11 يناير, 2017

الإنسان خير ما خلق الله

الإنسان خير ما خلق الله

الإنسان آدم وبنوه، خلق الله منه أم البرية حواء -عليها السلام- ومنهما كان الناس ويكونون إلى يوم يصير فيه العباد إلى الله.

العبدُ حر إن نسَك      والحر عبــدٌ إن أفـــكْ

والإفك شر مثالبِ     الإنســـان أيَّمـــــا ســـلكْ

والعبدُ يُقْرَغُ بالعصا  حتى وإن هو قد هلَك

والحُر كوثَـــرُ أهله   وضيـــاءُ ذلكــــمُ الفلكْ

والنصحُ من شيم الكرامْ  والله يهدي من سلكْ

فهو المهيمن وحده       والواحـــد الأحد المـَـــلِكْ

والحُر يُقنعه المتاح       من اللحوم إلى السمـــكْ

وكلاهمــــا نعم من المولى  تيـــــســـر لي ولكْ

والزرع يؤكلُ أخضر       ولكم يطيبُ إلى يمكْ(1)

ولقد عرفت أخي اليمك    فاسأل به علما فمَكْ

والزادُ تَحفظُ من سَغَب    هذا يقينٌ ليس شكْ

واقرأ من القُرآن سُورةَ الإخلاصِ  فهي النور ما اشتدَّ الحَلَكْ

ولقد قرأت كتاب (علم الدين) لعلي باشا مبارك تقديم الدكتور عبد البديع عبد الله(2) ، وفيه خبر الدودة التي أرادت أن تتسلق جدار بيت فقطعت شوطا من ذلك الجدار ثم سقطت على الأرض وحاولت مرة ومرة حتى بلغت مرادها، وأخذتُ من ذلك الذي رأته عيناي أنه لا بد من تحمل الصعاب في تحصيل العلم النافع والثقافة الهادية البانية، فالعلم يعطيك بعضه إن أعطيته كلك، فمن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد.

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً    ندمت على التفريط في زمن البَذْرِ

والعلم لا يُشْترى بمال، فالمال يفنى والعلم يُكسِبُ المال ويحقق الله به الآمال.

ويوم سَخِرَ بعض من لا يعقلون فقالوا أصحاب الفضيلة الأساقفة، كان يجافي الصواب الذي أمر الله به من رعاية من ينسجون ثياب الأمة الواحدة مصر كنانة الله في أرضه، فأبناء الوطن الواحد إخوة بقدر ما رأى بعضهم حرمة إخوانه.

والناسُ للناسِ من بدوٍ وحاضرةٍ   بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يشعروا خدمُ

وقال الآخر:

لا يقولن امرؤ أصلي فما   أصله مسك وأصل الناس من طين

وقول الآخر :

والناسُ إن ظلموا البُرهان واعتسفوا  فالحرب أجدى على الناس من السَلَمِ

وقال غيره:

والناس شتّى إذا ما أنت ذُقْتُهَموا   لا يستوون كما لا يستوي الشجر

هذا له ثمر حلو مذاقته   وذاك ليس له طعم ولا ثمرُ

وكم عرفت كثيريين استفادوا من مثال الدودة التي جاهدت حتى بلغت بعد لَأْيٍ مرادها بَلغُوا أعلى مراتب العلم والسيادة في الناس، فقد كان بعضهم يشغل عمل محاسب في فرن من الأفران ليلا وينصرف في نهاره إلى طلب العلم، ومرت علينا ظروف كان بعضنا يقترض من بعض ما يرده شاكرًا مشكورًا، وكان بعض الزاد الذي يمدنا به الأبوان والأهلون ينفدُ أو يكاد، فكنا نعود إلى ما تَفَتَّت من الخبز فنُبعد عنه الزوائد ثم نسد به حاجتنا إلى فرج قريب، وأذكر بالخير في قرية الضهرية بلد الحاج مصطفى فرج وبلد عبد الحليم عبد المتعال وشرف الدين البيلي، كان ذلك الصديق يلقى العون السابغ من صديقه إلى جوار ما يلقى من أخيه القاضي الشرعي يومئذٍ، وعلمتُ من خبر الذين استقامت لهم الحياة أن أحدهم كان إذا وجد قشر البطيخ نحّى عنها الزوائد وقضى منها وطراً، وكنت وبعض الزملاء نخطب الجمعة بتكليف من أحد مديري الأعمال في السكك الحديدية، وكان يبعث لكل منا ثلاثين قرشا كل جمعة فنُفيد ونستفيد، ولا أحب أن يفوتك ما كتبه الأستاذ الجليل أبو سلمان فضيلة الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، في كتابه النفيس (صَفَحَات من صبر العُلماء على شَدائد العلم والتَّحْصيل )(3) فقد ذكر في أحد فصوله: أخبارهم في الصبر على شَظَفِ العيش ومرارة الفقر وبيع الملبوسات أو المفروشات، وأخبارهم في الجوع أو العطش في الهواجر الأيامَ والساعات.

تلك بعض أحوال الناس فانظر من أي معادن الناس أنت، والله المسئول أن نكون وإياك ممن يطلبون الآمال بالأعمال والفِعال، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

(1) اليمك : الباذنجان المطبوخ.

(2) كتاب عَلَم الدين  لحضرة العالم الفاضل صاحب السعادة علي باشا مبارك، تقديم د.عبد البديع عبد الله ، ط- مكتبة الآداب.

(3) صَفَحَات من صبر العُلماء على شَدائد العلم والتَّحْصيل، للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، ط – مكتبة المطبوعات الإسلامية،- بيروت، ط- دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع –القاهرة – مصر.

 

قراءة (6153)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
1345الأخير