يتابع مرصد الأزهر كافة الوسائل الإعلامية التي تتناول مختلف القضايا التي تتعلق بالإسلام والمسلمين، لا سيّما في الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم. وفي هذا الإطار، تُركز وحدة الرصد باللغة الإسبانية على العناوين والمقالات التي تَرِدُ في الصحافة المكتوبة بالإسبانية، حيث لوحظ تناول هذه الأخبار في بعض الأحيان بشكل إيجابي وأحياناً أخرى بصورة سلبية؛ وذلك إما عن جهل وإما بغرض تشويه صورة الإسلام والمسلمين أو تصدير صورة معينة عنهم.
فعندما يقع حدثٌ يخص الإسلام والمسلمين في مكانٍ ما، تَتَداوله الصحف ووكالات الأنباء الإسبانية، ولكن تختلف طريقة العرض من جريدة لأخرى. ويتضح هذا من خلال عناوين الأخبار والمقالات أو من خلال عرض آراء لكتُّاب يهاجمون الإسلام. ومن خلال متابعة مرصد الأزهر لهذه المقالات والأخبار، تبيّن أن هناك صُحُفًا بعينها تسير على خطوات معينة في سردها للعديد من القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين، والتي تُعد بمثابة القاسم المشترك في أغلب دول العالم ذات الأقلية المسلمة، أبرزها قضية الإسلاموفوبيا والحجاب واللاجئين وفعاليات المسلمين واحتفالاتهم وتدريس مادة التربية الإسلامية وكذلك تخصيص مقابر للمسلمين وفقاً للشريعة الإسلامية، كل واحدة من هذه القضايا ربما تتخذها بعض الصحف وسيلةً لمهاجمة المسلمين. وفيما يلي نعرض بشكلٍ موضوعي مجموعة من العناوين والمقالات التي تهاجم المسلمين بغرض الوقوف عليها لتحليلها وللرد على ما فيها من افتراءات.
فخلال العام الجاري، نشرت صحيفة "موندياريو" الإسبانية مقالاً بعنوان: (هل ينبغي تقديم اعتذار للمسلمين عن الاحتفال بذكرى "استعادة" غرناطة؟)، وذلك على خلفية اعتراض المسلمين على هذه الاحتفالية التي تتم في الثاني من يناير من كل عام، وما تشتمل عليه من إشارات رمزية وهتافات من المشاركين في هذه الاحتفالات توحي بعدم الاقتصار على استرداد بلادهم؛ بل تدعو إلى الاستيلاء على بلاد المسلمين أيضاً مثل مكة المكرمة والمدينة وفلسطين. إن مثل هذه السلوكيات تمثل تجريحًا واضحًا للمسلمين وبالتالي تعمل على تزايد مظاهر الإسلاموفوبيا في المجتمع بشكلٍ كبير، وقد تصل إلى حد الاعتداء الجسدي في بعض الأحيان. فالعنوان عبارة عن سؤال استنكاري غرضه توصيل القارئ إلى أنه ما ينبغي للمسلمين الاعتراض على هذه الذكرى.

صورة لعنوان المقال بصحيفة "موندياريو": (هل ينبغي تقديم اعتذار للمسلمين عن الاحتفال بذكرى "استعادة" غرناطة؟)
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "إسبانيول" مقالاً على لسان عالم إسباني في الفيزياء تحت عنوان: (الإسلام هو أسوأ طاعون حلَّ بالبشرية)، حيث ذكر أن الإسلام غير قادرٍ بالكلية على التكيُّف مع العالم ولا يحترم حقوق الإنسان، كما أنه لا يَقبل الفكر الآخر ويعتبر معارضيه كُفَّارا. ونشر موقع "إلكوريو جايّيجو" مقالاً بعنوان: (الخوف من الإسلام) حيث تم التركيز على أن الإسلام دين ينشر الخوف وأنه ليس دين سلام. وفي عنوان يشكك في مصارف زكاة المسلمين في إسبانيا ورد مقال في صحيفة "لا ريخيون" بعنوان: (الزكاة كمصدر لتمويل الإرهاب). كما نشرت صحيفة "إل باييّس" الإسبانية، والتي تعد إحدى أكثر الصحف انتشاراً، مقالاً بعنوان: (هل هناك إسلام حقيقي؟) في إشارة من كاتبه إلى صعوبة الحوار مع المسلمين والتوصل إلى فكرة واضحة عنه.

