كتاب الله ليس كلأً مباحًا.. والناظر في أحكامه لا بُدَّ أن يكون من الراسخين في علومه
د/ محمد الجندي: تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه.
نظَّم الجامع الأزهر اليوم ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة تحت عنوان: "مكانة القرآن الكريم وقداسته"، وذلك بحضور: أ.د/ عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء ورئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، وأ.د/ محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وأدار الحوار أ.د/ عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر.
وخلال اللقاء، أوضح الدكتور/ عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، أن القرآن الكريم هو الدستور الأكبر المحفوظ بحفظ الله تعالى من التبديل والتحريف، موضحًا أنه المصدر الأول للأحكام بإجماع علماء المسلمين، يليه السنة النبوية المطهرة، ثم إجماع علماء المسلمين، ثم القياس.
وبيَّن الأمين العام لهيئة كبار العلماء، أن حفظ الله -عز وجل- لكتابه الكريم لا يعني عدم وجود محاولات للتحريف، لكن ذلك التحريف سرعان ما يتم اكتشافه وتصحيحه. لافتًا إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون المكتشف لذلك التحريف عالمًا، بل قد يكتشفه طفل أو شابٌّ حافظ لكتاب الله على يد أحد القراء، مشيرًا إلى وجود لجنة خاصة بمجمع البحوث الإسلامية تقوم بمراجعة جميع النسخ المطبوعة للقرآن الكريم وتدقيقها جيدًا؛ لضمان النشر المنضبط.
وأوضح الدكتور/ شومان أن آيات القرآن الكريم، منها: المُحكم والمتشابه، والمجمل والمفصل، والعام والخاص، موضحًا أن المحكم هو ما ظهر معناه وكان واضحًا، والمتشابه كالحروف المقطعة في أوائل السور، لافتًا إلى أن آيات الفقه لا توجد فيها آية متشابهة، بل هي محكمة واضحة المعنى، وهذا لا يعني أنها جميعًا قطعية الدلالة؛ فقد يخرج منها العلماء بأكثر من حُكم، وهو ما يطلق عليه (ظني الدلالة)، كما أن هناك آيات قطعية الثبوت والدلالة، وهي التي تدل على حُكم واحد، مثل: آيات تحريم الزنا، وهذه الآيات لم يختلف فقيه متفقه في دلالتها.
وشدَّد د/ شومان، على أن كتاب الله -عز وجل- مُقدَّس، ليس كلأً مباحًا لكل من أراد، وأن من يقرأ في كتاب الله وينظر في أحكامه لا بُدَّ أن يكون من الراسخين في العلم، على دراية كاملة بعلومه من لغة، وتفسير، وفقه، وغيرها، ولا بُدَّ أن يكون التعامل مع القرآن بعلم وأدب شديدين، مُبينًا أنه نزل على أفصح خلق الله على الأرض، العرب أهل اللغة العربية، وتحداهم أن يأتوا بمثله؛ فعجزوا، أو بعشر سور، أو بسورة، أو حتى آية، ولكنهم عجزوا عن ذلك على الرغم من محاولاتهم التي باءت بالفشل الذريع.
من جانبه، قال أ.د/ محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إن الله تعالى جعل القرآن الكريم هاديًا للقلوب إلى الاستقامة والطريق الصحيح، طريق النور والإيمان، موضحًا أن نتيجة ما وقع فيه بعض خفاف العقول من استهزاء بالقرآن الكريم، أوصلهم لضياع هيبة كتاب الله من نفوسهم ومَنْ حولهم.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من ضياع هيبة القرآن، وكان الصحابة تقشعر جلودهم عند سماع آياته، كما حذَّر العلماء والسلف الصالح من الزيادة أو المبالغة في الطرب أو التغني بالقرآن الكريم؛ حيث أنزله الله تعالى هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ولم ينزله ليطرب به الناس أو يتغنوا به، وقد أمر الله المسلمين بفهم معانيه، وتدبر ما فيه من عظات وآداب بكل أحكامه.
ولفت د/ الجندي، إلى أن بعض العقول أرادت أن تصيغ "رؤى" خاصة لفهم القرآن الكريم، مع أن أصحابها غير عالمين بأصول وعلوم تفسير القرآن، وابتدعوا حجة "رؤية الكاتب"، موضحًا أن هذه وسيلة لغاية مسمومة تسعى لضياع هيبة القرآن وجلاله، وما يترتب على ذلك من السعي لإسقاط أحكام القرآن وتفكيكها؛ وبالتالي ينتشر الكذب والفحشاء وغيرها. كما اتبع البعض عددًا من المناهج التي أرادوا بها أن يسقطوا جلال القرآن من الصدور، وراحوا يعتمدون طرقًا وتأويلات غير قائمة على أسس؛ ما أدى إلى غياب فهم النص وفهم أدواته فهمًا صحيحًا.
يُذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" يُعقد يوم الثلاثاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من فضيلة أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وكان يُسمى "شبهات وردود" وتم تغييره إلى "ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة" بعد نجاحه طوال شهر رمضان؛ حيث كان يُعقَد يوميًّا عقب صلاة التراويح، ويتناول في كل حلقة قضية تَهُمُّ العالَمَيْن العربي والإسلامي.