16 يناير, 2017

بين المجلة والقارئ

بين المجلة والقارئ

تحرص مجلة الأزهر على التواصل الدائم مع قرائها، وتفتح صفحاتها للرسائل المتميزة من القراء؛ لذا نسعد بنشر رسائلكم ومقترحاتكم في باب (بين المجلة والقارئ).

وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ

إنه لشرف للغة العربية أن ينزل القرآن الكريم، وقد انتشر الإسلام في العالم وانتشرت معه اللغة العربية، وكما يقول بروكلمان: بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا. «فالعربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالدًا عليها فلا تهرم ولا تموت؛ لأنها أعدّت من الأزل فَلكًا دائِرًا للنيِّرين الأرضيين العظيمين، كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، ومن ثم كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر، لا يملك معها البليغ أن يأخذ أو يدع» (1).

ومن مميزات اللغة العربية أنها تمتلك من المقومات والخصائص ما يجعلها تفي باحتياجات الإنسان التعبيرية والفكرية، فاللغة العربية موضع فخر لناطقيها وكما يقول العقاد: «عرف الناطقون بالضاد قديمًا أنها أفصح اللغات، وكاد الفخر بها أن يتمادى إلى إنكار الفصاحة على سائر اللغات»، وأن مقولة أن العربية تعجز عن الوفاء بالترجمة هو محض افتراء ويرجع إلى عجز المترجم وعدم استعداده للترجمة «فالمترجم المستعد -كما هو معلوم- يستوفي للنهوض بوظيفته، عدة كاملة متنوعة تتجمع من العلم باللغتين، ومن العلم بموضوع المعرفة الذي ينقله المترجم من إحدى اللغتين إلى الأخرى، ولا بد له معه من حصة وافية مشتركة بين المعلومات العامة في عصره، وإن لم تكن لها علاقة مباشرة بموضوع الكتاب المترجم».

ويذكر العقاد أن علم اللغة الحديث عرف مكانة اللغة العربية بين لغات العالم، وأن: «هذا العلم، الذي تولاه على أيامنا أناس من غير أبناء الضاد، يعطينا معيارًا صادقًا نعرف به مكان هذه اللغة العريقة بين لغاتهم الشائعة، وأن نقاد الآداب واللغات عندهم يحسبون أنهم يعطفون على اللغة العربية غاية العطف الذي يقفون عنده ولا يستطيعون الزيادة عليه، حين يقرون لها بأنها لغة جميلة، وينكرون عليها أنها لغة (عالية) في طبقات اللغات الحية، ولكن علوم اللغة التي يقررها نقاد الآداب واللغات تثبت لها (العلو) في الطبقة، كما تؤكد لها صفة الجمال التي لم ينكروها عليها. وبالمعيار المستفاد من هذه العلوم اللغوية نتعرف لها مكانتها بين الألسنة الناطقة..»(2).

وفي 18 ديسمبر من كل عام يحتفل الناطقون باللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد، وهو التاريخ الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغة العمل في الأمم المتحدة.

وفى هذه المناسبة نعرض قصيدة (اللغة العربية والشرق) للكاتب الكبير مصطفى صادق الرافعى:

