ما تجرأ عدونا اليوم على المطالبة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم إلا بتخلي الأمَّة عن وحدتها
الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة: الأزهر الشريف اتخذ إحياء المناسبات الوطنية منهجًا من أجل أن يجمع شمل الأمَّة.. وأن يُذكِّرها بتاريخها المشرف
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: "الاحتفال بعيد تحرير سيناء" بحضور كل من: أ.د/ محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور/ حسن يحيى، الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، وأدار اللقاء الأستاذ/ سمير شهاب، المذيع بالتليفزيون المصري.
وخلال اللقاء، قال الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إن ذكرى تحرير سيناء هي خير شاهد على صمود شعب مصر وبسالة جيشها، كما أن هذه الذكرى برهان على وقوف علماء الأزهر خلف قواتهم المسلحة داعمين ومؤيدين في معركتهم ضد عدو الله وعدوهم؛ حيث كان صوت الأزهر كعادته يؤازر الحق، فمن فوق منبر الجامع الأزهر خرجت صيحات علمائه مؤازرة لصوت الدبابات والمدافع في المعركة. كما أن شيخ الأزهر آنذاك الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ عبد الحليم محمود، بشَّر مصر بالنصر على أعدائها من فوق منبر الجامع الأزهر عندما قص الرؤية الشهيرة والتي "رأى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، يصحبه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة وعَبَرَ بهم قناة السويس" فكانت هذه الرؤية بشارة لأهل لمصر أنهم منتصرون على عدو الله وعدوهم.
وبيَّن الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن علماء الأزهر كانوا يستعدون للمعركة بالدرجة نفسها التي كانت تستعد بها قواتنا المسلحة، من خلال القيام بواجبهم في شحذ الهمم، ورفع الروح المعنوية، وتعبئة الشعب خلف قواته المسلحة، بل لم يكتف علماء الأزهر بالوقوف في صفوف الجماهير فقط، بل شاهد العالم بأَسْره عمائم الأزهر فوق الجبهة يقومون بدورهم في تثبيت إخوانهم من الجنود؛ ليحفزوهم ويشدوا من أزرهم؛ من أجل تحقيق النصر وتحرير الأرض المباركة "سيناء" التي ذكرت في القرآن الكريم أكثر من مرة؛ وذلك لمكانتها العظيمة لأنها مورد الأنبياء.
وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن تحقيق النصر على العدو في هذه المعركة له دلالات، منها: أن شعب مصر يتصف بالمروءة، وأنه شعب لديه عقيدة في الدفاع عن وطنه يدافع بكل ما أوتي من قوة، كما أن شعب مصر لديه صبر وجَلَد وصمود، مكَّنه من تحقيق النصر مهما طال الأمد، وهو ما أثبتته هذه المعركة؛ لأن شعبها لا يقبل الذل والمهانة، أو أن تنتقص حقوقه، كما ضرب هذا الشعب أروع الأمثلة في التوحد؛ حيث التف بكل أطيافه وفئاته خلف هدف واحد وهو تحقيق النصر على عدو الله وعدوهم، وهو المبدأ الذي حقق العز للأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل.
وأضاف أنه يجب علينا أن نستلهم من ذكرى تحرير سيناء، تلك الروح التي كانت هي المعول الأساسي في هذا النصر، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية والعربية، وما تجرأ عدونا اليوم على المطالبة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم إلا بتخلي الأمَّة عن وحدتها، وهو المبدأ الذي أمرنا به الحق سبحانه وتعالى في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وواجب الوقت يفرض علينا أن نصطف على قلب رجل واحد، وأن نسقط في سبيل تحقيق هذا الهدف كل التوجهات وكل المذهبيات؛ من أجل حماية أمتنا واستعادة مكانتها، مشيرًا إلى أن للعقيدة قوة ودافعية لحماية الأوطان (حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال)، كما أن العقيدة الصحيحة ينبثق منها النصر؛ لذلك نجد أن منهج الأزهر قائم على تصحيح المفاهيم من أجل صلاح العقيدة.
وذكر الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن النبي -صلى عليه وسلم- عندما خرج من مكة وأظهر حنينه وشوقه لوطنه في قوله: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرضٍ إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك"، دليل على أن الانتماء للأوطان شيء مقدس لا يمكن التهاون فيه، والتفريط فيها خيانة كبرى، وعلينا أن نبذل أرواحنا من أجل الدفاع عن أوطاننا ضد كل من يحاول أن يمسها بسوء أو يعبث بمقدراتها؛ لأن حماية الأوطان تتسق مع الفطرة السليمة التي جبل الله سبحانه وتعالى عليها البشر.
