الجامع الأزهر


رواق اللغة العربية للناطقين بغيرها

ملتقى الجامع الأزهر: بناء الأسرة على أُسسٍ متينةٍ وصحيحةٍ.. الركيزة الأولى لبناء مجتمعٍ قوي ومتماسك
Sameh Eledwy

ملتقى الجامع الأزهر: بناء الأسرة على أُسسٍ متينةٍ وصحيحةٍ.. الركيزة الأولى لبناء مجتمعٍ قوي ومتماسك

الدين محل الاختيار في الزواج والضمانة الكبرى لاستمرار الحياة الزوجية

الترابط الأسري البذرة الأولى لمجتمعٍ صالحٍ تُظلِّله السكينة وتجمعه المودة

عقد الجامع الأزهر، اليوم الإثنين، ندوة جديدة من الملتقى الفقهي «رؤية معاصرة»، تحت عنوان: «الترابط الأسري وبناء المجتمع»، بمشاركة الأستاذ الدكتور/ عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور/ مجدي عبد الغفار، الأستاذ بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الإذاعي الأستاذ/ سعد المطعني، المدير العام السابق بإذاعة القرآن الكريم.

وخلال اللقاء، أكد الدكتور/ عباس شومان، أن بناء الأسرة على أُسسٍ متينةٍ وصحيحةٍ هو الركيزة الأولى لبناء مجتمعٍ قوي ومتماسك، موضحًا أن شريعتنا الإسلامية أولَت الأسرة عناية بالغة منذ بداياتها الأولى، واهتمَّت بمقدمات الزواج قبل عقده؛ فجعلت الخطبة للتعارف، وجعلتها وعدًا غير مُلزِم إذا لم يجد الأطراف القبول تجاه بعضهم، أو وجدوا ما يمنعهم من الاستمرار، ومع ذلك لا يصح أن يتقدم للخطبة من لا يحمل النية الجادة، فبنات الناس لسنَ محلًّا للهو أو التجربة.

وأضاف الدكتور/ شومان، أن الإسلام أحاط الخطبة بتشريعاتٍ دقيقة، تُيسِّر للطرفين اتخاذ القرار السليم؛ فأجاز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وأن يتحدَّث معها بغرض التعرف ومصلحة الزواج، وهي خصوصية لا تتوفر في غير هذا الإطار، مشيرًا إلى أن الإسلام بهذا يُمهِّد لبداية صحيحة تحفظ حق كل طرف، وتُسهم في تقليل حالات الفشل بعد الزواج.

ونوَّه الأمين العام لهيئة كبار العلماء، إلى توجيه الشرع الحنيف في معايير اختيار الزوجة الصالحة؛ حيث تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، ثم يُوجِّه النبي ﷺ المسلم بقوله: «فاظفر بذات الدين؛ تربت يداك»، مشيرًا إلى أن الدين هو الضمانة الكبرى لاستمرار الحياة الزوجية، ولا مانع من أن تجتمع الصفات الأخرى في المرأة، لكن التفريط في الدين وحده هو الذي لا يُقبل؛ لأن ذات الدين وحدها كفيلة بأن تكون زوجة صالحة وأمًّا فاضلة.

من جانبه، أكَّد الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن مفتاح الإعمار الحقيقي لأي بيت هو حسن الاختيار، مشيرًا إلى أن كل بيت عامرٍ تُدرك أن سرَّ عمارته في اختيارٍ موفقٍ منذ البداية، وأنَّ من أراد بناء أسرةٍ ناجحةٍ فعليه أن يُحسن انتقاء شريكه، فالاختيار الرشيد هو اللبنة الأولى في صرح الاستقرار الأسري.

وأضاف أن البيت الساكن آيةٌ من آيات الله، كما دلَّت على ذلك الآية الكريمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، موضحًا أن هذه السكينة ليست مجرَّد حالة شعورية، بل هي طمأنينةٌ نفسيةٌ واستقرارٌ وجدانيٌّ وروحيٌّ، لا يتحقق إلا حين تتأسس العلاقة الزوجية على الود والرحمة.

وأشار الدكتور/ عبد الغفار، إلى أن حُسن القرار يخرج من مناخ الاستقرار، فإذا ساد الاستقرار داخل الأسرة، انعكس ذلك على قرارات أفرادها خارجها أيضًا، بينما إذا افتقد البيت هذا الاستقرار واضطربت النفوس داخله، فإن القرارات تصدر مشوشة ومضطربة؛ وهو ما يُهدِّد استقامة الفرد والمجتمع معًا، مؤكدًا أن المجتمع لا يقوم إلا على ثلاثة: الإعمار، والسكينة، وصواب القرار.

وفي السياق ذاته، أشار الأستاذ/ سعد المطعني، إلى أن الملتقى ناقش قضيةً غاية في الأهمية نحتاج إليها في زمانٍ تشابكت فيه الأمور، وتداخلت المؤثرات التربوية، موضحًا أن التربية التي كانت يومًا ما ترتكز على الأب والأم والمدرسة، أصبحت اليوم مزاحَمةً بعوامل جديدة، في مقدمتها: الهاتف المحمول، الذي صار مصدرًا من مصادر المعرفة، سواء أكانت نافعةً أم ضارة.

ونوَّه المطعني إلى أن ما نشهده من طوفانٍ تكنولوجيٍّ متسارع أسهم في تشكيل عقول الناشئة، وهو ما يُلقي على الأسرة عبئًا مضاعفًا في تحقيق الترابط بين الزوجين، والأم وأولادها، والأب وأبنائه، مؤكدًا أن هذا الترابط هو البذرة الأولى لمجتمعٍ صالحٍ تُظلِّله السكينة وتجمعه المودة، وأن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يتكوَّن منها صرح المجتمع، فكل أسرةٍ صالحةٍ تعني خطوةً نحو بناء أمَّةٍ متماسكةٍ راشدة.


 

الموضوع السابق حصاد الجامع الأزهر في شهر رمضان 1446 هـ
الموضوع التالي ملتقى "التفسير والإعجاز القرآني" بالجامع الأزهر: بيت المقدس أرض المحشر والمنشر.. والموضع الذي يُبعث فيه الخَلْق يوم القيامة
طباعة
88 Rate this article:
لا يوجد تقييم