صورة لعنوان مقال: (هل هناك إسلام حقيقي؟) من صحيفة "إلباييس" الإسبانية
كما أشارت إحدى المقالات إلى أن المسلمين يُقدمون مجموعة من الإحصائيات والأرقام المغلوطة الخاصة بعددهم وتزايدهم داخل إسبانيا؛ بهدف نيل امتيازات ووجود سياسي واجتماعي وذلك في مقال بجريدة "استريّا ديخيتال" بعنوان: (الإسلام يَصيرُ إسبانياً). ومن موقع "فوروس دى لا بيرخين" في مقال بعنوان: (المسلمون الأوروبيون يدعمون الإرهاب أكثر من مسلمي الشرق الأوسط)، وهذا المقال به ما به من إشارات تحض بشكلٍ واضحٍ على العداء للمسلمين في أوروبا عامة أو على الأقل النظر إليهم نظرة كراهية على اعتبار أنهم هم من يمولون الإرهاب، وذلك بالطبع ناتج عن نظرةٍ قاصرةٍ، بل مغلوطة اتخذها الكاتب منطلقاً لهذا الحكم. كما وردت نفس الإشارات في مقال هجومي آخر في موقع "بربوخا" بعنوان: (نعم، الإسلام هو المشكلة، فلديه تحديات ليتقدم). تجدر الإشارة إلى أن مرصد الأزهر يقوم بالرد على هذه المقالات تباعاً ويقوم بتفنيدها وبيان زيفها، ويفرد لها ملفاً خاصاً في تقريره الشهري.
من ناحية أخرى، يمكننا أن نلاحظ أنه خلال الفترة الأخيرة انتشر مصطلح "أسلمة أوروبا" وأُثيرت حوله ضجة كبيرة، وذلك فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والتخوف الأوربي بوجه عام والإسباني بوجه خاص من تغيير الهوية أو من تسلل عناصر متطرفة. ومن هنا كانت الصحافة الإسبانية على موعد مع تسليط الضوء على هذا المصطلح وإبراز من يرددونه داخل إسبانيا أو خارجها. ففي موقع "آه ثيه برنسا" الإسبانية ورد خبر بعنوان: (قس يحذر من أسلمة أوروبا)، وفي الموقع الإخباري للتلفزيون الإسباني "إسبان تي في" ورد خبرٌ بعنوان: (تظاهرات في 14 بلدٍ أوربي ضد أسلمة أوروبا). وفي السياق ذاته نشرت صحيفة "دياريو ميكسيكيو" المكسيكية خبرًا بعنوان "احتجاجات ضد الإسلام والهجرة في عدة مدن أوروبية" وآخر في صحيفة "كلارين" الأرجنتينية بعنوان: (أزمة المهاجرين تهدد وحدة الدول الأوروبية).

صورة لعنوان: (احتجاجات ضد الإسلام والهجرة في عدة مدن أوروبية)، من صحيفة " دياريو مكسيكيو"
وعلى صعيد متصل، وفيما يخص تناول الإسلام في الصحافة الإسبانية؛ نُشرت مقالات وأخبار تُظهر العداء والكراهية الشديدين للإسلام، وأغلب الظن أنها ربما تقع تحت سيطرة أصحاب الفكر اليميني المتطرف. وهناك نماذج لهذا التوجه، منها صحيفة "أليرتا ديخيتال" الرقمية حيث جاء في بعض عناوينها: (دور النشر الغربية تخضع للإسلام)، (الحوار المستحيل مع الإسلام)، (متى وأين يسعد الغازي الإسلامي؟).

