الجامع الأزهر يوضح الرؤية الشرعية والطبية لقضية الرضاعة بملتقاه الفقهي
د. علي مهدي: التشريع الإسلامي جاء لتحقيق مصالح العباد مع مراعاة التوازن النفسي والبدني والصحي
د. محمود صديق: الرضاعة الطبيعية فطرة إلهية .. ولا يوجد بديل طبي آمن على الطفل كلبن الأم
د. هاني عودة: الإسلام عني بالإنسان وراعى حقوقه حتى قبل أن يأتي إلى الحياة
د عبد المنعم فؤاد: الملتقى يُعدّ منصة مهمة لتعميق التعاون بين الفقهاء والأطباء
عقد الجامع الأزهر، حلقة جديدة من ملتقاه الفقهي: "رؤية معاصرة"، بعنوان: "الرضاعة بين الشرع والطب"، وذلك لتوضيح المنظور الشرعي الذي يحدد المبادئ الإسلامية حول الرضاعة، والمنظور الطبي الذي يستعرض الجوانب الصحية والعلمية المتعلقة بها، لتقديم رؤى متكاملة تواكب احتياجات المجتمع المعاصر، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وحاضر في الحلقة الثالثة من الملتقى كل من: الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر ، وأدار الحوار، د. هاني عودة عواد، مدير عام الجامع الأزهر.
وخلال اللقاء، قال الدكتور علي مهدي: إن التشريع الإسلامي جاء لتحقيق مصالح العباد، مع مراعاة التوازن النفسي والبدني والصحي، حتى تتحقق الغاية الطيبة التي أرادها الله عز وجل، فقد اهتم التشريع الإسلامي بالإنسان في جوانبه الصحية والبدنية والنفسية، مما يشجع على بناء الثقة بالنفس ويعزز التوازن النفسي والبدني.
وعرّف الدكتور علي مهدي، الرضاع بأنه وصول لبن امرأة آدمية إلى جوف الطفل، في مدة الرضاع، حيث تتكون المناعة الطبيعية عند الطفل، وقد غلّب الشرع مصلحة الطفل وحقه في الرضاع والاستفادة من حليب أمه، مشيرًا إلى الربط بين قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، وبين قوله تعالى : {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ}، فقد رصد القرآن الكريم المدة الطبيعية للرضاع وهي (حولين كاملين)، فتتكون في هذه المدة العناصر الأساسية لاستفادة الطفل من لبن الأم، وبعدها يعتاد الأكل وتقل حاجته للرضاع، وبالتالي تكون الأولوية القصوى هي مراعاة مصلحة الطفل، وفي حال الاختلاف على مدة الفطام، تُقدم مصلحة الطفل، أما إذا اتفقا على مدة الفطام، فتُغَلب مصلحة الأسرة حينئذ.
وأضاف: وفي قوله تعالى: {لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ }، يتضح أنه لا يحل شرعًا للرجل أن يلحق الضرر بزوجته إذا رغبت في الرضاعة، فالتواصل بين الأم وطفلها ضروري، وإذا كانت الأم قادرة على الرضاعة وتمتنع عن ذلك نكاية في زوجها، فإن الله سبحانه وتعالى ينهاها عن ذلك، لأن مصلحة الطفل هي المصلحة المغلّبة، ولهذا اتفق الفقهاء على أنه يجب على المرأة أي الأم الحقيقية أن ترضع طفلها، ولكن إذا وقع نزاع أو كان هناك عذر من سفر أو مرض فلا مانع من أن ترضعه امرأة أخرى، قال تعالى: {وإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ}.