أمٌّ يكيد لها من نسلها العقب

ولا نقيصة إلا ما جنى النسبُ

كانت لهم سببًا في كل مكرمة

 وهم لنكبتها من دهرها سبب

لا عيب في العرب العرباء إن نطقوا

بين الأعاجم إلا أنهم عرب

والطير تصدح شتى كالأنام وما

عند الغراب يزكى البلبل الطرب

أتى عليها طوال الدهر ناصعة

 كطلعة الشمس لم تعلق بها الريب

ثم استفاضت دياج في جوانبها

كالبدر قد طمست من نوره السحب

ثم استضاءت فقالوا الفجر يعقبه

صبح فكان ولكن فجرها كذب

ثم اختفت وعليها الشمس شاهدة

كأنها جمرة في الجو تلتهب

سلوا الكواكب كم جيل تداولها

ولم تزل نيّراتٍ هذه الشهب

وسائلوا الناس كم في الأرض من لغة

قديمة جددت من زهوها الحقب

ونحن في عجب يلهو الزمان بنا

لم نعتبر ولبئس الشيمة العجب

إن الأمور لِمَن قد بات يطلبها

فكيف تبقى إذا طلابها ذهبوا

كان الزمان لها واللسنُ جامعة

فقد غدونا له والأمر ينقلب

وكان مَنْ قبلنا يرجوننا خلفًا

فاليوم لو نظروا من بعدهم ندبوا

أنترك الغرب يلهينا بزخرفه

ومشرق الشمس يبكينا وينتحب

وعندنا نهر عذب لشاربه

فكيف نتركه في البحر ينسرب

وأيما لغة تُنسي امرأً لغةً

فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكب

لكم بكى القول في ظل القصور على

أيام كانت خيام البيد والطنب

والشمس تلفحه والريح تنفحه

والظل يعوذه الماء والعشب

أرى نفوس الورى شتى وقيمتها

عندي تأثّرها لا العزّ والطلب

ألم تر الحطب استعلى فصار لظًى

لمّا تأثر من مس اللظى الحطب

فهل نضيع ما أبقى الزمان لنا

وننفض الكف لا مجدٌ ولا حسب

إنا إذن سبّة في الشرق فاضحةٌ

والشرق وإن كنا به خرب

هيهات ينفعنا هذا الصياح فما

يجدي الجبان إذا روّعته الصخَب

ومن يكن عاجزًا عن دفع نائبة

فقصر ذلك أن تلقاه يحتسب

إذا اللغات ازدهت فقد ضمنت

للعرب أي فخارٍ بينها الكتب

وفي المعادنِ ما تمضي برونقه

يد الصدا غير أن لا يصدأ الذهب

المحرر

الهدوء.. أدب إسلامي

تحت هذا العنوان جاءت رسالة الشيخ/ مصطفى الأزهري يقول فيها:

تعاليم الإسلام تُفضِي جميعها إلى أن يستمتع الناس جميعًا بحياة هادئة هانئة يراعي فيها المسلم حق إخوانه من المسلمين أو حتى غير المسلمين في نشر المحبة والسلام وصيانة حقوق الناس، إلى الحد الذي وصف فيه القرآن الكريم -ثناءً ومدحًا- طريقةَ المشي وأسلوب الكلام والرد على أهل الجهالة والسباب.. ومن ذلك قول الله تعالى عن عباد الرحمن: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"   (الفرقان: 63)

بل إن القرآن العظيم ذكر من وصايا لقمان ابنه وهو يعظه: "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا"   (لقمان: 18)

وكان هذا النور التربوي الكريم أيضًا في قول لقمان لولده: "وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" (لقمان: 19) فرفعُ الصوت بغير داعٍ يُزعج ويشوش على المريض والنائم ومن يرجو وقتًا هادئًا ليستذكر دروسه..إلخ. وحتى في الصلاة وهي من أعظم أركان الإسلام كان التوجيه الرباني بالتوسط في أثناء التلاوة كما قال الله عز وجل: "وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا" (الإسراء: 110)

وإن من أعظم الأدب الذي علَّمَنا الله تعالى ما جاء في قوله: "وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ" (الحجرات: 2).

إن الصوت الهادئ المسموع يكون أكثر فهمًا وأقرب استيعابًا من الأصوات المنكرة التي ربما تدل على غياب الأدب عمَّن يُطلِق حنجرته بين الناس ليقضَّ مضاجعهم ويثير أعصابهم، كما أن استعمال مكبرات الصوت في الأفراح والمآتم وفي السيارات يُفسِد النفوس إن خرج عن المقصود، والأمة المنتجة المشغولة بالإبداع هي أمة هادئة لا وقت عندها للصراخ والضجيج.

فاللهم علِّمْنا ما ينفعنا وهذِّب أخلاقنا يا رب العالمين.

الحلم سيد الأخلاق

ومن الأستاذ/ محمد محمود حسين - معلم أول بالتربية والتعليم جاءت هذه الرسالة:

قال تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: 34).

لا شك أن دفع الإساءة بالإحسان أمرٌ عظيمٌ قد يحوِّل العدو إلى ولي حميم، ولكن بلا شك هو أمر يحتاج إلى التدريب، ولنقطفْ زهرة من بستان أدبنا العربي يفوح منها عبير الحلم؛ فمما يُحكَى أن معن بن زائدة كان أميرًا على العراق، وكان حليمًا كريمًا يُضرَب به المثل، فسمع به أعرابي فأراد أن يمتحن حلمه وأخذ على نفسه أن يغضبه، فدخل عليه بلا استئذان من بين الذين قدموا لتهنئته، فأنشده يذكرهُ بأيام فقره وَقلة مَاله قبل أَن يصير أَمِيرًا:

أتذكر إذ لحافك جلد شاة    وإذ نعلاك من جلد البعير

فقال معن: أذكر ذلك ولا أنساه يا أخا العرب. فقال الأعرابي:

فسبحان الذي أعطاك ملكًا  وعلَّمك الجلوس على السرير

فقال معن: سبحانه وتعالى يُعز من يشاء ويُذل من يشاء. فقال الأعرابي:

فلستُ مسلِّمًا إن عشت دهرًا  على معنٍ بتسليم الأمير

فقال معن: يا أخا العرب! إن سلمت رددنا عليك السلام وإن تركت فلا ضير عليك.

