Italiano (Italia)
 

منبرٌ كبيرٌ لنشر وسطية الأزهر الشريف بكل لغات العالم

الإنسان والمسئولية (من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي – ا.د حمدي زقزوق)
/ Categories: مقالات

الإنسان والمسئولية (من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي – ا.د حمدي زقزوق)

الإنسان والمسئولية

(من كتاب الإنسان والقيم – ا.د حمدي زقزوق)

      المسئولية من الصفات المميزة للإنسان، وهي صفة يستمدها من فطرته الإنسانية قبل أن يتلقاها من الخارج. وكل إنسان لديه إحساس بالمسئولية بشكل أو بآخر. وكلما كانت الفطرة سليمة ازداد لدي الإنسان الشعور بالمسئولية.

       وافتراض الشعور بالمسئولية قائم لدي كل إنسان إذ إننا كبشر لن نستطيع أن نتحلل منه تماماً في حياتنا الواعية. ولكن هذا لا يمنع من أن تكون حيوية هذا الشعور مختلفة من فرد إلي آخر. وهناك ارتباط تام بين الشعور بالمسئولية والضمير. وعندما نتحدث عن الضمير فإننا نعني ذلك الشعور الكامن في أعماقنا والذي له تأثيره الكبير في توجيه سلوكنا الوجهة الصحيحة. ومن هنا كان التوجيه النبوي: " استفت قلبك".

      وتتأسس المسئولية على قاعدة من الحرية الواعية. وهذا يعني أن كل فعل يصدر من المرء دون حرية واعية لا تترتب عليه أي مسئولية خُلُقية أو دينية. والمسئولية تلازم صاحبها قبل صدور الفعل وأثناءه وبعده، وتعني أن صاحبها له شخصيته المستقلة في الفعل أو الترك، في القبول أو الرفض، وله قدرته على تنفيذ ما استقرت عليه إرادته. وبهذا المعني تُعدّ المسئولية صفة تشريف للإنسان لأنها مرادفة لمعاني الحرية والاستقلال والكرامة والقوة.

والمسئولية في التصور الإسلامي فردية، فلا يتحمل أحد وزر آخر:

                ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾  [المدثر:38]

      وهناك دوائر مختلفة للمسئولية وردت في الحديث الشريف القائل: " كلّكم راعٍ وكلّكُم مسئول عن رعيته. فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيته، وكلّكم راع ومسئول عن رعيته"[1].

     وبالإضافة إلى هذه المسئوليات الخارجية، التي تحددها ظروف كل فرد في الحياة ومركزه في المجتمع الذي يعيش فيه، توجد هناك مسئولية خاصة وشخصية تُعدّ بمثابة المركز لكل دائرة من دوائر المسئولية الأخرى. ويمكن القول بأن المسئولية تُفهم بمعنيين: أولهما: مسئولية الإنسان عن نفسه، فهو مسئول عن عقله وعلمه وجسمه وماله وأوقاته، وعن حياته بصفة عامة. وفي هذا المعني يقول النبيﷺ " لا تزُول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه"[2].

     أما المعني الثاني فهو مسئولية الإنسان نحو الآخرين ونحو العالم الذي يعيش فيه. فمن المعلوم أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، وهو في حاجة إلى المجتمع الإنساني لتطوير شخصيته. ومن ناحية أخري فإن عليه التزامات أدبية تجاه هذا المجتمع الإنساني. وهذه الالتزامات مرتبطة أشد الارتباط بوجوده الإنساني.

    وكل إنسان سليم العقل يشعر بأنه لو لم يتحمل مسئوليته تجاه الآخرين فإنه لا يجوز له أن ينتظر من الآخرين أن يتحملوا بالنسبة له أي مسئولية. فلو لم أعدل في حق الآخرين فإنه لا يجوز لي أن انتظر منهم أن يعدلوا في حقي.

    وهناك أناس يبررون ما يصدر عنهم من أفعال خاطئة بأنها أمور مقدّرة في الأزل، وبالتالي فإنه لم يمكن في استطاعتهم إلا أن يفعلوا ما كتبه الله عليهم. ومن الأمثلة علي ذلك ما يُروي أنه قد أتي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بسارق. فسأله عمر: لماذا سرقت؟ فرد قائلاً: هذا قضاء كتبه الله عليّ لا أستطيع له رداً. فأمر عمر بقطع يده وجلده ثلاثين جلدة. فراجع الصحابة عمر قائلين: لقد تزيّدت في الحدّ، وما كان لك أن تأمر بجلده بعد أن أقمت عليه حد السرقة، ولكن عمر رد عليهم بقوله: لقد أمرت بجلده لأنه كذب علي الله، إذ ميف له أن يعلم أن الله قد كتب عليه أن يسرق؟ .

