الموضوعات

11 أبريل, 2017

وكيل الأزهر يكتب.. الشريعة الإسلامية وفكر الجماعات المتطرفة

وكيل الأزهر يكتب.. الشريعة الإسلامية وفكر الجماعات المتطرفة

لقد سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيق الأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات، واتخذت في سبيل حفظ نفوسهم وأموالهم وأعراضهم عدة إجراءات تحفظية، وتدابير وقائية من شأنها أن تحفظ على المكلفين سلامتهم، وتحقق لهم عافيتهم التي يرجون.

وعلى الرغم من تعدد صور الإرهاب المعاصر واختلاف البواعث الحاملة عليه، وتفاوت آثاره باختلاف جرائمه، إلا أن الشريعة الإسلامية لم تتوان في حسم مادة شره، والحيلولة دون تفشي أضراره، سواء أكان هذا الإرهاب يمارسه فرد، أم تنظمه جماعة، أم تقوم به دولة.

وحديثنا هنا عن الجماعات الإرهابية التي انتهجت العنف وترويع الآمنين مسلكًا لتحقيق مآربها التي لا علاقة لها بالرسالات السماوية، ولا بالأعراف الوضعية التي يتبعها عموم البشر، مستغلين العاطفة الدينية للشباب المسلم خاصة، علهم يستميلونهم إلى صفوفهم لتكثير سوادهم وتقوية شوكتهم، حيث تسوق هذه الجماعات نفسها على أنها من المسلمين الذين يعملون لرفع راية الإسلام، ومقاومة طغيان الحكام، ليعم العدل وينعم المسلمون بخيرات بلادهم، دون تفرقة بين فئة وأخرى!

وحقيقة الأمر أن هذه الجماعات لا تنطلق من منطلقات دينية، ولا تسعى لخير الإنسانية كما تدعي، وحالهم بالنظر والتدقيق لا يخلو من أحد ثلاث فرق:

الفريق الأول: جماعات جاهلة بأحكام دينها، تلقت علمها على أيدي منتمين لتيارات متشددة تمسكت بظاهر النصوص دون فهم أو تدبر لما تحويه بواطنها، ودون ربط بينها وبين ما يقابلها من نصوص مخصصة لعمومها أو ناسخة لأحكامها، ومن هؤلاء جماعة التكفير والهجرة، وجماعة الجهاد، ومن على شاكلتهما. وهذا الفريق أخطر على الدين ممن ناصبوه العداء صراحة ورفضوا هديه مجاهرة.

الفريق الثاني: جماعات ذات توجهات سياسية تتخذ من الدين وسيلة للسيطرة على مقاليد الحكم؛ لنشر مبادئ وأفكار ترى أنه ينبغي على الجميع أن يعتنقوها؛ لأن ما سوى هذه المبادئ في نظرها يعد من غثاء السيل الذي يجب غض الطرف عنه، ومن هؤلاء ما يطلق عليهم جماعات الإسلام السياسي، ومن على شاكلتهما.

الفريق الثالث: بعض المرتزقة الذين استغلهم من يحملون عداء تاريخيا للإسلام والمسلمين، ولا يملون من محاولات السيطرة على ثروات المنطقة العربية تحديدا، مستخدمين في ذلك بعض المضللين وكذا الجشعين والعاطلين أو المهمشين في مجتمعاتهم، وذلك بتحقيق متطلباتهم التي هي في معظمها مالي واجتماعي في مقابل تنفيذ ما يؤمرون به، فهم أشبه بالدمى في أيدي هؤلاء الأعداء التاريخيين يحركونهم كيفما شاءوا، في تطور نوعي لسبل المواجهة بين هؤلاء الأعداء وبين دول المسلمين. وقد حمل هؤلاء الأعداء هذه الأذرع بأسلحة فكرية ومفاتيح فتن لا تقل خطورة عن أسلحتهم العسكرية، بل دربوها على استخدام تلك الأسلحة الفكرية تدريبا متقدما يوازي التدريب العسكري الأكثر تقدما. وفي مقدمة هذه الجماعات، بل هي الممثل الرسمي لهذا الفريق، تنظيم داعش الإرهابي الذي صنعه الغرب وزرعه في المنطقة العربية.

وهذا التنظيم الإرهابي المجرم (داعش) هو تنظيم مفسد في الأرض محارب لله ورسوله، ويصدق فيه قول ربنا عز وجل: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرضۚذٰلك لهم خزي في الدنياۖ ولهم في الآخرة عذاب عظيم». وأصل جريمة الإفساد في الأرض هو قطع جماعة الطريق على الناس لأخذ ما معهم من مال مستخدمين التخويف والإرهاب غير عابئين باعتماد هؤلاء المارة على تأمين الله لهم في سيرهم في طرقات غير مأهولة بالناس، ولذا كانت هذه الجريمة حربا لله ورسوله، وكانت عقوباتها من أشد العقوبات الواردة في شريعة الإسلام؛ حيث يمكن أن تصل عقوبة من خرج على الناس في طريقهم فأفزعهم لكنهم استطاعوا الفرار والإفلات دون أن يلحقهم أذى مالي أو بدني، إلى صلب الفاعلين جميعا عند من يرون عقوبات الحرابة على التخيير، فكيف بمن اعتدى على من يجمعون بين تأمين الله لهم وأنسهم بالناس من حولهم؛ حيث يسقط هؤلاء الدواعش البيوت فوق رؤوس ساكنيها، أو تصادفهم متفجراتهم في طرقاتهم فتحولهم إلى أشلاء من دون سابق معرفة ولا إنذار، ومن دون جريرة أو ذنب اقترفوه؟!

ووصف هذا التنظيم بالمفسدين في الأرض المحاربين لله ورسوله، وإسقاط أحكام الحرابة عليه هو الأولى والأكثر انطباقًا على هذا التنظيم المجرم، ومن على شاكلته من تنظيمات حملت السلاح ونشرت الرعب والفزع بين الناس، وسفكت الدماء وانتهكت الأعراض ونهبت الأموال. لذا، يلزم المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية المتشدقة بحقوق الإنسان، وكذا الدول الإسلامية، اتخاذ جميع التدابير التي من شأنها القضاء على هذا التنظيم المجرم، و استئصال شأفته ومنع شروره سواء على المستوى العسكري أو الاستخباراتي أو الفكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وتحرير المختطفين والمختطفات الذين في قبضتهم، وبسط الأمن والسلام على المجتمعات التي روعوا فيها الآمنين وأهدروا دماء الأبرياء ونهبوا أموال الأجيال وهتكوا أعراض الحرائر، كل ذلك من خلال التدليس على الناس وبخاصة شباب المسلمين بتحريف مفاهيم بعض المصطلحات الإسلامية كالخلافة، والجهاد، والدولة الإسلامية، وغير ذلك من مفاهيم تكفل بتصحيحها «مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب» الذي عقد في القاهرة في الثالث والرابع من ديسمبر عام ٢٠١٤م، كما تذرعوا ببعض روايات مدسوسة وأخرى ضعيفة وردت في تراثنا من باب إضفاء الشرعية على أفعالهم الإجرامية كالذبح والحرق لضحاياهم، وهو لعمري زعم باطل وتأويل ساقط سنتناوله بالتفنيد في مقالات لاحقة بإذن الله تعالى.

قراءة (4052)/تعليقات (0)

بحث