الجامع الأزهر


رواق اللغة العربية للناطقين بغيرها

الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر.. الدكتور/ رمضان الصاوي: حب الوطن غريزة متأصلة.. ودفاع الأزهر عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة في حماية الأوطان
Amr Mahmoud
/ الأبواب: الرئيسية

الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر.. الدكتور/ رمضان الصاوي: حب الوطن غريزة متأصلة.. ودفاع الأزهر عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة في حماية الأوطان

الدكتور/ علي مهدي: الوطن يتجاوز مجرد البقعة الجغرافية التي يعيش عليها الإنسان. والفقه الإسلامي يُرسِّخ مكانته عبر الأحكام الشرعية

عَقَدَ الجامع الأزهر اليوم الإثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: "الدفاع عن الأوطان رؤية فقهية"، بحضور: أ.د/ رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، وأ.د/ علي مهدي، أستاذ بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الدكتور/ هاني عودة، مدير الجامع الأزهر.

وخلال اللقاء، أكد الدكتور/ رمضان الصاوي، أن الجامع الأزهر -في دفاعه عن قضايا الأمة- يجسد رمزية المسجد الذي أسسه رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ليكون منطلقًا للدفاع عن قضايا الأمة، والحوار حول مشكلاتها؛ لوضع حلول لها. فالإسلام جاء ليُكرِّم الإنسان ويرفع من شأنه، ولا يكون هذا التكريم دون أوطان آمنة ومستقرة. كما أن حب الوطن غريزة متأصلة في فطرة البشر جميعًا، وهو ما يظهره موقف رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا مكة المكرمة بكلمات تجسد أسمى معاني الحب والوفاء: "والله إنكِ لأحبُّ بلادِ اللهِ إليَّ، وأحبُّ بلادِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجتُ"، وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ظل يدعو إلى حب الأوطان، ويتجلى ذلك في دعائه: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ»، ولعظم مكانة الأوطان وقدسيتها عند الحق سبحانه وتعالى؛ أقسم بها في محكم كتابه، فقال عز وجل: {لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ}، فهذه الآية الكريمة تؤكد على المنزلة الرفيعة التي تحتلها الأوطان في ديننا الحنيف.

وبيَّن نائب رئيس جامعة الأزهر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعدُّ نموذجًا يُحتذى في حب الوطن والدفاع عنه، ويتجلى ذلك بوضوح في غزوة الخندق؛ حيث أمر صلى الله عليه وسلم بحفر خندق حول المدينة المنورة لحمايتها من الأعداء؛ مما يدل أيضًا على حرصه الشديد على أمن وطنه واستقراره. كما يتضح حبه العميق لوطنه الأصلي (مكة) ورغبته في وحدة وطنه وقوته لا الانتقام، وظهر ذلك من خلال تسامحه مع أهل مكة عند فتحها منتصرًا، مشيرًا إلى أن حماية الأوطان في وقت الحروب والأزمات تستلزم التضحية بالنفس، وبذل كل غالٍ ونفيس في سبيل حماية الوطن ومقدساته، مبينًا أن الدفاع عن الأوطان لا يقتصر على وقت الحروب والأزمات، بل يمتد ليشمل أوقات السِّلْم أيضًا، ففي وقت السِّلْم، يكون الدفاع عن الوطن من خلال إتقان العمل، وتحسين الصناعة، وتجويد وتنمية التجارة، وهو ما يعرف بمفهومنا المعاصر تنمية الأوطان؛ لئلا يكون وطنك أقل شأنًا من الأوطان الأخرى، وهذا المفهوم يؤكده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، ولا يقل أهمية عن ذلك التصدي للشائعات التي تهدف إلى زعزعة استقرار الوطن، والحفاظ على الممتلكات العامة والثروات الوطنية، فهي منفعة للأجيال الحالية والقادمة، ويكتمل هذا الدفاع بحُسن الخلق، الذي يعكس رُقي الوطن وحضارته عندما يكون المواطن ممثلًا له في الخارج.

