الدكتور/ مجدي عبد الغفار: الشبهات لا تصدر إلا عن ضعفاء الإيمان ممن يحاولون نقل هذا الضعف إلى غيرهم
عقد الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، الملتقى الأسبوعي "ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة"، تحت عنوان: "شبهات المشككين حول الإسراء والمعراج"، بحضور أ.د/ محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام الديني بجامعة الأزهر، وأ.د/ مجدي عبد الغفار حبيب، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأدار الملتقى الشيخ/ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر.
وخلال اللقاء، أوضح الدكتور/ محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر، أن قضية الشبهات ليست قضية جديدة، بل هي قضية بدأت منذ أيام سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أثيرت مثل هذه الشبهات على أيدي كفار مكة؛ في محاولة منهم للتشكيك في الدين الإسلامي، موضحًا أن القرآن الكريم قد حذرنا من الفتن ومصادرها، وأن لها مسارين، إما مسار الشبهة، وإما مسار الشهوة، فيستهدف المؤمنين بالشبهة؛ لتشكيكه في دينه، وإن لم يأت بالنتيجة التي يستهدفها، يأتي للمسار الثاني وهو الشهوة، عبر تقديم محتوى يؤثر على المؤمن، ويشككه في عقيدته، وللمسلم من الشبهات موقفان، موقف للعامة، وموقف لطلاب العلم، فالعامة مطالبون بالانصراف عن مثل هذه المجالس التي تهدف لإثارة الشبه لديهم؛ لعدم امتلاكهم المقدرة على الرد عليها وضحدها؛ مصداقًا لقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. أما العلماء والدعاة، فيجب عليهم التصدي لمثل هذه الشبهات، وأن يفندوها، وأن يبينوا ما فيها من أباطيل، وهذا هو منهج القرآن الكريم.
وأوضح الدكتور/ محمود الصاوي أن للشبهات سببين، أولها: قلة العلم، وثانيها: ضعف البصيرة، فقلة العلم هي عدم امتلاك العلم الشرعي والأدوات التي يمكن من خلالها معرفة الشبهات وتفنيدها، وضعف البصيرة، والبصيرة هي عين القلب، يمكن للمؤمن من خلالها تجنب الشبهات والبُعد عنها، مبينًا أن الشبهات قديمة وليست جديدة، فقريش رددت الكثير من الشبهات، فمرة قالوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-: شاعر، ومرة أخرى قالوا عنه: كاهن، واتهموه في موضع آخر بالتقول على الله، وقد فنَّد القرآن الكريم جميع أكاذيبهم تلك، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ}، مضيفًا أن المستشرقين كذلك قد أثاروا الكثير من الشبهات، ومن ذلك قول المستشرق الإنجليزي جون لوك "لم يَبقَ حاجة أو نفع للوحي"، وقول المستشرق الهندي سبينوزا: "إن الكتب المقدسة لم تَعُد مصادر للحقيقة"، وجميعها شبهات هدفها التشكيك في الإسلام والنبوة، فيجب علينا جميعًا أن ننتبه جيدًا لها وما وراءها من أهداف خبيثة، خاصة أن هناك من أبناء جلدتنا من أصبح مرددًا لهذه الشبهات، ويبذل كل جهده في سبيل نشرها، لافتًا إلى أن الإسراء رحلة أرضية لنبينا الكريم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أما المعراج فهو رحلة سماوية، صعد فيها نبينا الكريم إلى السماوات السبع، وذلك في ليلة واحدة يقظة بجسده وروحه؛ مصداقًا لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، وأن من ينكر المعراج فهو ينكر صراحة القرآن الكريم؛ حيث إن المعراج قد ورد صريحًا في سورة النجم في قوله تعالى: {أفتمارونه على ما يرى}، {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى}.
من جانبه، قال الدكتور/ مجدي عبد الغفار حبيب، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة: إن قضية اليوم حول الشبهات وإثارتها هي دندنة الضعفاء، وهي لا تصدر إلا عن ضعفاء الإيمان ممن يحاولون نقل هذا الضعف إلى غيرهم، ومن بين هذه الشبهات التي أوردها هؤلاء الضعفاء: قولهم إن الله ذكر الإسراء في القرآن ولم يذكر المعراج، في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا}، وردنا عليهم أن الإسراء والمعراج معجزة، وإذا ذكر أحدهما دل على الآخر، فإذا ذكر الإسراء دل على المعراج، موضحًا أن المعراج قد جاء مفصلًا في كثير من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ودليل ذلك ما ورد عن الإمام أبي الحسن الأشعري "وعلى أن الإيمان بإسراء النبي إلى السماوات واجب"، فهل كان الإسراء إلى السماوات، بل كان من بيت الله الحرام إلى بيت المقدس، وهذا يدل على أن الإسراء والمعراج، إذا ذكر أحدهما دل على الآخر، كما أن الإمام البخاري قد بوَّب بابًا بعنوان: "كيف فرضت الصلاة في الإسراء؟"، فهل فرضت الصلاة في الإسراء أم المعراج؟ إذًا فقد ثبت بالدليل أنه إذا ذكر أحدهما دل على الآخر.
وبيَّن الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن مرددي مثل هذه الشبهات لديهم غرابة في الفهم، وعجز عن فهم القرآن الكريم؛ فالضمير في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده}، يعود إلى نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في رد واضح على من ينكرون أن الإسراء والمعراج لم يكن بالجسد، بل كان بالروح فقط، فالإسراء والمعراج رحلة فيها معجزة بعيدة عن جميع المقاييس البشرية والحسية؛ لأن المعجزة أمر خارق للعادة، وفي هذه الرحلة المعجزة الكثير من الأشياء التي سخرها الله تعالى لنبينا -صلى الله عليه وسلم- مضيفًا أن من الشبهات أيضًا قولهم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نقل هذه القصة عن سلمان الفارسي. وهو أمر لم يرد عن سيدنا سلمان الفارسي، كما أن وقت الإسراء والمعراج لم يكن سلمان الفارسي قد أسلم بعد، ومثل هذه الشبهة تفيد بأن مردديها ليس لديهم خلفية تاريخية عن هذه الرحلة التي جاءت تكريمًا لنبينا صلى الله عليه وسلم.
وفي السياق ذاته، أكَّد الشيخ/ أحمد الطباخ، أن معجزة الإسراء والمعراج هي ركيزة أساسية في الدعوة الإسلامية؛ لأنها فيها من المعاني والدلائل الكبيرة، كما أنها حملت في طياتها هدية الحق سبحانه وتعالى لأمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي فريضة الصلاة؛ لذلك فإن محاولات التشكيك في هذه المعجزة هي محاولة لهدم هذه الفريضة وإثارة الشبهات حولها، وهي محاولات قديمة وليست وليدة اليوم.
ويعقد "ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة" يوم الثلاثاء من كل أسبوع، في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من فضيلة أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وإشراف أ.د/ عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، والدكتور/ هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، وكان يعقد بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لـ"ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة"، بعد نجاحه طوال شهر رمضان؛ حيث كان يعقد يوميًّا عقب صلاة التراويح، ويتناول في كل حلقة قضية تهم العالَمَين العربي والإسلامي.