    وهكذا لا يجوز لأحد أن يتعلل بالقضاء والقدر لتبرير ما يصدر عنه من جرائم. فالمسئولية قائمة. وما كتبه الله على الإنسان في الأزل ما هو إلا تسجيل لما سيصدر عن كل فرد منا بإرادته الحرة، وباختياره الذي لا إكراه فيه. ومن هنا يتحمل الإنسان المسئولية كاملة عن كل فعل يصدر منه صغر هذا الفعل أم كبر:

    ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ﴾  [الزلزلة:8،7]

 

***

 

 

[1] رواه البخاري في صحيحه-كتاب: الجمعة-باب: الجمعة في القري والمدن.

[2] - رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، وقال: حديث حسن صحيح.

Previous Article al-Azhar: Le molestie sono comportamento proibito, totalmente condannabile e ingiustificabile
Next Article الإرادة الإنسانية- من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي لدكتور حمدي زقزوق
Print
30353 Rate this article:
3.3

Please login or register to post comments.

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.

 

 

أ.د / يوسف عامر
المشرف العام على مركز الترجمة بالأزهر الشريف
mercoledì, 14 giugno, 2017
تجريبي
Il Discorso del Grande Imam alla conferenza dei Saggi d’Oriente e d’Occidente: Firenze - Italia 08/06/2015       In nome di Allah, il Compassionevole, il Misericordioso     Egregi...
giovedì, 8 giugno, 2017
تجريبي
In nome di Allah Misericordioso e Compassionevole Sia lode ad Allah! E siano la preghiera e la pace sul Suo Messaggero, e la sua famiglia ed i suoi compagni ed  i seguaci della sua guida! Onorevole Pubblico, La pace sia su di voi e...
giovedì, 8 giugno, 2017
الأزهر في مواجهة المفاهيم المغلوطة
«من أعمال مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب المنعقد في القاهرة بتاريخ 11-12صفر 1436هـ الموافق 3،4 ديسمبر 2014م» تقديم أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين       بسمِ اللهِ...
giovedì, 8 giugno, 2017
من حديث الامام الأكبر: فوضي الفتوي.. وتهديد الاستقرار المجتمعي
  عاني مجتمعاتنا اليوم من التِّيهِ جراء ما يمكن أن نسميه بـ "الفقهِ العَبَثيِّ" – إن صحَّت هذه التسميةُ-  ذلكم الفِقْه الذي يطرُقُ أسماعَ الناس ليلًا ونهارًا، ويُطاردُهم حيثما كانوا، ليردَّهم لا إلى يُسرٍ في الشريعةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"
  الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام" : -      أزمة "راخين خطر محدق يتهدد ميانمار -      لا توجد فتنة أضرَّ على...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمات فضيلة الإمام الأكبر في التطرف والإرهاب
  كلمات في التطرف والإرهاب (3) بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ([1]) السَّادةُ الحضــورُ! السَّلامُ عليكُم جميعًا؛ ورحمةُ الله وبركاتُه. اسمَحُوا لِي في البِدَايَةِ أنْ أتقدَّمَ لكم بخالص الشُّكْرِ والتَّقْدِير على الدَّعوةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمة الإمام الأكبر في جامعة القاهرة
  كلمة فضيلة الإمام الأكبر: أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في جـــامعـــة القـــاهـرة     ألقيت بقصر الاتحادية بحضور فخامة رئيس الجمهورية معالى السيد المستشار/ عدلي منصور...
martedì, 6 giugno, 2017
رسائل السلام الأربع لفضيلة الإمام الأكبر
  حَديثٌ عن السَّـلامِ([1]) إنَّ الحـــديثَ عن السَّلامِ حديثٌ مُتشعِّبُ النَّواحي والاتِّجاهاتِ، ولا يُمكِنُ أنْ تُستَقصَى جوانبُه في كلمةٍ كهذه؛ ممَّا جعَل التَّساؤلاتِ حولَ «السلامِ» ومعناهُ، وعَلاقتِه بحُقولِ المعرفةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمة فضيلة الإمام في قمة رئيسات برلمانات العالم
  بسم الله الرحمن الرحيم ــــــــ الحَـفْــلُ الكَــريم! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد/ فيسعدني في بداية كلمتي أن أتقدَّم بخالصِ الشُّكر الجزيلِ لـلدكتورة/ أمل عبدالله القبيسي – رئيس المجلس الوطني...
lunedì, 5 giugno, 2017
123456789