خلال اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر.. د/ نادي عبد الله: مصر لها نصيب من حُب رسول الله ﷺ وآل بيته؛ لذلك أصبحت موطنًا لهم
د/ أسامة مهدى: الرسول ﷺ كان يعهد بالمهام لصحابته وَفقًا لمبدأ الكفاءة والقدرة على إنجاز المهمة
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "سفراء الإسلام والهجرة المباركة" وذلك بحضور: أ.د/ نادي عبد الله محمد، أستاذ الحديث وعلومه ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وأ.د/ أسامة مهدي، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأدار الحوار الشيخ/ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر الشريف.
في بداية الملتقى، قال الدكتور/ أسامة مهدي: إن النبي ﷺ كان خبيرًا بأمور الناس؛ لذلك كان يوظف الشخص المناسب في المكان المناسب بحسب ما يتمتع به من إمكانات وقدرات، والدليل على فهم الرسول ﷺ لقدرات وملكات كل واحد من صحابته الكرام، ما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه: قال رسول الله ﷺ: "أرحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبيٌّ، ولكل أمَّة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" وهذا هو المنهج القرآني كما قال سبحانه وتعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، وهو منهج يعتمد على مبدأ الكفاءة والقدرة على أداء المهام الموكلة للشخص.
وأوضح أستاذ الحديث أن الرسول ﷺ كان يختار للمهمة التي يريدها أو الموفد الذي يوفده إلى قوم من الأقوام، وفقًا لقدرة الشخص على أداء المهمة المُكلَّف بها، فعندما ننظر في اختيار سيدنا مصعب بن عمير ليكون سفيرًا للنبي ﷺ إلى المدينة، وليكون بذلك أول سفير في الإسلام، اختاره النبي ﷺ؛ لأنه من أعلم الصحابة، وأكثرهم كياسة وقدرة على الصبر وسعة الصدر، بالإضافة إلى لَبَاقته، وقدرته على الإقناع بسبب ذكائه الشديد؛ لهذا كان مصعب بن عمير سفيرًا عظيمًا للإسلام، وأسلم على يديه أقوام كثيرة في المدينة، وما يحكى من قصته في إسلام أُسيد بن حضير خير برهان على أنه يستحق أن يكون سفيرًا لرسول الله ﷺ، فعندما التقى بأُسيد بن خضير واستطاع أن يقنعه بالإسلام، قال: فواللَّه لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقة وجهه، وتحول أسيد من زعامة الشرك إلى الزعامة في الإسلام؛ بسبب صدق مصعب بن عمير وكفاءته في الحوار والإقناع.
وأضاف أستاذ الحديث، أن من النماذج المبهرة من سفراء الإسلام سيدنا جعفر بن أبي طالب، فكان على قدر من الدبلوماسية والبراعة في العرض؛ فاستطاع أن يعرض الإسلام بصورة لا يمكن لعاقل أن يرفضها؛ فعندما قال للنجاشي ملك الحبشة "أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف"؛ لهذا كان يختار الرسول ﷺ لكل وجهة الرجل المناسب، وبهذا المنهج سبق الإسلام كل الحضارات بالتأكيد لمبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، مبينًا أن السبب في نجاح الصحابة في مبلغ هذه المنزلة العظيمة في التاريخ الإسلامي، وفي أداء المهام التي كلفهم بها رسول الله ﷺ، أنهم لم يكن يشغلهم عن دين الله شاغلة، وكانوا لا يسعون إلى أي فائدة سوى نصرة الحق ونصرة رسوله ﷺ؛ لذلك أعطوا للإسلام كل شيء من مال وولد وحياة، ولم ينتظروا جزاء إلا رضوان الله سبحانه وتعالى، وكانوا على استعداد تام ليُفْدُوا رسول ﷺ بكل شيء في الدنيا.
من جانبه، قال الدكتور/ نادي عبد الله: إن الرسول الكريم ﷺ رغم مكانته العظيمة، فإنه بدأ الدعوة إلى الله منفردًا، وكان يَعرِض أمره على القبائل لعله يجد فيهم العون لدين الله سبحانه وتعالى، ورغم حُبه ﷺ الشديد لمكة، فإن الله سبحانه وتعالى اختار له مكانًا آخر وهو المدينة؛ لما علمه الحق سبحانه وتعالى من شوق في قلوب أهلها إلى رسول ﷺ؛ لذلك أمره سبحانه وتعالى بالهجرة إلى المدينة؛ لأن فيهم العون والنصرة لدين الله سبحانه وتعالى، ولأن الفاصل هو الصدق والحب؛ لذلك أعز الله سبحانه وتعالى الإسلام بالحُب والصدق، كما أن الرسول ﷺ دعا لأهل المدينة نظير حبهم له وصدقهم معه؛ فقال ﷺ: "اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة"؛ لما لمسه فيهم من حُب وصدق في مؤازرته ونُصرة دين الله سبحانه وتعالى.
وأضاف وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية، أنه كان مكافأة لأهل المدينة أن هاجر الرسول ﷺ إليهم؛ لما علمه الحق سبحانه وتعالى من حُبهم لرسوله الكريم ﷺ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. كما أشار إلى أن مصر لها نصيب كبير من حُب رسول الله ﷺ ولآل بيته الكرام رضوان الله عليهم؛ لذلك أصبحت مصر موطنًا لهم.
وشدَّد وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية، على ضرورة التمسك بالعبادة، وخاصة في هذه الأيام؛ لأن الرسول الكريم ﷺ أخبرنا أن العبادة في وقت الفتن كهجرة إليه ﷺ "العبادة في وقت الهرج كهجرة إليَّ"، ومن الواجب علينا أن نهاجر بالروح بعيدًا عن الشحناء والبغضاء، وأن نتخلص من كل أمراض النفس، وأن نقول: (عفا الله) بقلوب صادقة.
وفي السياق ذاته، قال الشيخ/ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر: إنه لا يوجد في التاريخ بأكمله كصحابة رسول الله ﷺ في الصدق والمؤازرة التي قدموها له ﷺ في بداية دعوته؛ حتى صارت ملء السمع والبصر بفضل الله تعالى؛ لذلك استحقوا ثقة الرسول ﷺ ليمثلوه في أقوامهم، فكانوا بحق خير سفراء للإسلام، وكان من أوائل هؤلاء الصحابي الجليل مصعب بن عمير -رضى الله عنه- سفير الرسول الكريم ﷺ إلى المدينة، وكان يتمتع برجاحة في العقل، وهدوء في الطبع؛ فوفد عليه الناس، ودخلوا في دين الله أفواجًا.
يُذكر أن ملتقى التفسير يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، ويهدف الملتقى إلى تسليط الضوء على المعاني الجليلة التي برزت في السيرة النبوية المشرفة.