من جانبه، أكد الدكتور/ على مهدي، أن الوطن يتجاوز كونه مجرد بقعة جغرافية نعيش عليها؛ لأنه النسيج الذي يُشكِّل طفولتنا وذكرياتنا، ويربطنا بعلاقاتنا وانتماءاتنا، هذا الارتباط والحب الوثيق للوطن يُشبِّهه المولى -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم بنزع الروح من الجسد، كما بَيَّنه في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، فقد ساوى المولى -سبحانه وتعالى- الخروج من الوطن بنزع الروح، وهذا التشابه يحمل دلالة قوية على عمق العلاقة بين الإنسان ووطنه، وأهمية الوطن في حياة الإنسان. والمتصفح للتاريخ الإسلامي يجده زاخرًا بالعديد من العلماء الذين عُرفوا بنسبتهم إلى أوطانهم، كالإمام السبكي، والإمام الرملي، والإمام القرطبي، والإمام البخاري، وغيرهم الكثير، جميعهم نُسبوا إلى أوطانهم. وهذا يدل دلالة واضحة على قيمة الوطن العظيمة، وأن الوطن لا يعوض، بل إن الصحابة الكرام لم يحوزوا منزلة المهاجرين العظيمة إلا بتركهم لأوطانهم، مبينًا أن حب الأوطان امتد ليشمل الأحكام الشرعية في الفقه الإسلامي، فقد رتَّبت الشريعة الإسلامية على الارتباط بالوطن أحكامًا شرعية مهمة، منها: إسقاط الجمعة عن المسافر، فبمجرد مغادرة الإنسان لوطنه، تلحقه مشقة كبيرة؛ لذلك أسقطت الشريعة عنه صلاة الجمعة تخفيفًا ورفعًا للحرج، ومن هذه الأحكام أيضًا عند إخراج زكاة المال، يستحب البدء بِبَنِي الوطن؛ لأنهم يرون هذا المال ويشاركون في ثمراته؛ فكان لهم حق فيه. وهذه الأحكام الشرعية تدل على أن علاقة الإنسان بوطنه علاقة سامية، وذات قيمة عظيمة في الإسلام.

وشَدَّدَ الدكتور/ علي مهدي، على أن حب الأوطان ليس مجرد كلمات رنانة تُلقى في الخُطَب، أو أبيات شعر تُنشَد في المناسبات والاحتفالات، بل إن حب الأوطان هو شعور أعمق وأقدس من ذلك بكثير؛ إنه تضحية حقيقية بالدم والمال وكل غالٍ ونفيس في سبيل رعاية حقوق وحرمات هذه الأوطان. كما أن هذه التضحية لا تعرف سقفًا ولا حدودًا؛ فالوطن الذي لا يُعظم الأمن والاستقرار فيه ولا يسود، ولا تُراعي فيه الحرمات، لا يشعر الإنسان بالأمان فيه؛ لأن الأمن يُعدُّ الركيزة الأساسية التي تقام عليها الشعائر، وتصان الحقوق، وتحفظ الحرمات؛ فلا يمكن لشيء من ذلك أن يتحقق لولا وجود وطن لديه أبناء يدفعون عنه أمام الأعداء، ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل رفعته.

وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور/ هاني عودة، أن نبينا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- قد غرس فينا حب الأوطان، وأمرنا بالدفاع عنها "من قُتل دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد"، ومن مات من المسلمين دفاعًا عن وطنه، فإنه مات يدافع عن جميع هذه الأمور أو دفاعًا عن بعضها؛ لذا فإن الدفاع عن الوطن فريضة شرعية تقتضي من كل منَّا أن يكون على وعي تام بالمخاطر والمؤامرات التي تُحاك ضد بلادنا، وحيث إن ربنا سبحانه وتعالى حذَّرنا من الفُرقة والنزاع، داعيًا إلى الوحدة والاصطفاف؛ فإننا من الجامع الأزهر نؤكد على أن الهُوية الإسلامية تقتضي الحفاظ على الأوطان والدفاع عنها؛ لهذا أدرك أعداء الإسلام منذ زمن بعيد أن إضعاف الأمة والقضاء عليها يكون بإحداث الفرقة والشقاق بين أبنائها؛ مما يسهل عليهم السيطرة على الأوطان والمقدرات؛ لذلك يجب على الأمة الإسلامية التمسك بوحدتها، وليعلم شباب الأمة أن الحفاظ على الأوطان ليس مجرد شعارات، بل هو مسئولية عظيمة وواجب ديني.

وحذَّر مدير الجامع الأزهر، الشباب من الانسياق وراء هذه الدعوات المضللة التي تسعى لاقتلاعهم من جذورهم الإسلامية، وتجردهم من تعاليم دينهم الحنيف؛ لأن الحرب الفكرية على الإسلام تستهدف بشكل أساسي شبابنا، من خلال زعزعة ثقتهم بدِينهم وقيمهم الأصيلة، من خلال محاولات تشويه القدوة الحسنة، ونشر التفاهات لإلهاء الشباب؛ مما يدفعهم نحو انتهاك المحرمات تحت ستار "الحريات المذمومة" التي لا تمت بصلة لمبادئنا الإسلامية؛ بهدف سلب أمتنا هُويتها الإسلامية الأصيلة، وإبعاد شبابنا عن المنهج القويم؛ كي يُسهل ذلك للأعداء السيطرة على مقدراتنا وبلادنا.

يُذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر. ويهدف الملتقى إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وَفقًا للشريعة.

 

الموضوع السابق الجامع الأزهر يُبرز الإعجاز العلمي للحديد في القرآن الكريم
الموضوع التالي ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يناقش كيفية جهاد النفس بعد الحج
طباعة
24 Rate this article:
لا يوجد تقييم