مقالا بعنوان: "الحوار المستحيل مع الإسلام"، "أليرتا ديخيتال" الرقمية
وفي مقال آخر لصحيفة "ريليخيون إن ليبرتاد" عن الإسلام ورد تحت عنوان: (هل يمكن التعايش مع الإسلام؟)، حيث يشير الكاتب إلى أنه ليس هناك إمكانية للتعايش مع الإسلام، موضحاً أن الإسلام يتمثل في الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش وبوكو حرام والشباب وغيرها من الجماعات الإرهابية؛ في حين أنه يرى إمكانية التعايش مع المعتقدات الدينية الأخرى كالمسيحية واليهودية والبوذية دون أدنى مشكلة، واحتوى المقال على جدول تصنيفي يؤكد هذه النظرية القاصرة، التي حصرت ممثلي الإسلام في تلك الجماعات المتطرفة. لا يخفى بالطبع ما يمثله هذا المقال من افتراءات، وخير دليل للرد عليه تلك المجتمعات الإسلامية التي يعيش فيها أناس غير مسلمين، والمجتمعات الغربية نفسها والتي ينتمي إليها كاتب المقال والتي يتعايش فيها أهل هذه البلاد مع المسلمين، وإن كانت هناك حالات فردية تقوم بعمل إرهابي فهي تفعل ذلك باسم الإسلام، والإسلام برئ من كافة تلك الأفعال التي لا تتماشى ولا تتسق مع ما جاء به الدين الحنيف.

صورة لمقال صحيفة "ريليخيون إن ليبرتاد" تحت عنوان: "هل يمكن التعايش مع الإسلام؟"
كذلك ورد في صحيفة "آه بيه ثيه"، والتي تعد كذلك من الصحف واسعة الانتشار في إسبانيا مقالاً بعنوان: (الإسلام يكسر أوروبا). كما نشرت صحيفة "مينوتو ديخيتال" عناوين عدائية منها: (الإسلام يمثل سلاح الدمار الشامل)، و (الإسلام يحول المعتنقين الجدد إلى إرهابيين).

صورة للمقال في صحيفة "آه بيه ثيه" الإسبانية بعنوان: (الإسلام يكسر أوروبا)
كل هذه العناوين المنشورة عبر وسائل الإعلام والصحف المختلفة تُعبر عن توجهٍ يهدف فيما يبدو إلى تشويه صورة الإسلام وإبراز تطرف معتنقيه. إن جذب انتباه القارئ من خلال الاعتماد على الأخبار المغلوطة والأرقام المشكوك في صحتها، والتي غالباً تهاجم الجمعيات الإسلامية، هو ما يُستشف من وراء تناول هذه العناوين. هذا وما قمنا به من طرحٍ لهذه المجموعة من العناوين والمقالات ليس مجرد عرض سردي، بل الغرض منه توضيح صورة موجودة لدى قطاع ليس بالقليل في الصحف الصادرة بالإسبانية بوجه خاص. ومثل هذه التوجهات التي تمثل في جزء كبير منها تطرفاً فكرياً لا تقل بأي حال من الأحوال عن التطرف المسلح؛ فكلاهما يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي نشر التطرف والكراهية والبغض، الذي يفضي في أحيان كثيرة إلى الاعتداء على الأقليات المسلمة الموجودة في مختلف دول العالم، كما تساعد على تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا، لا سِيّما تلك الصحف الكبرى ذات الأعداد المعتبرة من القُراء والمتابعين. ومع ترديد نفس الفكرة السلبية عن الإسلام والمسلمين، تترسخ لدى القارئ صورة يصعب تغييرها مع مرور الوقت. ونحن من هنا نقوم بدورنا في متابعة مثل هذه العناوين للرد على ما فيها من افتراءات.
ومن بين أبرز هذه الافتراءات، القول بأن المسلمين غير قادرين على الاندماج والتعايش مع المجتمعات الأوروبية ونشير إلى المقال الأخير: (الإسلام يكسر أوروبا) الذي كان يتناول هذه النقطة. إن الواقع يكذب هذا الادّعاء، فالمسلمون قادرون على التكيُّف مع كافة المجتمعات والثقافات، حيث وضع الإسلام مجموعة من الضوابط والمحددات التي تضمن التعايش مع الآخر دون الاعتداء عليه ولا تتسبب في أية عوائق في التعامل معه؛ فقد نظمّ الإسلام هذه العملية بطريقة محكمة تضمن عدم طغيان طرف على الآخر أو انتهاك حق من حقوقه المشروعة. ولدينا بالفعل نماذج مشرفة لشخصيات إسلامية تعايشت مع المجتمعات الغربية وأسهمت فيها، بل وأثرت فيها وحازت مناصب برلمانية واجتماعية وعلمية، من أمثال الدكتور أحمد زويل، العالم المصري المسلم، وكذلك "منى شندي" أول قائدة مصرية مسلمة في البحرية الأسترالية. وفيما يخص الشأن الإسباني، فهناك نماذج كثيرة، من بينها حصول "هاجر قاسمي"، وهي فتاة مسلمة من أصلٍ مغربيٍ تعيش في "مورسيا" على الجائزة الوطنية الإسبانية للشباب لعام 2015 وتسلمتها من نائبة رئيس الوزراء الإسباني "سريا سانيث دى سانتاماريا".

