Italiano (Italia)
 

منبرٌ كبيرٌ لنشر وسطية الأزهر الشريف بكل لغات العالم

(النساء شقائق الرجال) من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي
/ Categories: مقالات

(النساء شقائق الرجال) من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي

(النساء شقائق الرجال)

    عندما جاء الإسلام كانت الأوضاع التي تعيش المرأة في ظلها أوضاعاً سيئة. فلم يكن لها حق تُحترم، أو رأي يُسمع. فانتشلها الإسلام من هذه الأوضاع السيئة، وأعلي مكانتها، ورفع عنها الكثير من الظلم الذي كانت تتعرض له، وجعلها تشعر بكيانها كإنسان مثل الرجال سواءً بسواء، وضمن لها حقوقها المشروعة، وأسقط عنها تهمة إغواء آدم في الجنة بوصفها أصل الشر في العالم. وبين أن الشيطان هو الذي أغوي آدم وحواء معاً كما يقول القرآن الكريم:

  ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾    [البقرة:36]

   ويقرر الإسلام أن الناس جميعاً-رجالاً ونساءً-قد خُلقوا من نفس واحدة:

   ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ     [النساء:1]

   فالرجل والمرأة متساويان تماماً في الاعتبار الإنساني، وليس لأي منهما ميزة على الآخر في هذا الصدد. والكرامة التي منحها الله للإنسان في قوله:

     ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ   [الإسراء:70]

       هي كرامة للرجل والمرأة علي السواء.

   وعندما يتحدث القرآن الكريم عن الإنسان أو عن بني آدم فإنه يقصد الرجل والمرأة معاً. أما إذا أراد أن يتحدث عن أي منهما وحده فإنه يستخدم مصطلح " الرجال" ومصطلح " النساء".

    وقد وصف النبي ﷺ العلاقة بين الرجل والمرأة بقوله: " النساء شَقائِق الرِّجال لهُنّ مثلُ الذي عليْهنّ بالمعروفِ"[1].

  والوصف بكلمة شقائق يوضّح لنا المساواة والنديّة، والرجال والنساء أمام الله سواء لا فرق بينهما إلا في العمل الصالح الذي يقدمه كل منهما-كما يشير إلي ذلك القرآن الكريم-:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ    [النحل:97]

  والله يستجيب لدعاء المرأة كما يستجيب لدعاء الرجل، ولا يضيع العمل الصالح لأيّ منهما-كما يقول القرآن الكريم-:

  ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ

[آل عمران: 195]

   والتعبير القرآني بقوله:﴿ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يدل على أن كلّاً منهما مكمل للآخر وأن الحياة لا يمكن أن تسير في الاتجاه الصحيح دون مشاركتهما معاً.

  وقد أعطي الإسلام للمرأة استقلالها التام عن الرجل في الأمور المالية. فلها مطلق الحرية في التصرف فيما تملك بالبيع والشراء والهبة والاستثمار...إلخ. دون إذن من الرجل ما دامت لها أهلية التصرف. وليس لزوجها ولا لغيره من أقاربها من الرجال أن يأخذ من مالها شيئاً إلا بإذنها.

     ولا يجوز للرجل-حتى ولو كان الأب-أن يُجبِر ابنته على الزواج من رجل لا تحبه. فالزواج لابد أن يكون بموافقتها وبرضاها. وقد جاءت فتاة إلي النبي ﷺ تشكو من أباها زوّجها من ابن أخ له ليرفع بذلك مكانته وهي له كارهة. فاستدعي النبي ﷺ الأب، وجعل للفتاة حرية الاختيار: إما رفض هذا الزواج أو قبوله، فقررت بمحض إرادتها قبول هذا الزواج وقالت: "يا رسول الله قد أُجزت ما صنع أبي، ولكنّي أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من هذا الأمر شيء"[2]، أي ليس للآباء سلطة إكراه بناتهم على الزواج.

     والمرأة شريكة الرجل في الأسرة وفي تربية الأطفال. ولا يُعقل أن تستقيم حياة الأسرة دون مشاركة إيجابية من الطرفين، وقد حمّل النبي ﷺ كلّا من الرجل والمرأة هذه المسئولية المشتركة عندما قال:

  " كلّكم راعٍ وكلّكُم مسئول عن رعيته. فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها، "[3].

  وإسناد المسئولية هنا للمرأة ينفي تماماً تهمة تبعية المرأة الدائمة للرجل، فليست هناك مسئولية دون حرية، والحرية لا تتفق مع التبعية.

  ولا يجوز للرجل أن يمنع المرأة من حقوقها المشروعة في الحياة، ولا يجوز له أن يمنعها من التردد علي المسجد للعبادة.

