قبل أيام احتفلت المرأة على مستوى العالم باليوم العالمى للقضاء على العنف ضد حواء، الذى يوافق الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام، وقد أكد الأزهر الشريف وعلماؤه أن الإسلام حث على احترام المرأة وتوقيرها، مؤكدين أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أوصى بالنساء خيرًا فى العديد من الأحاديث، كما أن القرآن اختص سورة كاملة لها وسماها بالنساء. وشدد العلماء على أن الشريعة الإسلامية جعلت المرأة فى مكانة عالية بين البشر وجاءت لتحررها من العبودية، ومنحها حق الحياة بعد أن كانت تدفن حية وتعامل ككائن نجس لا قيمة له ولا تخرج من بيتها خشية إلحاق العار باهلها..
فى البداية.. أكد الأزهر الشريف أن الشريعة الإسلامية الغراء كرمت المرأة أمًا وابنة وأختًا وزوجة، وجعلتها شريكة الرجل فى الحقوق والواجبات، وأقرت لها حقوقها كاملة، وحرمت إيذاءها، أو ممارسة أى صورة من صور العنف ضدها، أو سلب حقوقها من أى فئة كانت.
وشدد الأزهر الشريف على أنه يُعلى مكانة المرأة ودورها فى بناء المجتمعات الإنسانية وإقرار قوام الأسرة، ويعتبر أن العنف والتمييز ضد المرأة بمثابة انتهاك لحقوق الإنسان، وإعاقة لمسيرة التقدم والتنمية، مطالبًا العالم أجمع بتعزيز حقوق المرأة وتمكينها وعدم تهميشها فى مجتمعاتها، والنهوض بمكانتها المجتمعية، وصونها مما يؤذيها لفظيًا أو جسديًا أو معنويًا، ودعم دورها فى بناء مجتمع قوى متماسك ينشر القيم ويسهم فى بناء الأوطان.
من جانبه، أكد الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية - أن الشريعة الإسلامية تكرّم المرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة، داعيًا إلى ضرورة تضافر جهود المؤسسات والهيئات المعنية من أجل وضع المرأة فى مكانها الصحيح، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية تحتفى بالمرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة، مؤكدًا أن المرأة كانت ولاتزال محل العناية والرعاية فى شريعة الإسلام، فقد جعل لها الإسلام أول حقوقها هو الحق فى الحياة بعد أن كانت تُدفن حية بعد أن تسودَّ وجوه من بُشِّروا بها، يقول الله تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».
وأوضح المفتى أن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة وجعلتها ترث نصيبًا مفروضًا بعد أن كانت تورَّث بذاتها وتتنقل بين الرجال انتقال التركات، وأفرد لها الإسلام ذمة مالية مستقلة لم تعرفها فى الجاهلية، لافتًا إلى أن الإسلام جعل بر الأم ثلاثة أضعاف الأب واجبًا على الأبناء، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات أى بطاعة الأبناء لهن، وأعطاها حق العمل ومشاركة الرجال فى تنمية البلدان والمجتمعات، وبلغ الاعتداد بالمرأة فى الإسلام مبلغًا لم تصل إليه تشريعات البشر الوضعية إلى يومنا هذا ولا تستوعبه حتى قيام الساعة، مضيفًا: «يكفى أن إكرام المرأة واتقاء الله فيها من خواتيم وصايا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال: (استَوْصُوا بالنساء خيراً)»..
من جهته قال الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر، إن الإسلام الحنيف أرسى حقوق المرأة ووقف فى وجه من يقوم بالعنف ضدها فى الجاهلية حيث كانت حقوقهن مهضومة، لافتًا إلى أن المرأة كانت فى العصر الجاهلى دمية يحركها الرجل حيث يشاء، مؤكدًا أن الإسلام جاء ليقر ويثبت حقوق المرأة وذلك فى الأحوال الشخصية، والمشاركة الثقافية والاجتماعية.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن المرأة فى الجاهلية شاركت فى المشهد الثقافى، فكانت شاعرة، خطيبة، ناقدة، وكانت الخنساء تنشد شعرها فى المنتدى العربى، وكان للعرب ثلاثة أسواق هى عكاظ وذى المجاز ومجنة يجتمع فيها الشعراء من كل قبيلة، وينشد كل شاعر أفضل ما عنده، بل وتجرى حكومات نقدية، كما كانت هند الملقبة بالزرقاء مشهورة بالخطابة، وكانت زينب خطيبةَ بنى أود، وقد أقر الإسلام مشاركة المرأة فى المشهد الثقافى، بل فى بيت النبوة ففى العصر الأموى كانت سكينة بنت الحسين تعقد مجالس نقدية فى بيتها، وهو مثل الصالونات الثقافية الآن.