هاجر قاسمي
هذه النماذج وغيرها لا يتسع لسردها المقام الآن، تُدلل بصورةٍ واضحةٍ على قدرة المسلمين على الاندماج مع الغرب والتأثير فيه، بل وتقلد مناصب مرموقة بداخله. وإذا ما قمنا بتحليل هذه المقالات التي تجعل من الإسلام فزّاعة لإرهاب الناس، فسنجد أنها محض افتراءات وتعود لسببين: إما إنكاراً للإسلام وكرهاً له، أو جهلاً به وبتعاليمه، وكلاهما مردود على صاحبه. ويوجه مرصد الأزهر بدوره دعوةً إلى جميع الصحف والمواقع الإخبارية على مختلف أنواعها بتحري الدقة والتزام الحيادية في نقل الأخبار دون بخسٍ أو تهويل، وذلك وفقاً لمواثيق الصحافة، وأن يعودوا إلى مدونة قواعد السلوك التي أعدتها الجمعية العامة لاتحاد جمعيات الصحافة الإسبانية فيما يخص الالتزام الأخلاقي للصحفي، والتي تنص على ضرورة احترام الحقيقة والمصداقية في نشر المعلومات.
إن هذه الصورة المغلوطة في مجملها عن الإسلام من شأنها زيادة التحديات والصعوبات التي تواجه المسلمين في المجتمعات الأوروبية. يمكننا القول بأن القارئ الإسباني يمكن أن يكون فكرته عن الإسلام والمسلمين من خلال الصحافة ويمكن أن تمثل له المصدر الوحيد لاستقاء معلوماته، في حين أنه ينبغي عليه أن يحاول أن يتعامل مع المسلمين ممن يقطنون ببلده مباشرة ليصبحوا هم الصورة الحقيقية التي تعكس للإسلام، وينبغي ألا يعمم الحكم على المسلمين من خلال تصرفات البعض؛ الأمر الذي يلقي على عاتق المسلمين هناك أن يعكسوا صورة إيجابية من خلال سلوكياتهم وتصرفاتهم الحياتية حتى يكونوا أداة فاعلة في التعريف بحقيقة الإسلام السمح. وفي النهاية، يؤكد مرصد الأزهر أن التوقف عند بعض تصرفات المتطرفين الفردية ممن ينتسبون إلى الإسلام واتخاذهم كنماذج له وإغفال النماذج المعتدلة ليس من الإنصاف في شيء بل هو عين الافتراء.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية