خطيب الجامع الأزهر: الحضارة الإسلامية حوربت من خلال تشكيك المسلمين في تراثهم العريق
*المجتمعات المعاصرة تفخر بتراثها وتستثمره ولا تهمله أو تلغيه*
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، حيث دار موضوعها حول "الصراع بين الحق والباطل".
وقال الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، إن الصراع بين الحق والباطل ليس وليد اليوم، وإنما هو ممتد في عمق التاريخ، ونلاحظ بدايات هذا الصراع في الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم، فهنالك اعترض إبليس الرجيم على أمر الله، وادعى التفرد والتميز، وقال: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين»، وكانت هذه هي النقطة التي انطلقت منها شرارة الصراع بين الحق والباطل، عندما توعد إبليس أن يتربص بذرية آدم عليه السلام، وأن يبادرهم العداء مستخدما في ذلك حيله اللعينة وأعوانه من السفهاء، الذين أغواهم وجعلهم يبالغون في صراعهم، فخالفوا وحي السماء، وعاندوا الأنبياء، وكذبوا المرسلين، موضحا أن الصراع بين الحق والباطل اتخذ صورا متعددة، منها ما كان بين الأنبياء والمرسلين وبين مكذبيهم عبر التاريخ، كما قال الله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ».
وأشار الهواري، إلى أن الأنبياء عليهم السلام في سبيل دعواتهم، واجهوا الكثير من الأباطيل التي وصلت إلى حد التشكيك فيما جاءوا به من وحي السماء، والقرآن الكريم وضح لنا كيف أن رؤوس هذا الفريق كانوا يضعون العراقيل أمام الحق الذي هو عن الله، في سبيل توطين ملكهم الذي وصلوا إليه بخداع الناس، وما جنته الإنسانية من عناء وشقاء عبر تاريخها الطويل إلا من خلال انخداعها فيما صوره البعض من ادعاءات وشعارات خادعة، ومن صور صراع الحق والباطل ما يشهده واقعنا المر من حروب طاغية تستبيح المجتمعات وتنهب الشعوب بلا وازع من ضمير أو خلق أو قانون، ومن خلافات فكرية يصل التعصب فيها إلى حد استباحة الدماء، وغير ذلك من صور الصراع بين الحق والباطل.
وأوضح الهواري، أن الباطل دائما ما يحشد جنده من أجل محاربة الحق، ولا يأنف أن يستخدم أقذر الأسلحة في سبيل ذلك؛ فلا مبادئ ولا أخلاق في صراعهم ضد الحق، وبالنظر في زمانا نجدهم يلجؤون إلى تشويه صورة العلماء والرموز، والتشكيك فيما بين أيدهم من تراث الأمة وإنتاجها العلمي، الذي تكون نتيجة جهد الأفذاذ من الأجيال السابقة، ولم يقف الصراع عند هذا الحد، وإنما يعمدون إلى سلاح آخر وهو صد الناس عن تراثهم وعلمائهم من خلال ادعاءات بتراء وحجج عرجاء، لكنهم يغلفونها في صورة النصح والإرشاد، ليصدوا الناس عنه، مضيفا أنهم يعملون على إثارة الجدل داخل العقل الجمعي للمجتمع؛ لإصابته بالارتباك من أجل تمرير زيفهم.
وبين الهواري، أن التراث الإسلامي، زاخر بكل مقومات التقدم والتطور، التي كانت هي النواة الحقيقة للحضارة الإسلامية التي بلغت شأنا كبيرا بين الحضارات، وحوربت من خلال محاولات تشكيك المسلمين في تراثهم، الذي هو المنطلق الحقيقي للرقي والتحضر، مشيرا إلى أن المجتمعات المعاصرة تفخر بتراثها وتستثمر فيه، ولا تهمله أو تلغيه، بل تحاول بعض المجتمعات أن توجد لها تاريخا وتراثا ليدل على عراقتها.
وشدد خطيب الجامع الأزهر على خطورة إفساح المجال لهذه الدعوات الهدامة، التي تتنكر للتراث وتحاول أن تسقط الرموز والتي هي في الأصل مكائد تستهدف عقول الشباب لتعبث بها وتنتزع منها هويتها، وهذا هو أخطر ما تعرضت له الحضارة الإسلامية عبر تاريخها، كما أن انتشار الجدل في المجتمعات هو بمثابة إنذار بسقوطها.