  وقد ورد عن النبي ﷺ في ذلك قوله: " لا تمنعوا إِماءَ الله أن يُصَلِّيْنَ في المسجد"[4].

  وإذا كان بعض المسلمين-استناداً إلى تقاليد بالية وأعراف باطلة-لا يلتزم بهذه المواقف الإسلامية نحو المرأة فإن ذلك يُعدّ جهلاً بالإسلام وأحكامه أو سوء فهم لتعاليمه الواضحة.

* * *

 

[1] - رواه الترمذي في سننه-كتاب:" الطهارة"، وأبو داود في سننه-كتاب:"الطهارة".

[2] رواه النسائي في سننه-كتاب "النكاح".

[3] سبق تخريج الحديث.

[4] رواه الإمام مسلم، وأبو داود.

Previous Article كلمة فضيلة الإمام الأكبر في كازاخستان
Next Article كلمـة فضيلة الإمـام الأكبــرأ.د/ أحـمــــد الطــيب بعنوان:الإســــلام والـغرب.. تنــوع وتكامـــل
Print
12545 Rate this article:
3.3

Please login or register to post comments.

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.

 

 

أ.د / يوسف عامر
المشرف العام على مركز الترجمة بالأزهر الشريف
mercoledì, 14 giugno, 2017
تجريبي
Il Discorso del Grande Imam alla conferenza dei Saggi d’Oriente e d’Occidente: Firenze - Italia 08/06/2015       In nome di Allah, il Compassionevole, il Misericordioso     Egregi...
giovedì, 8 giugno, 2017
تجريبي
In nome di Allah Misericordioso e Compassionevole Sia lode ad Allah! E siano la preghiera e la pace sul Suo Messaggero, e la sua famiglia ed i suoi compagni ed  i seguaci della sua guida! Onorevole Pubblico, La pace sia su di voi e...
giovedì, 8 giugno, 2017
الأزهر في مواجهة المفاهيم المغلوطة
«من أعمال مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب المنعقد في القاهرة بتاريخ 11-12صفر 1436هـ الموافق 3،4 ديسمبر 2014م» تقديم أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين       بسمِ اللهِ...
giovedì, 8 giugno, 2017
من حديث الامام الأكبر: فوضي الفتوي.. وتهديد الاستقرار المجتمعي
  عاني مجتمعاتنا اليوم من التِّيهِ جراء ما يمكن أن نسميه بـ "الفقهِ العَبَثيِّ" – إن صحَّت هذه التسميةُ-  ذلكم الفِقْه الذي يطرُقُ أسماعَ الناس ليلًا ونهارًا، ويُطاردُهم حيثما كانوا، ليردَّهم لا إلى يُسرٍ في الشريعةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"
  الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام" : -      أزمة "راخين خطر محدق يتهدد ميانمار -      لا توجد فتنة أضرَّ على...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمات فضيلة الإمام الأكبر في التطرف والإرهاب
  كلمات في التطرف والإرهاب (3) بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ([1]) السَّادةُ الحضــورُ! السَّلامُ عليكُم جميعًا؛ ورحمةُ الله وبركاتُه. اسمَحُوا لِي في البِدَايَةِ أنْ أتقدَّمَ لكم بخالص الشُّكْرِ والتَّقْدِير على الدَّعوةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمة الإمام الأكبر في جامعة القاهرة
  كلمة فضيلة الإمام الأكبر: أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في جـــامعـــة القـــاهـرة     ألقيت بقصر الاتحادية بحضور فخامة رئيس الجمهورية معالى السيد المستشار/ عدلي منصور...
martedì, 6 giugno, 2017
رسائل السلام الأربع لفضيلة الإمام الأكبر
  حَديثٌ عن السَّـلامِ([1]) إنَّ الحـــديثَ عن السَّلامِ حديثٌ مُتشعِّبُ النَّواحي والاتِّجاهاتِ، ولا يُمكِنُ أنْ تُستَقصَى جوانبُه في كلمةٍ كهذه؛ ممَّا جعَل التَّساؤلاتِ حولَ «السلامِ» ومعناهُ، وعَلاقتِه بحُقولِ المعرفةِ...
martedì, 6 giugno, 2017
كلمة فضيلة الإمام في قمة رئيسات برلمانات العالم
  بسم الله الرحمن الرحيم ــــــــ الحَـفْــلُ الكَــريم! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد/ فيسعدني في بداية كلمتي أن أتقدَّم بخالصِ الشُّكر الجزيلِ لـلدكتورة/ أمل عبدالله القبيسي – رئيس المجلس الوطني...
lunedì, 5 giugno, 2017
123456789