الجامع الأزهر


تفاصيل الخبر

الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: الأسرة هي الحصن الأخير الذي يحفظ وجود المسلمين وبقاءهم بين الأمم

  • | الثلاثاء, 19 أغسطس, 2025
الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: الأسرة هي الحصن الأخير الذي يحفظ وجود المسلمين وبقاءهم بين الأمم

د/ عبد الله النجار: الله خَلَقَ الزوجين من نفس واحدة.. وجعل بينهما قرابة جامعة تتقدم أحيانًا على قرابات النسب

د/ علي مهدي: انهيار الأسرة بسبب التفريط في أحكام الشرع.. يفرز أزمات اجتماعية خطيرة

عقد الجامع الأزهر، أمس الإثنين، حلقةً جديدة من «الملتقى الفقهي بين الشرع والطب» في نسخته التاسعة والعشرين، تحت عنوان: «حقوق الزوجية.. رؤية فقهية»، وذلك ضمن جهود الأزهر الشريف لتعميق الفهم الصحيح لقضايا الأسرة والمجتمع.

وشارك في الملتقى: الأستاذ الدكتور/ عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والأستاذ الدكتور/ علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، وأمين سر هيئة كبار العلماء. فيما أدار اللقاء الدكتور/ مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر.

وخلال اللقاء، أكَّد الأستاذ الدكتور/ عبد الله النجار، أن رياح الخطر بدأت تهب على الأسرة، مؤكدًا أن الأسرة هي الحصن الأخير الذي يحفظ وجود المسلمين وبقاءهم بين الأمم، مضيفًا أن الأسرة وحدها هي التي تحفظ الهُوية والدين، وأنه بعد أن خُتمت الرسالات بخاتم النبيين ﷺ، وأُنزِل الكتاب الخاتم؛ باتت الأسرة وسيلة مهمة وأساسية لنقل الدِّين ومبادئ القرآن الكريم عبر الأجيال.

وأوضح الدكتور/ عبد الله النجار، أن خطأ الناس الكبير يكمن في استهانتهم بشئون الأسرة، وتعاملهم مع خلافاتها على أنها أمور عارضة أو هوى عابر، مؤكدًا أن ما يحدث من تنازع بين الزوجين قد يتحوَّل إلى كيد متبادل يهدم الأسرة من داخلها، بينما الصبر في هذه اللحظات يُعدُّ من أرقى أنواع المعاملة بين الزوجين، فالأسرة هي الأداة التي تحفظ الدِّين وتقيمه.

وتابع الدكتور/ النجار، حديثه مؤكدًا أن الله تعالى أنعم على الإنسان بنعمتين: نعمة بقاء النفس، ونعمة بقاء النوع، فالناس يُقبلون على حفظ أنفسهم بالغذاء والدواء والرياضة، ويجب أن يُقبلوا كذلك على حفظ النوع؛ أي: استمرار الأجيال، وهو ما لا يتحقق إلا بالزواج، مشيرًا إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، وهذا النص الكريم يدل على أن الزوجين خُلقا من نَفْس واحدة، وأن بينهما قرابة من نوع خاص، ليس فيها درجات، بل هي درجة واحدة جامعة، تُقدَّم في كثير من الأحيان على قرابات النسب، مع التأكيد على أداء جميع الحقوق لأصحابها دون تفريط في أي جانب.

من جانبه، أكَّد الأستاذ الدكتور/ علي مهدي، أن عقد الزواج يتميز عن سائر العقود في الفقه الإسلامي؛ لأنه مبني على المكارمة لا على المكايسة، وعلى المودة لا على المغابنة، مشيرًا إلى أن الفقهاء أدركوا مقاصد هذا العقد؛ فجعلوه في مرتبة متميزة، وأضاف: «في عقود البيع مثلًا، إذا لم يُذكر الثمن كان العقد باطلًا. أما في الزواج، فلو لم يُذكر المهر صح العقد، ويُفرض مهر المثل؛ لأن المقصود الأسمى فيه هو التراضي، لا المقايضة».

وأوضح الدكتور/ علي المهدي، أن اتصال النفس بالنفس الغاية الأسمى من الزواج، وأن الشريعة جعلت العلاقة بين الزوجين قائمة على التوازن والعدل، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وهي عبارة جامعة لكل الحقوق والواجبات المتبادلة، مشيرًا إلى أن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ؛ لما يترتب عليه من آثار تمسُّ المجتمع في صميم تماسكه، مبينًا أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج في جميع الأحوال، ولو كانت غنية؛ لأنها جزء أساسي من تحقيق القوامة؛ كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.

وحذَّر الدكتور/ مهدي من أن انهيار الأسرة بسبب التفريط في هذه الأحكام يفرز أزمات اجتماعية خطيرة، يكون ضحاياها الأبناء أولًا، مشيرًا إلى أن الشارع الحكيم لم يترك الناس لأهوائهم، بل أرسى أحكامًا واضحة تحفظ العلاقة الزوجية من الانهيار، ودعا إلى الاقتداء ببيت النبي ﷺ قائلًا: «النبي ﷺ لم يعِش في بيت خيالي، بل واجه المشكلات وحلَّها بالحكمة، وكان لا يطلب من نسائه الكمال، ولم تكن أمهات المؤمنين بلا أخطاء، لكن العلاقة كانت تقوم على الرضا والتسامح، لا على المبالغة في التوقعات».

وفي ختام الملتقى، أكَّد الدكتور/ مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر، أن الحديث عن "حقوق الزوجية" هو حديث عن ركيزة أساسية من ركائز المجتمع، وهي الأسرة التي يتربى فيها الفرد ويترعرع؛ فينشأ إمَّا شابًّا صالحًا نافعًا لمجتمعه، وإما نقيض ذلك إذا غابت الحقوق وتَفكَّكت المسئوليات، مضيفًا أن الزواج وإن كان فطرة وضرورة إنسانية، فإن الله -عزَّ وجل- جعله شريعة وسُنَّة، وسمَّاه {مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وهو ما يستدعي معرفة الحقوق والواجبات قبل الإقدام عليه، مشيرًا إلى أن قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ لا يُفهم منفصلًا عن قوله: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وهو ما سعى الملتقى لتوضيحه وبيانه بميزان العلم والشرع.

 

طباعة
الأبواب: الرئيسية
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم