ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر.. وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية: علينا أن نتمثل بأخلاق النبي ﷺ لأن فيها جوامع الخير الإنساني
الدكتور/ أسامة مهدي: علينا أن نتعلم من سيرة النبي ﷺ وأن نقتفي آثار صحابته الكرام؛ لأن مجتمعاتنا في أمسِّ الحاجة إلى هذه الأخلاق
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، ملتقى السيرة النبوية الأسبوعي، تحت عنوان: «بدء الوحي والسابقين الأولين»، بمشاركة: أ.د/ حسن القصبي، وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وأ.د/ أسامة مهدي، أستاذ الحديث، بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأدار اللقاء الشيخ/ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، وبحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى من رواد الجامع الأزهر.
وفي بداية اللقاء، قال الدكتور/ حسن القصبي، وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة: إن من فضل الله على البشر أن أرسل إليهم رسلًا ليُعْلِموهم بالأوامر الربانية، ويبينوا لهم ما ينفعهم وما يضرهم؛ ولهذا كان هناك اتصال بين السماء والأرض عن طريق الوحي، وكانت بداية الوحي للنبي ﷺ في سن الأربعين، وفي هذا يشير العلماء إلى أن هذا الأمر يُعدُّ دلالة على أن سِنَّ الأربعين هو بداية النضج الإنساني وقمة الإدراك، وقد سبق الوحي بعض الإرهاصات التي حدثت للنبي ﷺ، ومنها ما أشار إليها النبي ﷺ عندما قال: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليَّ ويقول: السلام عليك يا نبي الله؛ كما ورد في رواية (قبل أن أبعث)".
وأوضح الدكتور/ حسن القصبي، أن النبي ﷺ قبل أن ينزل عليه الوحي كان يعبد ربه بالتفكر والتدبر والتأمل في الكون، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعونا إلى التفكر والتدبر {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}، وهناك الكثير من العقول التي نجت بفضل هذه العبادة؛ ففي غزوة الخندق عندما سعى المشركون لحصار النبي ﷺ ومن معه، كان هناك رجل يسمى "نُعيم بن مسعود" من قبيلة غطفان، وكان ضمن من حاصر النبي ﷺ في خيمته، وبينما هو جالس أخذ يفكر: ما السبب؟ وما الداعي في حصار هذا الرجل -يقصد النبي ﷺ -الذي لم يضر أحدًا؟ ثم قام نعيم وانصرف، فأنجته هذه اللحظة وكانت له حجة، بفضل إعمال عقله. والقرآن الكريم يبين أن من بين أوصاف أهل النار ما ورد في الآية الكريمة: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، دليل على أن التفكير والتدبر والنظر بتمعن ينجي صاحبه من الهلاك في الدنيا والآخرة.
وأضاف وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية ، أنه عندما نزل سيدنا جبريل عليه السلام لأول مرة وقال النبي ﷺ: "فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ"؛ ليرد على من يظن أن الوحي كان مجرد خيال أو رؤية منامية حدثت للنبي ﷺ، لكنها كانت رؤية حقيقية، والنبي ﷺ في كامل استيقاظه وفي قمة تركيزه، وقال النبي ﷺ: "ما أنا بقارئ"، رد طبيعي من النبي ﷺ؛ لأنه لم يكن قد تعلم القراءة ، وعندما عاد النبي ﷺ إلى منزله، كانت السيدة خديجة بمثابة طبيبة لفزع النبي ﷺ وخوفه، وجرى على لسانها قول بمثابة قانون وحكمة عظيمة "فوالله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق". وهذا دليل على أن هذه الأخلاق منجاة من الخوف والقلق، وعلينا جميعًا أن نتمثل بهذه الأخلاق الخمسة؛ لأنها جوامع الخير الإنساني التي يجب التحلي بها؛ لأنها أخلاق نبينا ﷺ، مُبينًا أن بداية نزول الوحي على النبي ﷺ يعلمنا الحكمة والتفكر والتدبر في ملكوت الله، وأن نكون في معية الله سبحانه وتعالى.
من جانبه، أكد الدكتور/ أسامة مهدي، أستاذ الحديث، أن التوحيد تظهر تجلياته على فكر الإنسان، وتنعكس آثاره على تصرفاته وسلوكه في شتى شئون الحياة، وهو ما ظهر بكل جلاء ووضوح في الصحابة السابقين رضوان الله عليهم؛ فكانوا يراعون الله في كل شيء في حياتهم، وهو دليل على إيمانهم الصادق، وصدقهم مع الله سبحانه وتعالى، فكان كل شيء صغير في أعينهم إلا رضا الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نتعلم من سيرتهم، وأن نقتفي آثارهم في حياتنا في كل شيء؛ لأن مجتمعاتنا في أمسِّ الحاجة إلى هذه الأخلاق.
وذكر الدكتور/ أسامة مهدي، أستاذ الحديث، أن ابن إسحاق بيَّن في سيرته -وهي السيرة الكاملة لشخصية الإنسان الكامل سيدنا محمد ﷺ- أن أول من سبق إلى الإسلام مع النبي ﷺ (40) شخصًا، وكان أول من سبق من الرجال سيدنا أبو بكر، وعلى يديه أسلم العشرة المبشرون بالجنة عدا سيدنا عمر بن الخطاب، وأول من آمن من النساء أم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها، ربطت على قلب النبي ﷺ، جعلت النبي ﷺ يطمئن ويهدأ، وعندما نستشعر حديث النبي ﷺ "أبو بكرٍ في الجنَّةِ، وعمرُ في الجنَّةِ، وعليٌّ في الجنَّةِ، وعثمانُ في الجنَّةِ ، وطَلحةُ في الجنَّةِ ، والزُّبَيرُ بنُ العوَّامِ في الجنَّةِ ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ في الجنَّةِ ، وسَعيدُ بنُ زيدِ بنِ عمرو بنِ نُفَيلٍ في الجنَّةِ ، وأبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ"، لقد تحمل هؤلاء الرجال الكثير من أَجْل إيمانهم بالله وصدقهم مع رسول الله ﷺ؛ لذلك كان جزاؤهم الجنة، وكانت لهم هذه المكانة العظيمة في الدنيا والآخرة؛ بفضل صدقهم مع الله ورسوله ﷺ، وعلينا أن نتأسى بهم في حياتنا، وأن نتعلم من مواقفهم المشرفة.
وفي السياق ذاته، أوضح الشيخ/ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، أن بداية الوحي مع النبي ﷺ، كانت فيها شدة، كما كانت هناك الكثير من الشدائد طوال بعثته، لكن إيمان صحابة رسول الله ﷺ ويقينهم بأنهم على الحق، جعلهم يبنون أمَّة لم يكن لها مثيل من قبل، ورغم أن هناك بعض الصحابة كان يعيش حياة مترفة قبل الإسلام، لكن يقينهم جعلهم يزهدون في ذلك كله، وتحملوا المشاق من أجل إيمانهم ويقينهم بأنهم على الحق؛ لهذا كانت لهم إسهامات جليلة في الإسلام رغم صغر سنِّهم، وعلى شبابنا اليوم أن يقتدوا بصحابة رسول الله ﷺ الذين قامت على أيديهم هذه الأمَّة.
يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى تسليط الضوء على حياة النبي محمد ﷺ، والمعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته، وكيف كان يتعامل مع الناس، وكيف كان يدبر شئون الأمة؛ للوقوف على هذه المعاني الشريفة؛ لنستفيد بها في حياتنا.