الجامع الأزهر


العلوم الشرعية و العربية

ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: فريضة الحج تفردت من بين الفرائض بسورة قرآنية.. لما لها من خصوصية وشأن عظيم
Sameh Eledwy

ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: فريضة الحج تفردت من بين الفرائض بسورة قرآنية.. لما لها من خصوصية وشأن عظيم

سورة الحج تشعر قارئها بمشاهد هذه الفريضة.. وأهوال يوم القيامة في نسق تصويري يعمق الخشوع

عَقَدَ الجامع الأزهر، أمس الأحد، ملتقى التفسير الأسبوعي تحت عنوان: «أضواء على فريضة الحج من خلال سورة الحج»، وذلك بحضور: أ.د/ محمد سبتان، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأ.د/ مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بالكلية ذاتها، وأدار اللقاء د/ كمال نصر الدين، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

وفي مستهل اللقاء، أوضح الدكتور/ محمد سبتان، أن سورة الحج بدأت بمشهد رهيب من مشاهد القيامة، مُشيرًا إلى أن قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} يرسم لوحة مهيبة من الفزع والذهول، موضحًا دقة التعبير القرآني في قوله: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}؛ حيث إن استخدام صيغة «مرضعة» بتاء التأنيث، رغم أن الأصل في الأوصاف الخاصة بالنساء عدم إلحاق التاء، يحمل دلالة إعجازية فريدة.

وتابع الدكتور “سبتان”، أنَّ الأصل في اللغة ألا تُلحق تاء التأنيث بالأوصاف التي تختص بالنساء، مثل: «حائض» و«مُرْضِع»؛ لأن التأنيث فيهما بيِّن بطبيعتهما؛ فلا يُقال: «حائضة» ولا «مرضعَة». غير أن القرآن العظيم خالف هذا الأصل اللغوي في موضع مخصوص؛ فجاء بلفظ «مرضعة» بالتاء، لا ليخالف القاعدة، بل ليُبدع صورةً أبلغ وأشد وقعًا في النفس، وذلك من تمام بلاغته وإعجازه.

وبيَّن أن السر وراء إلحاق التاء في «مُرْضِعَة» راجعٌ إلى كون السياق يُصوِّر حالةً واقعيةً لحظة وقوعها، لا صفة عامة. فالآية تشير إلى مرضعة تمارس الفعل فعلًا؛ إذ التقم طفلُها ثديَها، وهي في ذروة اللحظة، ثم يطرأ الذهول بسبب زلزلة الساعة، فتُلقي وليدها رغم استحالته في غير هذا الموقف؛ فكان التعبير بـ«كل مرضعة» أبلغ وأشد وقعًا في التصوير من حيث استحضار الصورة الحسية بكل تفاصيلها.

من جانبه، أكد الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن سورة الحج تُعدُّ فريدة بين سور القرآن الكريم؛ إذ إنها السورة الوحيدة التي سُمِّيت باسم فريضة من فرائض الإسلام، دون غيرها من الصلوات أو الزكاة أو الصيام، مشيرًا إلى أن هذا التفرُّد يحمل دلالة عميقة على خصوصية هذه الشعيرة وعِظَم شأنه، وأن عنوان «سورة الحج» يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمضمونها القائم على استعراض المشاهد العظيمة التي يعيشها الحاج، والتي تُشكِّل في حقيقتها مرآةً لمشاهد يوم القيامة.

وأشار الدكتور “عبد الغفار”، إلى تطابق عدد من المشاهد بين الحج والآخرة، كالإفاضة من عرفات بما فيها من حَرٍّ وزحامٍ ووقوف، ومشهد ارتداء الإحرام الذي يُجرِّد الإنسان من زينته، مُشبِّهًا إياه بموقف العرض يوم القيامة؛ حيث يُبعث الناس حفاةً عراةً. كما استشهد بقول الله تعالى في سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، لافتًا إلى أن تراب المشاعر المقدسة يُذكِّر المسلم بأصله ونشأته، وأن كل خطوة يخطوها الحاج تُعيده إلى حقيقة الوجود وتُقرِّبه من مشهد اللقاء العظيم بين يدي الله.

كما دعا إلى تخصيص وردٍ يوميٍّ من التدبر في سورة الحج خلال هذه الأيام المباركة، وخاصة في أوائل شهر ذي الحِجَّة، قائلًا: «اقرأ هذه السورة وتأمَّلها؛ فإنَّك إن لم تكن حاجًّا، فإنَّك بتدبُّرك لهذه الآيات كأنك تحجُّ بقلبك»، مُبيِّنًا أن السورة تبدأ بمشهد من أعظم مشاهد يوم القيامة، وتتوالى فيها المشاهد التي تجمع بين أهوال البعث والنشور، وبين شعائر الحج ومظاهره، في نسقٍ تصويري يُعمِّق الشعور بالخشوع والانكسار لله.

وفي السياق ذاته، أشار الدكتور/ كمال نصر الدين، إلى أن سورة الحج، وهي سورة مدنية عدد آياتها (78) آية، قد اشتملت على ألوانٍ متنوّعة من الهدايات الربانية؛ فتحدَّثت عن مناسك الحج وما يترتب عليها من دروس نافعة للمسلمين في كل زمانٍ ومكان، مضيفًا أن العاقل ليحتار من أي جهة يتناول هذه السورة الكريمة؛ فقد جمعت في طيَّاتها دروسًا تعبُّدية، واعتقادية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية، وتربوية، مؤكدًا أن الحج –بحقٍ– مدرسة كبرى، مَنْ تَخرَّج فيها صادقًا مخلصًا، خرج بشهادة الفوز والنجاح والنجاة في الدنيا والآخرة.

الموضوع السابق ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: القيادة النبوية جمعت بين الحكمة والمبادرة.. والتخطيط والتوكل
الموضوع التالي الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يوضح المفهوم الشامل لتعظيم شعائر الله
طباعة
140 Rate this article:
لا يوجد تقييم