فطرة إلهية
في السياق ذاته، أكد الدكتور محمود صديق، أن الرضاعة ليست ظاهرة حديثة، بل كانت موجودة في الحضارات والثقافات القديمة وسجلت على جدران معابدها، موضحًا أن الرضاعة الطبيعية تُعتبر فطرة إلهية، ولا يوجد بديل طبي للبن الأم، حيث لا تستطيع أية صناعة مهما كانت متطورة أن تنتج لبنًا مماثلًا، مشيرًا إلى أن لبن الأم يكفي احتياجات الطفل خلال الأشهر الستة الأولى من حياته، وأن الأطباء قد يوصون أحيانًا بفصل الرضاعة قبل إتمام العامين إذا لاحظوا علامات الهزال على الطفل.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الطفل يبدأ في التعلق بأمه منذ فترة الحمل، مما يجعل هذا الرابط قويًّا، مشيرًا إلى تكريم الأم في القرآن الكريم، حيث ذكر الله تعالى الوصية بالوالدين، وكذلك في الحديث النبوي الذي يبرز مكانة الأم، مؤكدًا أن لبن الأم يحتوي على جميع العناصر الغذائية اللازمة للطفل خلال الأشهر الستة الأولى، وأن حرمان الطفل من هذا اللبن قد يؤدي إلى مشكلات نفسية ومناعية.
وأشار إلى أن عدم الرضاعة قد يعرض الأم لبعض الأمراض مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم، داعيًا إلى عدم الانسياق وراء الشائعات حول تأثير الرضاعة الطبيعية على شكل المرأة، معتبرًا ذلك وساوس من الشيطان، مشددًا على أن بنوك الألبان تضر المجتمع من خلال اختلاط الأنساب، محذرًا من استخدام الأدوية التي تعزز إدرار اللبن، حيث إن ذلك قد يؤثر سلبًا على هرمونات المرأة.
حقوق الطفل في الإسلام
من جانبه، أوضح د. هاني عودة، أن الإسلام عني بالإنسان وراعى حقوقه حتى قبل أن يأتي إلى الحياة، فوضع له الشرائع وسن له القوانين التي تكفل تلك الحقوق ليكون نافعًا في وطنه ومجتمعه، ومن أهمها حقه في الرضاع وحقه في أن يحسن الزوج اختيار الأم، وأن يحسن اختيار اسمه، وأن يقوم بتعليمه التعليم الجيد، وأن يستمتع بنسبه.
وخلال كلمته بالملتقى، وجه مدير الجامع الأزهر بعض الرسائل المتعلقة بالرضاع، ومن أهمها حصول التوافق بين الأبوين، فالطفل ليس مجالًا لتصفية الحسابات بين الزوجين حال النزاع، لكن له كل الحق في الرضاعة الطبيعية والحضانة لينشأ في بيئة آمنة ومستقرة في هذه الحياة، وحتى يكون فردًا فاعلًا في المجتمع، فمصلحة الطفل تأتي قبل أي شيء.
وعدّد مدير عام الجامع الأزهر، الفوائد الجمة للرضاعة الطبيعية، حيث إنها تحمي الطفل من الأمراض التي تطرأ عليه جراء عدم رضاعته رضاعة طبيعية، وأيضًا لها مميزات على الأم المرضعة، وهي تعد وسيلة من وسائل منع الحمل في فترة الرضاعة، كما أن لها تأثيرًا نفسيًّا كبيرًا، حيث تحمي الأم من الاكتئاب، فالرضيع يتعلق عاطفيًّا بمرضعته وهذا ينعكس إيجابيًّا على الطفل، كما أنها تنظم سلوكه وسلوك الأم معه.
تعميق التعاون بين الفقه والطب
من جهته، أكد د. عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة الأزهرية، أن الملتقى يُعدّ منصة مهمة لتعميق التعاون بين الفقهاء والأطباء، ويعكس جهود الأزهر في تقديم حلول متكاملة تتماشى مع الدين الإسلامي وتحديات العصر، مشيرًا إلى أن هذا الملتقى يأتي ضمن سلسلة من الفعاليات التي تهدف إلى نشر الوعي العام حول القضايا المعاصرة.
وأشار إلى أن الملتقى يعد خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية القضايا الفقهية والطبية، مؤكدًا على ضرورة بناء مجتمع واعٍ بأهمية الحفاظ على قيم الشريعة في ضوء التطورات الطبية، مضيفًا: يُعتبر الرضاع أحد الحقوق الأساسية للطفل في الإسلام، مشددًا على أهميته في تعزيز الروابط الأسرية وتوفير التغذية السليمة للرضيع، مما يعكس اهتمام الدين بصحة الطفل ونموه.