وهو الفارقُ بين القوة الغاشمة وقوة العدل والسلام..
بل أذهب إلى أبعد من ذلك وأزعُمُ أن شعور الكراهية الكاسح للنظام العالمي الباطش ليس وَقْفًا على المسلمين في الشرق، بل هو شعورٌ مُشْتَرك بينهم وبين تيار عريضٍ من مُحبِّي العَدالَة والسلام من الغربيين، لأنَّ نوازعَ الأخلاق الإنسانية في تفكير أصحاب هذا التيار وفي شعورهم لاتزال على فطرتها ومبدئها الإنساني الخالص، ولم تتشوه بعدُ - بأخلاق القوة والمصلحة والغرض وفلسفات الغاية التي تُبرِّر الوسيلة أيًّا كان قُبْحُ هذه الوسيلة وسقوطُها في حساب الفضيلة وموازينِ الأخلاق.
وأرجو أن تصدقوني لو قلت إننا نحن – المسلمين والمسيحيين الشرقيين-لم نعد ننظرُ إلى حضارة القوة والتسلُّطِ هذه من منظور أنَّها الحضارة الأنموذج الذي يتطلَّعُ إليه الناس الآن، رغم صيحات التبشير التي تنطلق بها حناجر دعاة العولمة في كل بلدان العالم... بل هناك تحفظات كبرى على هذا النمط الحضاري الذي نعترف بأنه إنْ سَعِدَ به كثيرونَ؛ فإنَّه – بلا ريب -شَقِيَ به الأكثرونَ من أصحاب الضمائر السليمة هنا وهناك.
ومن الإنصاف أن أقول: إنَّ جهودًا كبيرة تقع على عاتِقِ الشرقيين: مسلمين ومسيحيين، يجب أن يقوموا بها لتعديل نظرتهم إلى الغرب والغربيين.. فهناك شعور تجاه الغرب بالخوف وعدم الأمان وتوقُّعِ الشَّرِّ، وقد يكون لدى الشرقيين بعضُ ما يبرِّرُ هذا الخوف، لكنه –بكل تأكيد- هو خوف مبالَغ فيه، وكثيرًا ما تتداخل حدوده مع حدود الكراهية وحبِّ الانتقام، وهنا الكارثة التي لو تُركت تمضي في هذا الطريق البائس؛ فإنها لا محالةَ سوف تنتهي لا إلى زوال الحضارة الإسلامية فقط، كما تراهن عليه نظرية صراع الحضارات، بل إلى زوال الحضارتين الإسلاميَّة والغربيَّة معًا..
ويجب على الشَّرقيين أيضًا أن يشعروا بروابط أكثر تقاربا وتآلفا، يترابطون بها مع الغرب، وأن يتوقفوا عن اعتبار الحضارة الغربية حضارةً كلُّها شر، وخروج على قيم الأديان والفضائل، وأن نستبدل بهذه النظرة المفرطة في السواد نظرة أخرى أكثر تفاؤلًا تبدو فيها الحضارة الغربية، حضارة إنسانية، إن كان فيها بعض المثالب والنقائص فهي لا شك حضارة أنقذت الإنسانية ونقلتها إلى آفاق علمية وتقنية لم تكن لتصل إليها طوال تاريخها السحيق، لولا عكوف علماء الغرب على مصادر المعرفة الأدبيَّة والتجريبية والفنية، على أن الشرق لديه ما يسدُّ به الغرب ثقوبه الروحية والدينية، وما يدفع به عن حضارته عوامل التحلل والاندثار، والغرب لديه الكثير مما يقدمه للشرق لانتشاله من التخلف العلمي والتقني والصناعي وغير ذلك..
فهل من أمل –أيها الحكماء الأجلاء – أن يخفف الغرب من غلوائه وكبريائه، ويتخفف الشرق من هواجسه وسوءِ ظنونه، ليلتقيَ كلٌّ منهما بالآخَر في منتصف الطريق لقاءَ تعارُفٍ ومَودَّةٍ وتبادل خبرات ومنافع!!
.. .. ..
أيُّهَا السَّادة الحُكَمَاء
اسمحوا لي أن ألفت النظر هُنَا إلى أمرين لا يمكن تفاديهما في أي تلاقٍ بين الشرق والغرب، وعلى أي مستوى جاد من مستويات هذا التلاقي:
الأمر الأول: الآية القرآنية التي يرددها المسلمون رجالًا ونساءً وأطفالًا صباح مساء، بل كثير من المثقفين والمفكرين الغربيين يحفظون فحواها عن ظهر قلب من كثرة ما ترددت على مسامعهم في محافل الحوار ومنتدياته، هذه الآية هي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» {49/13}، والمسلمون جميعًا -لا يشذ منهم أحدٌ- يفهمون من الآية أن التعارف المنصوص عليه في الآية الكريمة هو الهدف أو الغاية الإلهية العليا التي خلق الله الناس من أجلها.. والتعارف يعني التعاون وتبادل المنافع، وليس الصراع ولا الإقصاء ولا التسلط، وإذا كان لقاء التعارف البشري هو القانون الإلهي للعلاقات الدولية بين الناس أفلا يعني هذا أنه أمر يمكن تحقيقه إذا ما خَلُصَت النَّوايا وصحَّتِ العزائم؟
وقد تعجبون أيُّها السَّادة إذا ما قلت لكم أن شيوخ الأزهر في أربعينات القرن الماضي سبقوا الجميع في التنبيه إلى التنبيه على هذا الحل الذي لا حل غيره، حيث نادى الشيخ محمد مصطفى المراغي (ت.1946م) شيخ الأزهر في ذلكم الوقت بالزمالة العالمية بين الأمم كافة لاحتواء صراعات الأمم والشعوب، وذلك في كلمته أمام مؤتمر عالمي للأديان الذي عقد بلندن سنة: 1936م، ثم جاء بعده - بعشر سنين - الشيخ محمد عرفة الذي كتب في مجلة الأزهر في عامها العاشر سنة: 1946م مقالا نادى فيه بضرورة التعاون بين الإسلام والغرب، وقد دفعه لكتابة هذا النداء ما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية آنذاك من اختراع القنبلة الذرية والأسلحة الفتاكة، وقد حذر من فناء العالم كله، إذا استعمل المحاربون هذه المخترعات، وانتهى إلى أنَّه لا مفر من التقريب بين الشعوب ومن إزالة أسباب الخلاف والبغضاء، ومن أن تصبح الأرض كلها مدينة واحدة، وأن يكون سكانها جميعا كأهل مدينة واحدة.
وقد عوَّل الشيخ كثيرًا في دعوته لهذا التعاون العالمي على وجوب أن يفهم الغرب الإسلام، وأن يفهم الإسلام مدنية الغرب، وأنهما إذا تفاهما زال ما بينهما من سوء ظن، وأمكن أن يعيشا معا متعاونين، يؤدي كل منهما نصيبه من خدمة الإنسانية، ودعا علماء المسلمين إلى ضرورة أن يبينوا مدنية الغرب على حقيقتها، ليحل التعارف محل التناكر، ويحل السلام محل الخصام. [مجلة الأزهر، السنة: 18، عام: 1366هـ، صفحة: 147 -149]
أما الأمر الثاني فهو هذا الخطر الداهم الذي يتهددنا جميعًا، وأعني به الإرهاب والعنف اللذين يهددان العالم، وأيضًا كل ما تناسل من تنظيمات وجماعات وحركات مسلحة ترتدي -في كثير من الأحيان - رداء الأديان، وتوظف كتبها المقدسة في الاعتداء على الآخرين وقتلهم وسلب أموالهم وتشريدهم من بلادهم .. ولا مفر من التكاتف لوقف هذا الوباء، وحضراتكم –حكماء الشرق والغرب – أعلم الناس بأسباب هذا الوباء الذي ينطلق -دائمًا- من قراءات مغلوطة للكتب المُقدَّسة ومن سياسات عالميَّة عَمياء تدعمه، ومن أموال هائلة لا ينفق عشر معشارها لمحاربة الفقر والجهل والمرض والتخلف في بلدان العالم الثالث ..
أيُّهَا الحُكَمَاء الغَـــربِيُّون
لقد جئناكم بآمال عريضة، وبثقة لا حدود لها في همتكم وإخلاصكم، وتصميمكم على السباحة ضد تيار عنيف يحرص أصحابه على أن يظل الغرب غربًا والشرق شرقًا وألا يلتقيا منذ ناح «كيبلنج» بذلك يومًا على أطلال الأمل في التقاء الشرق والغرب، فهل تشاء الأقدار أن يُغرِّد طائر السَّلام بين الشرق والغرب ليتلاقيا من جديد في فلورانسا التي تطل على بحر متوسطي تتلاقى على ضفافه شعوب الشَّرق والغرب، وهل آن لحكمة الحكماء أن تغرِّد اليوم في الشرق والغرب وتتغنى بسلام يسود عالَمًا أنهكته الحروب والنِّزاعات، وأملًا في إسعاد البشرية وإنقاذ الإنسانية من دمار قد يلوح شؤمه في الأفق البعيد، إلَّا أن حِكْمَة الحُكَماء وإخلاصهم كفيلة بدحره إلى الأبد.
شُكْــرًا لِحُسْـنِ استِمَاعِكُـم.