من جانبه، قال الدكتور/ حسن يحيى، الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بالأزهر: إن الأحداث التي يسجلها التاريخ للأمم هي مرآة للأجيال المتعاقبة؛ لتنظر من خلالها، وتقف على أسبابها وعواملها؛ لترسم من خلالها طريق المستقبل، وتُمهِّد بها لأنفسها كيف تبني وتؤسس مكانتها كما فعل أسلافها، وهو منهج لا بُدَّ منه في عملية استمرار تقدم الأمم ورقيها، ولا يمكن الاستغناء عن هذا النهج؛ لأنه دونه تصبح هذه الأمة بتراء لا جذور لها، ولا يمكن لأمة بتراء أن تؤسس لحضارة أو تبني مجدًا، واحتفالنا بذكرى تحرير سيناء هو تأصيل لهذا المنهج، الذي يربطنا بماضينا، ويُحدث في عقول شبابنا وعيًا بما حققه أجدادهم؛ فيكونون قادرين على مواصلة هذا الدور العظيم وهو الدفاع عن الوطن في شتى الميادين، سواء كانت الفكرية، أو العلمية، أو الثقافية، وغيرها، وليست الميادين العسكرية فقط.
وأكد الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بالأزهر، أهمية أن يمتلك شبابنا وعيًا كافيًا يُمكِّنهم من فهم تاريخهم، والدور الواجب عليهم؛ لأن الوعي هو المؤشر القادر على تحقيق مسار الأمم، وإحياء الأزهر لمثل هذه المناسبات الوطنية؛ بهدف الوقوف على مضامين ومعاني يجب أن تكون ماثلة في أذهان الشباب؛ من أجل أن يكونوا قادرين على حمل راية الوطن، والعمل على رفعته، مبينًا أن أرض سيناء لا تعني للمصريين مجرد حدود جغرافية مرسومة في الكتب، أو معلومات تحويها كتب التاريخ والمدونات، وإنما تعني لنا هُوية وثقافة وتاريخ، وأرضًا مقدسة مثلت عقيدتنا؛ لأنها الأرض التي تجلى عليها الحق سبحانه وتعالى؛ لهذا تجلت أوصافها وذَكَرَها في القرآن الكريم؛ لهذا ظهرت بسالة أجدادنا في الدفاع عنها، وسنظل على عهد أجدادنا في الدفاع عنها، وستظل كل الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض ملتزمة بهذا العهد.
وكشف الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة، أن النصر لا يمكن أن يتحقق لأمة متفرقة ومتنازعة، ولا لأمة اتبعت هواها، وفرَّطت في عقيدتها؛ لهذا عمل أعداء هذه الأمة على تشتيت شَمْلِها ومحاربتها في الثوابت؛ لتصبح أمة ضعيفة لا هُوية لها؛ لتنشغل بذلك عن القضية الأساسية وهي الحفاظ على الأوطان وحدودها، محذرًا الأمة الإسلامية من الاستمرار في هذه الغفلة، وبخاصة في ظل ما تشهده الأمة اليوم من تربص واضح، وتكالب أعدائها عليها. فعليها أن تستغل مقومات الوحدة التي لم تتوفر لأمة مثلما توفرت لها، فهذه الأمة ربها واحد، ولغتها واحدة، وشعائرها واحدة، فماذا ننتظر من أجل أن تكون كلمتها واحدة؟! والحالة التي عليها الأمة الإسلامية لا تخدم إلا عدوها.
وأشار إلى أن إحياء ذكرى الأحداث الوطنية والإسلامية هو أمر له سند شرعي؛ لنقف على أسبابه، ونفهم عوامله، والأزهر الشريف اتخذ إحياء المناسبات الوطنية منهجًا من أجل أن يجمع شمل الأمة، وأن يُذكِّرها بتاريخها المشرف، وأن يربطها بإرثها التاريخي والوطني، وأن يجعل الأجيال تقتفي أثر بعضها في بناء الأوطان والحفاظ عليها.
وفي السياق ذاته، قال الأستاذ/ سمير شهاب، المذيع بالتليفزيون المصري: إن النصر لا يمكن أن يأتي عبثًا، وإنما لا بُدَّ له من أسباب، أولها: تماسك الأمة، يعقبه جهد وتضحيات، والمؤرخون شهدوا لمصر بأنها الصخرة التي تتحطم عليها أحلام الطغاة بفضل تماسك شعبها واستعداده لأن يضحي بأرواحه من أجل الحفاظ على كل ذرة رمل في هذا الوطن، وما بذله شهداؤنا عبر تاريخ هذا الوطن هو خير دليل على هذا العطاء وهذه الروح.