فقال الأعرابي:

سأرحل من بلاد أنت فيها    ولو جار الزمان على الفقير

فقال معن: يا أخا العرب إن جاورتنا فمرحبًا بالإقامة، وإن جاوزتنا فمصحوبًا بالسلامة.

فقال الأعرابي:

فجُد لي يا بن ناقصة بشيء   فإني قد عزمت على المسير

فقال معن: أعطوه ألف دينار تخفف عنه مشاق الأسفار. فأخذها وقال:

قليــــل ما أتيت به وإنــــــي  لأطمع منك بالمال الكثير

فثنِّ، فقد أتاك الملك عفوًا   بلا عقــــل ولا رأي منــيــــر

فقال معن: أعطوه ألفًا ثانية؛ كي يكون عنا راضيًا. فتقدم الأعرابي إليه، وقبَّل الأرض بين يديه وأنشد:

سألت الله أن يبقيك ذُخرًا    فما لَك فى البرية من نظير

فمنك الجود والأفضال حقًا  وفيضُ يديك كالبحر الغزير

فقال معن: أعطيناه ألفين على هجونا، فليعط أربعة على مدحنا، فقال الأعرابي: أيها الأمير، أنت نسيج وحدك في الحلم، ونادرة دهرك في الجود، ولقد كنت في صفاتك بين مصدق ومكذب، فلما بلوتك أذهبَ ضعفَ الشكِّ قوةُ اليقين، وما بعثني على ما فعلتُ إلا مئة بعير جعلت لي على إغضابك، فجئت إليك مختبرًا حلمك، فقال معن: لا تثريب عليك. ووصله بمئتي بعير نصفها للرهان والنصف الآخر له، فأخذها الأعرابي داعيًا له شاكرًا لهباته، معجبًا بحلمه وجميل صفاته.

أدب زيارة المريض

تحت هذا العنوان جاءت رسالة الأستاذ/ شعبان عبد العال إبراهيم خليفة - محافظة المنيا - بني حسن الشروق يقول فيها:

ينبغي أن يعلم كل مسلم أن عيادة المريض أمر مرغوب فيه شرعًا وهي حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم. وقد عمل النبي على ترسيخ هذا المبدأ في نفوس أصحابه. فعنه قال: «من أتى أخاه المسلم عائدًا مشى في خرافة الجنة أي طرق الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح» (سنن ابن ماجه). فكان من هديه إذا سمع بمرضِ أحدٍ بادر إلى زيارته والوقوف بجانبه وتلبية رغباته واحتياجاته ثم الدعاء له بالشفاء.

وإن من آداب عيادة المريض:

أولًا: إلقاء السلام والبشاشة بوجه المريض.

ثانيًا: الرقية والدعاء بالصلاح والعافية فقد رقَى جبريلُ عليه السلام النبيَّ فقال: «باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد اللهُ يشفيك، باسم الله أرقيك» (صحيح مسلم).

ثالثًا: مجاملة المريض، فلا بد أن يسأل العائدُ المريض عن حاله ويهوّن عليه مرضه إدخالًا للسرور على نفسه؛ لأن السرور يشد العزم ويرفع من معنوية المريض.

رابعًا: لا يطيل العائد الجلوس عند المريض خوفًا من الضجر.

خامسًا: يجب على الزوار عدم تشكيك المريض بطبيبه أو خطته العلاجية؛ لأنهم بذلك ينزعون ثقة المريض بطبيبه. فالأفضل أن ينحصر الموضوع بالتذكير بالله تعالى ونبيّه الكريم.

(1) تحت راية القرآن - الكاتب الكبير مصطفى صادق الرافعي.

(2) انظر كتاب (أشتات مجتمعات فى اللغة والأدب) للأستاذ/ عباس محمود العقاد.

gomaa_m99 @yahoo.com

قراءة (7681)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
12345الأخير