عقد الجامع الأزهر أمس الإثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: “حقوق الوالدين.. رؤية فقهية"، بحضور: أ.د/ رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر، وأ.د/ ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الشيخ/ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.
وخلال اللقاء، أكد الدكتور/ رمضان الصاوي، على عِظَمِ منزلة الوالدين في الإسلام، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى قرن عبادته بالإحسان إليهما في مواضع عدة من القرآن الكريم، وكأن الإحسان إليهما يُعدُّ مكملًا لعبادة الله سبحانه وتعالى، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} هذا الاقتران يُبين أن طاعة الوالدين وبِرَّهما ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل هي جزء لا يتجزأ من الإيمان وسبب رئيس لنيل رضا الله تعالى ومحبته، فمَنْ أحسن في عبادته لله؛ انعكس ذلك على سلوكه وأخلاقه؛ فكان من أولى ثمراته البر والإحسان لوالديه؛ عرفانًا بفضلهما، وتكريمًا لهما؛ نتيجة صنيعهم ورعايتهم أبناءهم في الصغر، وما نراه من سوء تصرف بعض الأبناء مع الآباء لا يمت للدِّين بصلة، وهو تجرأ على تعليمات الشرع الحنيف، وهو أمر منهي نهي شديد؛ قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، ومن حُسن البر للوالدين أن يَبَرَّ الرجل أهل وُدِّ أبيه، وهو دليل على أن صنيع المعروف والمعاملة الحسنة لأهل وُدِّ الآباء هو من البر للوالدين.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن مكانة الوالدين عظيمة في الإسلام، وأن الإحسان إليهما لم يُترَك لاجتهاد البشر أو تفضيلهم، بل جاء به أمر صريح ومباشر من الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} هذه الآية الكريمة لا تؤكد فقط على وجوب الإحسان إليهما، بل تضع ضوابط دقيقة لهذا الإحسان، خاصة في مرحلة الكِبَر التي يكونان فيها أحوج ما يكونان إلى الرعاية واللين، فتنهى عن أبسط صور الضجر وهو قول: "أُفٍّ"، وعندما سُئل نبينا -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال عبد الله بن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".
وتقديم بر الوالدين على الجهاد دليل على المكانة العظيمة لهذا العمل، وعندما جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ فاستأذَنَهُ في الجهادِ، فقالَ: "أحيٌّ والداكَ؟ قال: نعَم. قال: ففيهِما فجاهِدْ"، وهذا دليل نبوي على المكانة العظيمة للإحسان للوالدين وبرهما.
من جانبه، أكد الدكتور/ ربيع الغفير، أن الفضل الحقيقي على الإنسان -بعد فضل الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم- هو فضل الوالدين، ولعظم هذا الفضل ومنزلته؛ قرن الله تعالى عبادته بشكر الوالدين والإحسان إليهما، قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} هذه الآية الكريمة توضح أن شكر الوالدين يأتي مباشرة بعد شكر الله؛ مما يؤكد على مكانتهما الرفيعة في الإسلام، ووجوب البر بهما كجزء لا يتجزأ من عبادة الله سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أن تطاول بعض الأبناء على آبائهم يُعدُّ كارثة كبرى، كما أن استثقال بعض الأبناء لحاجات آبائهم يُعدُّ قصر نظر؛ لأنهم بذلك يغفلون عن حقيقة أن العقوق لا يُجازي صاحبه إلا بالهمِّ والشقاء في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة. وفي المقابل، فإن بر الوالدين لا يُثمر إلا سعادة وطُمأنينة في الدنيا، وأجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا في الآخرة.
وحَثَّ الدكتور/ ربيع الغفير، الشباب على ضرورة العناية بالوالدين، خاصة في مرحلة الكِبَر، وهذا ليس مجرد سلوك أخلاقي، بل هو أمر إلهي عظيم أوجبه الله سبحانه وتعالى على عباده؛ لأن الوالدين في هذا العمر يصبحان في أمسِّ الحاجة للرعاية واللين، بعدما ضعفت قوتهما؛ قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. هذه الآية ليست مجرد وصية، بل هي منهج إلهي للتعامل مع الوالدين في كِبَرهما؛ حيث تَنهَى عن أبسط صور الإساءة، مثل: كلمة "أُفٍّ"، وتأمر باللين والقول الحسن، وتوجب على الأبناء التواضع لهما، والرحمة بهما، والدعاء لهما جزاءً لما قدماه من تربية وعطاء في مرحلة الصغر.
وفي السياق ذاته، أكد الشيخ/ إبراهيم حلس، أن بر الوالدين يُعدُّ من أعظم الأعمال وأحد أهم أسباب دخول الجنة، وعلى المسلمين اغتنام هذا العمل العظيم؛ لأن الإحسان إلى الوالدين ليس مجرد واجب ديني، بل هو طريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة. كما أن عقوق الوالدين يحجب الأعمال الصالحة ويمنع قَبولها، لافتًا إلى أن الدعاء إلى الوالدين بعد وفاتهما من سُبل البر إليهما؛ لأن الدعاء لهما يرفع درجاتهما ويزيد حسناتهما.
يُذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، ويهدف إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وَفقًا للشريعة.