الموضوعات

09 مايو, 2017

وكيل الأزهر يكتب.. كيف نعالج أزمة التعليم في بلادنا؟

وكيل الأزهر يكتب.. كيف نعالج أزمة التعليم في بلادنا؟

يعد التعليم اللبنة التي تُبنى عليها حضارات الأمم، وتنطلق عجلة تنميتها من مكونه الثقافي الهادي للعقول المحصلة لمفرداته، ولا يمكن لأمة تأخر تعليمها أن تلحق بركب الحضارات، فضلًا عن مزاحمتها لاحتلال موقع في الصدارة. وإصلاح التعليم ضرورة لا تنفك عن تجديد الفكر الديني، بل ترتبط به ارتباطًا وثيقًا، فمن محاور التعليم الرئيسة تعليم المبادئ والقيم الدينية ومعرفة أحكام الأصول والفروع والقواعد الضابطة للتفكير والنظر، فهو فيما يتعلق بالجانب الديني لا يقتصر على مجرد التعلم لما هو معلوم، وإنما يؤسس لتكوين ملكة التفكير والتأمل ليتعامل المتعلم بنفسه بعد اكتمال تكوينه العلمي مع القضايا التي تعرض له بنوع من التدبر، وتكون لديه القدرة على فهم وتعلم ما لم يتعلمه من قبل، فإن رسخ في العلم وارتقى درجات عالية من الفهم ربما تكونت لديه قدرة الاستنتاج والاستنباط كشيوخه الذين تعلم على أيديهم، بل ربما سبقهم وتفوق عليهم لرجاحة عقله على عقولهم.

ومما لا ينكره منصف أن التعليم في بلادنا يمر بأزمة حقيقية نتيجة تداعيات حقب كثيرة تعرض فيها التعليم لإهمال في كل عناصر العملية التعليمية سواء المعلم أو المتعلم أو المبنى التعليمي أو محتوى المنهج الدراسي، وهذا الإهمال والخلل واقع في كل المؤسسات التعليمية دون استثناء، فأحوال المعلمين لا تخفى على أحد، والمتعلمون سيطر عليهم اليأس والإحباط نتيجة رؤية إخوانهم الذين أفنوا نصف أعمارهم للحصول على شهادات جامعية وأحيانًا درجات علمية يمتهنون مهنا لا تمت لما تعلموه بصلة، وهي في معظمها مهن حرفية لا تحتاج إلى دخول مدارس أو جامعات أصلًا. وأحوال المباني التعليمية ليست أفضل حالًا من أحوال المعلمين والمتعلمين، فكثير منها لا يصلح لمباشرة العملية التعليمية، وبعضها يكاد يسقط على رؤوس الدارسين والمدرسين.

أما المناهج التعليمية فهي حديث القاصي والداني في الآونة الأخيرة خاصة المناهج الدينية، غاضين الطرف عن أن المناهج غير الدينية تُستورد في الغالب جاهزة أو تُستمد على أفضل تقدير من مناهج دول تختلف عنا ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، فضلًا عن أنها ربما تكون جامدة عن التطوير والتحديث، فيضاف إلى عدم ملاءمتها لبيئتنا تخلفها عن مواكبة العصر ومتطلباته في كثير من جوانبها، بالإضافة إلى أن محاولات الإصلاح تسير في كثير من الأحيان بطريقة تزيد من مشكلات التعليم ولا تصلحه؛ حيث غالبًا ما يتولى أمر انتقاد المناهج التعليمية والمطالبة بإصلاحها غير متخصصين، فضلًا عن كونهم غير متجردين، بل إنهم غالبًا ما يكونون أصحاب أهواء وأغراض؛ حيث يتناولون المناهج تناولًا خاطئًا مغايرًا للحقيقة، ولا سيما المناهج الدينية التي يحمّلونها أكثر مما تحتمل، وهي كغيرها من المناهج تعاني من بعض المشكلات، لكن من الظلم البيّن رد أسباب التطرف والإرهاب والتعصب إليها، بل إن استخدامها كذريعة لتصفية الحسابات والنيل من القائمين عليها لخدمة أغراض معينة هو الخلفية الحقيقية لكثير من حاملي عصا ضرورة تجديدها، وهذا لا ينتج إصلاحًا ولا تطويرًا حقيقيًّا، بل يعطل مسيرة تطويرها لانشغال القائمين عليها بالرد على هؤلاء المنتقدين لبيان زيف ادعاءاتهم.

وإذا أردنا تجديدًا حقيقيًّا وإصلاحًا ملموسًا لتعليمنا، فعلينا أولًا وقبل كل شيء الاعتراف بمشكلات تعليمنا، وإخلاص النية قبل المضي في الإصلاح والتطوير ليكون المنطلق هو الإصلاح بهدف الإصلاح وليس إرضاء للمنتقدين.

وحتى تكون منظومة التعليم في بلادنا على النحو المرجو، فإنه من الضروري تكوين مجلس قومي للتعليم يشارك في عضويته خبراء في مجال التعليم من جميع المؤسسات القائمة على التعليم ومن خارجها، وتكون مهمته رسم السياسة التعليمية العامة، وتحديد الهدف من المخرجات التعليمية، والتنسيق بين المؤسسات القائمة على التعليم بجميع أشكاله ومراحله، مع مراعاة خصوصية كل مؤسسة من هذه المؤسسات، وهذا من شأنه أن يوجد تكاملية تعليمية بين هذه المؤسسات العامة والخاصة، وتكون من مهمات هذا المجلس أيضا اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تخلي الجهات غير المؤهلة عن مباشرة العملية التعليمية ضمن أنشطتها، كما تكون من مهمات هذا المجلس محاولة ربط التعليم باحتياجات سوق العمل حتى يتوقف إهدار الأموال التي تنفق على تعليم لا يستفيد منه المتعلم، ويعنى هذا المجلس كذلك بدراسة مشكلات التعليم بطرق علمية تعتمد المسح الميداني من داخل المؤسسات التعليمية، وتستند إلى الاستبانات الكاشفة التي يشارك فيها المعلمون والطلاب وأولياء الأمور والخبراء في مجال التعليم، وبعد رصد المشكلات وتحليل هذه الدراسات تُستخلص النتائج وتوضع بين أيدي القائمين على أمر التعليم بالمؤسسات كافة - كل فيما يخصه - ليحولها هؤلاء بدورهم إلى خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لعلاج المشكلات وصولًا إلى الهدف المنشود

قراءة (7482)/تعليقات (0)

بحث