الجامع الأزهر


تفاصيل الخبر

ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يستعرض كيف غيَّرت رحمة النبي ﷺ مسار التاريخ في فتح مكة

  • | الخميس, 24 يوليه, 2025
ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يستعرض كيف غيَّرت رحمة النبي ﷺ مسار التاريخ في فتح مكة

     عقد الجامع الأزهر أمس الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "رحمة النبي ﷺ .. فتح مكة نموذجًا" وذلك بحضور: أ.د/ أسامة المهدي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأ.د/ حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الأستاذ/ محمد جمعة، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

في بداية الملتقى، أوضح الدكتور/ حسن القصبي، أن رحمة النبي ﷺ ورأفته في كل أفعاله وأقواله، هي التي فتحت قلوب الناس لهذا الدِّين، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، هذه الآية تُبين أن الرحمة ليست مجرد صفة عابرة، بل هي جوهر الدعوة النبوية؛ لأنها مفتاح القلوب، وسر الألفة والمودة بين الناس، ويجب علينا أن نقتدي بهذا الخُلق النبوي في حياتنا، فالرحمة هي التي تزيل الحواجز، وتُذيب الخلافات، وتجعل المجتمعات أكثر تماسكًا، وعلينا أن ندرك جيدًا أن الرحمة ليست مجرد شعور، بل هي سلوك ينعكس في تعاملاتنا مع أُسرنا، وجيراننا، وجميع من حولنا، فإذا ما غلبنا خُلق الرحمة تفتح القلوب، وتزداد المودة، وتنتشر السكينة بين الناس؛ مما يعزز الترابط، ويجعلنا أمة متماسكة مترابطة.

وأشار الدكتور/ حسن القصبي، إلى أن فتح مكة يقدم دروسًا للمسلمين، فمن أبرز تلك الدروس أن من ينقض عهدًا قد قطعه؛ يكون قد ارتكب خيانة ومكرًا، وهو ما يستوجب الحذر التام ممن يتعاملون بهذه الأخلاق؛ لهذا كان تحرك النبي ﷺ تجاه تصرف قريش بنقض عهدهم "صلح الحديبية" أمرًا حتميًّا لرَدِّ الظالم عن ظلمه، ومن الدروس الأخرى التي نتعلمها من فتح مكة، هو حظر الشائعات، ووأد الفتن في مهدها، يتجلى ذلك بوضوح في موقف النبي ﷺ الحكيم تجاه مقولة سعد بن عبادة عند دخول مكة، حين قال: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحل فيه الكعبة"، فردَّ عليه النبي ﷺ بحكمة بالغة: "كذبتَ يا سعد، هذا يوم المرحمة، هذا يوم تُعظَّم فيه الكعبة"، بل وأرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليلحق بسعد ويأخذ الراية منه؛ ليكون دخول مكة سلميًّا، فموقف النبي ﷺ هذا كان حائلًا بين انتشار الشائعات، التي يمكن أن تؤدي إلى الفتنة وسفك الدماء.

وأضاف أستاذ الحديث وعلومه، أن الرحمة التي قابل بها النبي ﷺ قريشًا عند فتح مكة هي أعظم الدروس الإنسانية، وهي التي تجعلنا نطلق على فتح مكة فتح الأخلاق، فعلى الرغم من كل ما لاقاه النبي ﷺ وأصحابه من قريش من إخراج من ديارهم وظلم واضطهاد على مدار سنوات طويلة، فإن خُلُق النبي ﷺ العظيم تجلى في أبهى صوره يوم الفتح، فعندما دخل مكة منتصرًا، جمع قادة قريش الذين كانوا أشد أعدائه، وسألهم: "ما ترون أني فاعل بكم؟"، فردُّوا: "خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم"، فقال ﷺ كلمته الخالدة التي أذهلت العالم: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء"، هذا العفو الشامل لم يكن مجرد تسامح، بل كان درسًا عمليًّا في القوة التي تتحلى بالرحمة، والقدرة التي تقابل بالإحسان؛ مما أثر في قلوب أهل مكة، ودفعهم إلى الدخول في الإسلام أفواجًا. هذا الدرس يعلمنا أن القوة الحقيقية تكمن في ضبط النفس، وأن النصر لا يعني الانتقام، بل هو فرصة لإرساء قيم العدل والرحمة.

من جانبه، أكد الدكتور/ أسامة مهدي، أن النبي ﷺ كان مثالًا للرحمة الكاملة، كما تجلى هذا في قول الحق -سبحانه وتعالى- في وصفه للنبي ﷺ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. كما أن هذه الرحمة النبوية ظهرت بوضوح في موقف الطائف، فحين شُجَّ رأسه الشريف، وكسرت رَباعيته؛ رفض الدعاء على المشركين، قائلًا: "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة"، ونراها في كل مواقف للنبي ﷺ حتى في تعامله الأبوي؛ فعندما رأى الأقرعُ بن حابس النبيَّ ﷺ يُقبِّل الحسن والحسين، قال متعجبًا: "إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحدًا"، ليرد عليه النبي ﷺ مؤكدًا أهمية الرحمة الأسرية: "من لا يَرحَم لا يُرحَم"، وفي هذه المواقف تجسيد أن خُلق الرحمة دعامة أساسية للمودة والسكينة في الأسرة والمجتمع ككل.

وأكد الدكتور/ أسامة مهدي، أن الرحمة تَجلَّت كخُلق عظيم في دعوة الأنبياء والمرسلين أجمعين، يتضح هذا جليًّا في مواقف عظيمة سطَّرها التاريخ؛ فنجد سيدنا يوسف -عليه السلام- عندما قال له الملك: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}، لم يتردد سيدنا يوسف -عليه وعلى نبينا السلام- في استخدام علمه وحكمته في إدارة شئون مصر الاقتصادية، فأغاث الناس من الجفاف والمجاعة، مُظهرًا أقصى درجات الرحمة بهم وببلادهم. هذا الموقف يتوازى مع موقف سيدنا محمد ﷺ يوم فتح مكة؛ حيث وقف شامخًا وقال لأهل مكة الذين طالما آذوه وحاربوه: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء". هذان الموقفان الخالدان يؤكدان أن الرحمة جوهر رسالات الأنبياء، ودليل ساطع على عظمة أخلاقهم التي تدعو إلى التسامح والعطاء.

وفي السياق ذاته، قال الإعلامي/ محمد جمعة: إن النبي ﷺ يفيض رحمة في خُلُقه وسلوكه، ولم يكن ليتحمل أعباء الدعوة وتبليغ الرسالة إلا لرحمته الفياضة التي شملت الجميع، هذا المعنى الذي جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}. هذه الآية الكريمة تبين مدى حرص النبي ﷺ على أمَّته وشفقته عليها؛ مما يجعله القدوة لنا في إرساء دعائم مجتمع مبني على الرحمة والتراحم، مؤكدًا أننا في أمسِّ الحاجة لتطبيق خُلُق الرحمة في واقعنا المعاصر، مستلهمين ذلك من سيرة النبي ﷺ الذي جسَّد هذا الخُلُق العظيم في كل موقف من مواقفه؛ لأنه لا يمكن لحياتنا أن تستقر أو تزدهر دون ترسيخ هذه المعاني السامية في جوانبها كافة؛ في الأسرة، في العمل، في الشارع، وفي كل تعاملاتنا اليومية؛ لأن الرحمة ليست مجرد صفة، بل هي دليل على رقة القلب ورأفته.

يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف؛ بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وتسليط الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته، وكيف كان يتعامل مع الناس، ويُدبِّر شئون الأمة؛ للوقوف على هذه المعاني الشريفة؛ لنستفيد بها في حياتنا.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم