ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: مشاهد الانصراف عن منهج الله باتت ظاهرة بين بعض الشباب
نهضة الأمم وعمارة الأرض لا تقوم إلا بسواعد الشباب
حياة الرسول شاهدة على أهمية الجمع بين عزيمة الشباب وحكمة الشيوخ
عقد الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، ندوة جديدة من ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: «من وصايا القرآن لشباب الأمَّة»، بحضور الأستاذ الدكتور/ محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي، والأستاذ الدكتور/ عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين الأسبق، وأدار اللقاء الدكتور/ علاء عرابي، المذيع بإذاعة القرآن الكريم.
وخلال اللقاء، أكد الأستاذ الدكتور/ محمد عبد المالك، أن الحديث عن عناية القرآن الكريم بالشباب يحتل مكانة بالغة الأهمية، خاصة في ظل ما يتعرض له الشباب اليوم من محاولات مُنظَّمة لتغييبهم وتشكيكهم في عقيدتهم ودِينهم، مشيرًا إلى أن مشاهد الانصراف عن منهج الله باتت ظاهرة بين بعض الشباب؛ حيث يحاول بعضهم التماهي مع الثقافات الغربية، وارتداء ثياب ليست من بيئتهم، وهو ما يعكس خطورة المرحلة، ويدعو إلى مزيد من التركيز على هذه القضية الحيوية.
وأضاف أن الشباب يمثلون في جسد الأمَّة قوتها الدافعة، وشمسها الساطعة، وهم الدم الحار الذي يتدفق في عروقها؛ فيمدُّها بالحياة والقوة، مبينًا أن الشباب هم اللبنات الغالية التي يرتكز عليها بناء المجتمع، وبقدر ما يُبذل في تقويمهم وتهذيبهم، تنال الأمة عزتها وكرامتها، وبقدر ما يُهملون، تتمكن منهم وسائل الانحراف والتحلل؛ فتجني الأمَّة حينها ثمار التخلف والضعف.
وفي معرض حديثه، استشهد الدكتور/ عبد المالك، بما رُوي عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حين أرسل إلى الأحنف بن قيس وسأله: «يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟»، فأجابه الأحنف قائلًا: «يا أمير المؤمنين، هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلةٌ، وسماءٌ ظليلةٌ، وبهم نصول على كل جليلة. فإن طلبوا؛ فأعطهم، وإن غضبوا؛ فارضهم، يمنحوك ودَّهم، ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلًا؛ فيملُّوا حياتك، ويَودُّوا وفاتك، ويكرهوا قربك»، مشيرًا إلى ما تحمله هذه الكلمات من حكمة دقيقة في فهم طبيعة الشباب وضرورة احتوائهم.
من جانبه، قال الأستاذ الدكتور/ عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين الأسبق: إن وصايا القرآن الكريم بالشباب تتجلَّى لكل ذي عينين، فمَن يستقرئ آيات الكتاب العزيز بتأمُّلٍ صادقٍ وإدراكٍ واعٍ، يدرك حجم العناية الإلهية البالغة بهذه الفئة المهمَّة؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم أن نهضة الأمم وعمارة الأرض لا تقوم إلا بسواعد الشباب، وإن كانت هذه السواعد تحتاج دومًا إلى حكمة الشيوخ وخبرتهم ومشورتهم.
وأضاف أن الشباب لا يصيرون شبابًا نافعين إلا إذا نشأوا في حضن تربية رشيدة، ينهض بها الآباء والأجداد والمربُّون والمعلمون والمصلحون، فالكبار يملكون الرأي والحكمة، والصغار يملكون الطاقة والقوة، وإذا اجتمع الجناحان: جناح الحكمة وجناح الفتوة، نهضَ المجتمع. أما إذا فُقِد أحدُهما، اختلَّ التوازن، وأصبح الشباب طائشين لا يُقيمون وزنًا للرأي الرشيد.
وأشار الدكتور/ العواري إلى أن كثيرًا من الشباب ممن يجهلون سُنن الحياة، يظنون أنهم خُلقوا أقوياء من دون حاجة لأحد؛ فيُقدِمون على أفعالٍ متهوِّرة؛ فينقلب بأسهم وبالًا عليهم وعلى مجتمعاتهم، ويصير اندفاعهم طيشًا لا نفع فيه؛ ولهذا فإن الشباب الحق هو من يجمع بين قوة العزيمة، وحكمة الشيوخ، وقد رأينا هذا التوازن في كثيرٍ من مواقف القرآن الكريم، وسُنَّة النبي ﷺ القولية والعملية.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور/ علاء عرابي، أن إعداد الشباب يُعدُّ من أهم الأولويات في مواجهة التحديات التي تمر بها الأمَّة، مؤكدًا أن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي للتوجيه التربوي السليم، وأن غرس التوحيد والإيمان في نفوس الشباب هو الأساس الذي ينبني عليه بناء الأمَّة المستقرة.
كما شَدَّدَ على ضرورة تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة التي تهدف إلى تدمير هُويتهم الإسلامية، مؤكدًا أن العودة إلى تعاليم الشريعة الإسلامية هي السبيل الأمثل لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات العصر بكل ثقة وثبات.