من جانبها، أكدت الدكتورة راجية على طه، نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، أن بعثة النبى (صلى الله عليه وسلم) تعد الميلاد الحقيقى لحقوق المرأة، حيث سبق المنظمات المحلية والدولية فى إرساء المبادئ الأساسية لحقوق المرأة قبل 14 قرنًا من الزمان، مؤكدة أن المرأة ساهمت فى كتابة التاريخ والحضارة ونجحت فى وضع المعايير الرئيسية فى المساهمة الفعالة فى بناء الدولة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
وأضافت الدكتورة راجية أن الأزهر الشريف حمل على عاتقه رعاية المرأة منذ نشأته قبل 1000 عام، حيث أنشأ لها معاهد أزهرية وكليات جامعية، ووضعها فى مقدمة الصفوف حيث تولت عضوية هيئات التدريس بالجامعة وعميدات بالكليات وعضوات بالبرلمان، ورئيسة للهيئات والمنظمات الحقوقية وأفرد لها مساحة للتعبير عن رأيها فى المطبوعات والمنشورات ودافع عن قضاياها وغير ذلك.
ولفتت إلى أن الإسلام كرم المرأة فى صور عديدة ولعل أبرزها وأعلاها شأنا أن خصص لها سورة من القرآن سماها «سورة النساء» ولم يخصص للرجال سورة، فدل ذلك على اهتمام الإسلام بالمرأة، كما حمّل الرسول المرأة أمانة تربية الأولاد فقال مكرماً لها: «.. والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها»، كما كرمت الشريعة الإسلامية المرأة حيث أعطتها حق الحياة بعد وأدها حية وحرمانها من الميراث، وجاء الإسلام ليقضى على كل هذا، لافتة إلى أن من يقرأ التاريخ يجد أنه مضىء بسير الصحابيات ومن تبعهن فى بناء الحضارة وصناعة التاريخ، حيث استطاعت السيدة هاجر (رضى الله عنها) أن تحيى حضارة بأكملها من العدم، بدون أى مورد من موارد الثروة الاقتصادية، حيث فجر الله تحت أقدام ولدها إسماعيل (عليه السلام) ماء يشرب منه ملايين البشر ويسعى الناس من كل فج عميق لينال شربة من «زمزم»، وكان بسببها إعمار هذا المكان.
وشددت على أن دور المرأة لم يتوقف على بناء الحضارة، بل شاركت فى إدارة الأعمال حيث اقتحمت مجال التجارة، وخير مثال على هذا السيدة خديجة (رضى الله عنها) - أول سيدة أعمال فى الإسلام - وأول من أعلنت أن الإسلام يحقق المساواة بين المرأة والرجل بالفعل فى ممارسة التجارة، كما أسهمت المرأة فى بناء الدولة من خلال استشاراتها السياسية الحكيمة فكانت أول مستشارة فى الإسلام أم المؤمنين السيدة أم سلمة (رضى الله عنها)، فى صلح الحديبية حيث امتنع البعض من صحابة رسول الله عن الصلح من قريش اعتراضًا على أمر رسول الله حيث امرهم بالحلق فلم يحلقوا للتحلل من العمرة، حيث اصاب النبى بشىء من الحزن على موقف بعض الصحابة ودخل لها النبى حزينا فقالت له ما يحزنك؟ فقص عليها القصة وأشارت عليه أن يقوم هو بالحلق ويخرج على الناس، ففعل (صلى الله عليه وسلم) فاستجاب الجميع، وكانت بهذا هى أول مستشارة فى الإسلام. نظمت المرأة الشعر فكانت أول شاعرة فى الإسلام السيدة تماضر بنت عمرو السلمية الشهيرة بالخنساء، وأنها عملت ممرضة فكانت أول ممرضة فى الإسلام السيدة رفيدة الأسلمية، وتولت مجالس العلم فأول من تولت مجالس العلم فى الإسلام هى أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبى بكر، وغير ذلك من الأمثلة والنماذج المشرفة.
من جانبها أكدت الدكتورة إلهام محمد شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية بنات جامعة الأزهر بالقاهرة، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) حذر من ممارسة العنف ضد المرأة بل وحث المسلمين على الإحسان إلى المرأة خلال خطبة الوداع فى قوله: «فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشَكُم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، مؤكدة أن هذه الخطبة تعد وصية عظيمة بالمرأة، من تقوى الله عز وجل والقيامُ على أمرها ومراعاتها.
ولفتت أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى أن الأزهر الشريف يدعم المرأة بكافة السبل لتولى كافة المناصب القيادية، لافتة إلى أن المرأة فى الأزهر تولت منصب عمادة الكليات وعضوية مجلس الشعب وعضوية لجان ترقية الأساتذة، كما مكنها من كافة المناصب القيادية وغيرها منذ إنشاء الجامع الأزهر ومؤسساته التعليمية، مشيرة إلى أن الأزهر يقتدى بتعليمات الشريعة الإسلامية ووصية النبى الكريم فى قوله: «استوصوا بالنساء فإن المرأة خُلقت من ضِلَع، وإن أعوج شىء فى الضلع أعلاه، فإن ذَهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».
وشددت على أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم- أرشد الرجال إلى المعاملة الحسنة مع النساء، فأخبرهم أن من كمال الإيمان حسن الخلق، فقال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم»، فإن حسن الخلق وحسن التعامل يدلُّ على كمال الإيمان وقوته، وسوء العشرة وسوء المعاملة وعدم الوفاء يدل على نقص فى الإيمان.
أحمد نبيوة