د. عبد الفتاح العواري: الإيمان يمثل شجرة أصلها راسخ وفروعها عالية تُلقي بظلالها على المؤمن الذي يؤمن بالله ويطمئن قلبه به
عقد ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" بالجامع الأزهر الشريف، لقاءه الأسبوعي بعنوان: "البناء العقَدي للإنسان وأثره في الاستقرار المجتمعي"، وحاضر فيه كل من: الدكتور/ عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والمشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، والدكتور/ عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة، والدكتور/ حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
وخلال اللقاء، أوضح د/ عبد المنعم فؤاد، أن قضية العقيدة من القضايا المهمة في حياة الإنسان، وأن العقيدة إذا ما صحت صح كل شيء، فإذا ما ترسخت عند الإنسان العقيدة الصحيحة وعَرَفَ ربه وآمن به؛ سيكون آمنًا في نفسه ومستقرًّا في مجتمعه ووطنه، وبدأت اللبنة الأولى في بناء الإنسان عقَديًّا على يد رسول الله ﷺ، يدعو قومه إلى التوحيد والإيمان بالله وإلى العقيدة الصحيحة لمدة ثلاث عشرة سنة قائلًا: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، وأخذ يُربي أصحابه عليها؛ فترسخت العقيدة الصحيحة في قلوبهم؛ فكانوا لا يخشون أحدًا إلا الله؛ فنرى بلالًا رضي الله عنه ثابتًا على إيمانه بالله رغم تَعرُّضه لأشد العذاب، وأم عمارة وغيرها كثير من الصحابة الذين وقفوا كالجبال ضد من يجادلون في الله بغير حق.
وأضاف أستاذ العقيدة والفلسفة: إن بناء الإنسان عقَديًّا يؤدي إلى أمان واستقرار المجتمع نفسيًّا؛ فتقل نسبة الانتحار؛ لأن المؤمن بقضاء الله وقدره لا يمكن أن ييأس من الحياة، ويقل الهَمُّ حين يرضى المؤمن بما قَدَّره الله تعالى، كما أن بناء الإنسان عقَديًّا يقوي من وحدة المجتمعات، كما قال النبي ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يَشُدُّ بعضه بعضًا".
من جهته، ذَكَرَ د/ حبيب الله حسن، أن الإيمان أصل لكل خير وسعادة، ومبعث الطمأنينة والأمن والسِّلْم والسلام للمؤمن أولًا، ومن حوله المجتمع الذي يعيش فيه، فالمؤمن الذي آمن بربه ينعم بالأمن النفسي، وقال أحد أساتذة الطب النفسي: "إن المسلم ليس بحاجة لمصحة نفسية؛ لأن عنده مصحتين نفسيتين: المسجد والمصحف"؛ فهما دواء لكل مرض نفسي، دخل رسول الله ﷺ ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنتَ قلتَه أذهب الله عز وجل همَّك وقضى عنك دَينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". فبالإيمان بالله يستطيع الإنسان مواجهة أعتى التحديات، وبالإيمان يستطيع أن يَبني وطنه؛ لأن الإيمان يشع نورًا على الفرد والمجتمع بأكمله؛ لأن أخلاقه إسلامية المصدر، إنسانية المقصد.
وبَيَّنَ د/ عبد الفتاح العواري، أن الإيمان أمر ينعقد بالقلب، وهذا الانعقاد يُمثل اعتقادًا جازمًا مطابقًا للواقع لا يمكن أن يتفكك. ومن هنا؛ صح إطلاق مصطلح «العقيدة» على الإيمان والتوحيد وأصول الدين؛ فالإيمان يُمثِّل شجرة أصلها راسخ وفروعها عالية، تُلقي بظلالها على المؤمن الذي يؤمن بالله ويطمئن قلبه به، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، فحقيقة الإيمان تسمو بأخلاق الإنسان؛ ليترفع بها عن سفاسف الأمور، فإذا رسخ الإيمان بالقلب أصبح عبدًا للَّه، وازدادت خشية الله في قلبه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، وبالإيمان يواجه عدوَّه بصدره ولا يوله الأدبار؛ لأنه يؤمن بأن الفرار يوم الزحف من الكبائر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.