د. مجدي عبد الغفار: التصوف يسمو بالأخلاق ليرتقي بها إلى أن يكون المتصوف عبدًا ربانيًّا
عَقَدَ الجامع الأزهر ملتقى الأزهر الأسبوعي للقضايا المعاصرة تحت عنوان: "التصوف الحقيقي.. توضيح مفاهيم"، وحاضر في الملتقى كل من: د/ عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود/ عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين، ود/ مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين بالقاهرة.
وخلال اللقاء، أوضح د/ عبد المنعم فؤاد، أن التصوف وقواعده ومنابعه مستمدة من الدِّين الحنيف؛ فهي مستمدة من كتاب الله تعالى ومن سُنَّة رسول الله ﷺ، فالمتصوف الحق هو من اتبعهما، يقول الإمام الشافعي: "إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء؛ فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسُّنَّة"، فمقامات وتعاليم التصوف من الزهد والورع والتقوى وحُسن الخلق والكرم إلى غير ذلك مستمدةٌ من كتاب الله وسُنَّة نبيه ﷺ. أما ما نراه اليوم من تصرفات غريبة يفعلها القِلَّة من التراقص ولبس ملابس غريبة، لا يمت إلى التصوف بشيء، فالتصوف ليس مصطلحًا حدثيًّا، فقد التزم صحابة رسول الله ﷺ بكتاب الله تعالى وبسُنَّة رسول الله ﷺ، وحين بدأت الفتوحات الإسلامية وأُطلق لفظ المتصوف على أبو هاشم الكوفي عام ١٥٠ هجريًّا، الذي التزم بتعاليم الإسلام، وبدأ يترجم أخلاق الإسلام من الزهد والورع والتقوى وحُسن الخلق إلى واقع ملموس مُظهِرًا فيه محاسن الإسلام، ثم بدأ بعد ذلك التصوف العلمي، وأخذ الناس يتكلمون عنه بالنظريات العلمية، ثم النظريات الفلسفية، وأجمع العلماء على أن التصوف مبنيٌّ على كتاب الله تعالى وسُنَّة رسول الله ﷺ.
وتابع المشرف على الأروقة: إن التصوف خُلُق وليس بلبس ملابس خاصة، فمَنْ زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في التصوف، والنبي ﷺ قال: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق» و«أقربكم مِنِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا».
من جانبه، ذَكَرَ الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن ديننا الوسط عُهد عليه أن يُربي أبناءه؛ فقدَّم التربية على التعرية، والتوصيف على التشخيص، موضحًا أن التصوف المعتدل يقوم على ثلاثة أصول معهودة ومنشودة، والتي ذكرها الإمام سهل بن عبد الله التُستري: اتباع النبي ﷺ في الأقوال والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في كل الأحوال، فيجب على الفرد اتباع النبي ﷺ في الأقوال والأفعال بلا ابتداع، وقيل في ملخص ماهية التصوف: هو الدخول في كل خُلُق سَنِيٍّ والخروج من كل خلق دَنَيٍّ. وعليه؛ فالتصوف يسمو بالأخلاق؛ ليرتقي بها إلى أن يكون المتصوف ربانيًّا؛ لأنه استمد خُلُقه من كتاب الله تعالى ومِنْ سُنَّة رسول الله ﷺ، قال تعالى: {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}، وفي قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (*) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. مَنْ جمع بين صفتي: التقوى والإيمان، وصل أعلى المنازل وأُكرم بالجنتين، وكان من أولياء الله تعالى، وهاتان الصفتان هما المَظْهر والتاج لأصحاب التصوف، فالتصوف إيجابي وليس سلبيًّا، يأخذ الناس بعد محراب الصلاة إلى محراب الحياة.
وأشار الدكتور/ عبد الفتاح العواري، إلى أن التصوف ينطلق مِنْ كتاب الله تعالى ومِنْ هَدْي سيدنا محمد ﷺ، ومصطلح التصوف وإن كان قد ظهر مؤخرًا فإنه كان جليًّا في صحابة رسول الله ﷺ والتابعين؛ فظهر فيهم الصفاء والورع والخشية والزهد وإماتة النفس، والبُعد عن الملذات والشهوات، وملازمة الاستغفار، تلك المعاني التي أُخذ منها مصطلح التصوف، فإذا ما طالعنا سَير أئمة التصوف من صفة الصفوة لابن الجوزي الحنبلي أو الرسالة للقشيري- لا نرى فيهم من تَنكَّر للشرع أو من تَرَكَ الاتباع وسار في طريق الابتداع؛ لأنهم آمنوا بأن التخلية قبل التحلية، وأبوا أن يرتدوا ملابس نظيفة على اتساخ؛ فطهروا بواطنهم لتنضح على ظاهرهم، فحين سأل أحد المريدين شيخه، كيف الطريق إلى الله؟ فأجابه الشيخ: "طريقتنا هذه -يا بني- مقيدة بالكتاب والسُّنَّة". ومن هنا؛ كان المنطلق من كتاب الله الذي يمثل ذروة الأخلاق التي تحلى بها سيدنا محمد ﷺ، فمَنْ حاد عن هذه الطريقة وادعى التصوف فلم يعمل بكتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ -فهو شاذٌّ، وأن ما نراه اليوم من تصرفات بعض الأفراد الذين يسمون أنفسهم بالصوفيين يُعدُّ شذوذًا ولا يمثل القاعدة الكلية؛ فهؤلاء أغواهم الشيطان، وزَيَّن لهم أعمالهم؛ فصدهم عن الطريق القويم. فالتصوف طريق شريعة تُوصِّل إلى حقيقة معرفة الله وإلى مقام الإحسان؛ وهي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك.