18 فبراير, 2017

الشاشة الفضية .. وهيبة عالم الدين

الشاشة الفضية .. وهيبة عالم الدين

حبكة درامية وشخصية فكاهية وزى أزهرى.. أدوات استخدمتها السينما المصرية على مر العصور لوضع عالم الدين فى هذا القالب السيئ، وأظهرته بصفات السخرية والاستهزاء تارة والنفاق والضلال تارات أخرى، ما ينتج عنه ضياع هيبة عالم الدين .

"صوت الأزهر" تناقش القضية مع علماء الدين وأهل الفن للتنبيه بخطورة إعادة إنتاج مثل هذه الأعمال.

فى البداية، قال الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين، إن هناك الكثيرين من مؤلفى الأفلام وكتاب السيناريو معروف موقفهم من الأزهر الشريف وكيف يضعون السم فى العسل، مطالباً باتخاذ خطوات صارمة فى هذا الصدد لحساسية الموضوع ومكانة شخصياته عند الناس لكونهم يقودون الصفوف الأولى فى الصلوات، وهم من أسند لهم رئيس الجمهورية مهمة تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف دون غيرهم.

تشويه متعمد

ويقول الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية السابق، إن التعرض لعلماء الدين بهذه الطريقة ينم عن جهل القائمين على هذه الأعمال، خاصة أنهم غير مدركين لمكانة وأهمية الدور الذى يقوم به عالم الدين فى التوعية والسماحة والحلول الوسطية التى يطرحه والأفكار التى تهدى الكبير والصغير، لكن نادرًا ما تجد مسلسلا أو فيلمًا يعرض صورة حقيقية للداعية، موضحًا أن الدعاة ليسوا بهذا السوء من التصرف المعروض على الشاشة الفضية، منددًا بعدم عرض النماذج الصالحة وتسليط الضوء على الصور غير الواقعية.

ضرب التجديد

وأوضح الدكتور محمود الصاوى، وكيل كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة أن الفن رسالته هادفة ينبغى أن تلتزم بها فى ترقية الوجدان وتهذيب الشعور وتثقيف العقول والترفيه المشروع عن النفس وهى مكملة لرسالة الأديان فى المجتمعات ولاشك أن صناعة القدوات مسألة فى غاية الأهمية لكل المجتمعات والشعوب والبلدان، خاصة أن كل مجتمع به رموز ثقافية ووطنية ودينية يجباحترامها، وعدم تشويهها فى أعين الجماهير، خاصة أن علماء الأزهر الشريف لهم دور مؤثر فى تكوين الشخصية المصرية والإسلامية ويمثل علماء رموزا ثقافية ودينية فى المجتمع، مطالباً مؤسسات صناعة الوعى فى المجتمع الحفاظ على هذه المكانة لأن صورة عالم الدين فى الدراما المصرية لا تقدم بالشكل اللائق فى الأعم بل تقدم بصورة سخيفة مزرية تغذى السلوك المتطرف وتهمش الدين فى حياة الناس، وتضرب قضية تجديد الخطاب الدينى التى تنادى بها كل مؤسسات المجتمع، مضيفًا: أن من أهم شروط نجاح عملية تجديد الخطاب الدينى التكامل بين مؤسسات صناعة الوعى فى المجتمع وعلى رأسها الإعلام ووسائله المرئية فى ظل مناخ يعانى من الأمية.

تراث الأمة

ولفت الشيخ عبدالحق الكوانى رئيس المجتمع الفقهية بألمانيا إلى أن الساسة فى الغرب يعطون رجال الدين حقهم ويلجؤون للكنائس ودور العبادة لمساعدتهم فى معالجة قضاياهم النفسية والعملية والظواهر الاجتماعية الخطيرة، موضحًا أن الاستهزاء بهم يعكس الاستهتار بقادة الأمة والتنقيص من قدرهم ويزيد من الحملة الشرسة التى يتعرضون لها، وأن السخرية من رجال الدين على الشاشات صورة من قلب الحقائق، فرجال الدين المسيحى او اليهودى فى أوروبا يتم الحفاظ على مكانتهم دون التشويه المتعمد الذى نجده فى مجتمعاتنا العربية، مشددًا على أن رجال الدين يمثلون جزءًا من تراث الأمة ولهم الدور الأكبر فى التوعية النفسية.

 سيف القانون

وأضافت الدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإنسانية السابقة جامعة الأزهر أن هذه الأعمال تؤدى إلى فقدان الثقة فى علماء الدين وعدم التعويل عليهم كقادة فكر ورأى وتوجيه وإرشاد، ما يفقد المجتمع التمثل بنماذج ما أحوجنا إليها فى هذا العصر الذى هاجمتنا فيه قيم وثقافات مادية خطيرة محملة بعولمة فرضت نفسها علينا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، منددة الاستهتار برجال الدين الإسلامي، خاصة أن الموضوع يحتاج إلى وقفة جادة من الأزهر والدولة والمجتمع لوقف هذه الأعمال غير المسئولة التى تتعارض مع جميع القيم والأخلاق الانسانية، مطالباً سن قانون يجرم كل من يقدم على هذه الأعمال ويتطاول على قامة رجل الدين الأزهرى.

تشويه لغة القرآن

وشدد الدكتور محمد وهدان، رئيس قسم الإعلام بكلية الدراسات الإنسانية، على أن هذه السخرية برجال الدين والزى الأزهرى يترتب عليه أمور عدة أهمها، كما رصدها المتخصصين فى الإعلام الدينى أولا ضياع قيمة اللغة العربية التى يتعمّد بعض الفنانين الاستهزاء بها فى الدراما حتى صارت بعض الكلمات المشتهرة على ألسنة الناس يرددونها استهزاء بالدين مثل: "يا ابنة أبى قحافة، ألا تستحمّ يا حنظلة"، فضلاً عن خطورة هذه الكلمات وأنها تصبّ فى تشويه صورة نساء المؤمنين وأمهاتهم والصحابة ولغة القرآن، إضافة إلى ذهاب الهيبة من القلوب من الدين وأقواله وتعاليمه كما حدث فى فيلم "الزوجة التانية" الذى أظهر الشيخ منافق، وفيلم "الحدق يفهم" الذى صور رجل الدين على إنه سارق البط !!

ولفت وهدان إلى أن هذا يعمل على قلة التحاق أبناء المسلمين بالأزهر فى مراحل التعليم الأولى، وكثرة العزوف عن إكمال التعليم به خوفًا من الصورة الذهنية السلبيّة التى يتم تسويقها عن الدين ورجاله، وسرعة إلصاق التهم بالمتدين والملتزم والأعجب قبول المجتمع بها سريعًا دون تحقيق أو تحقق، مستشهدًا بالحديث الشريف: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، موضحاً أن عزوف الناس عن المشايخ ورجال الدعوة الخوف من إظهار سمات الالتزام بمظاهر الدين خوفًا من الاستهزاء بهم، وبروز ظاهرة الإسلاموفوبيا والخوف من الإسلام، والتسويق لها فى الداخل والخارج.

عقاب رادع

ونددت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر، باستخدام الزى الأزهرى بين أرباب بعض المهن التى لا تمت للأزهر بصلة كالحانوتى والمقرئ والمأذون، ما نتج عنه تناول الأعمال الفنية للشخصيات الدينية بنوع من الاستهزاء دون حماية الزى الأزهرى، مطالبة بتفعيل قانون يعاقب من يرتدى الزى وهو ليس من المؤسسة الأزهرية، وقد تم بالفعل استصدار قانون ولكن المشكلة أن هذا القانون غير مفعل كشأن كثير من القوانين التى يمكن أن تنظم حياتنا وتحمى حقوقنا ولكنها غير مفعلة وكما يقول الحكماء: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، موضحة أن  تصغير الشخصيات الدينية على الشاشات تنفيذ للمخطط الماسونى الذى نصت عليه بروتوكولات حكماء صهيون.

نماذج مشوهة

وقال الدكتور عادل هندى، المدرس المساعد بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، إن صورة الداعية والشيخ والملتحى فى السينما تعددت فيما يتعلّق بشكلِه، أو بطريقته فى الحياة، فما بين وصفه أو إظهاره بشكل متزمت متشدد، متعصّب المريض نفسيًّا أو أن ترسمه بصورة متجهّمة فى الشكل مهلهل الثوب، نصّاب، محتال، مشعوِذ يحتال على الناس، أو درويش عفِن أو جعله سببًا فى خراب الديار والبلاد يُضلّل الناس، أو أنه شهوانى - فضلاً عن اختيار أشخاص اشتهر عنهم الضلال والفسوق والاستهزاء بالدين ورجاله.

وولفت هندى إلى أن الأصل الذى ينبغى عمله لتحقيق مصلحة الدّين والدنيا الحفاظ على قيمة الداعية والشيخ والعالِم حتى لو صدر من بعض المنتسبين إلى الدين أخطاء فهم بشرٌ على كل حال وقد رأينا فى السينما رسم صورة الأزهرى بالنموذج المشوّه، كما حدث فى أكثر من مسلسل وفيلم ومسرحية، دون عرض الشيخ بصورة حقيقية، لا سيما فى بعض الأعمال التى اعتراها نقص وحبكة درامية أذهبَت ملامح الصورة الصحيحة عن الدين ورجاله وعلمائه ومشايخه، منها مسلسل الإمام محمد عبده، والشيخ المراغي، والشيخ الشعراوى –رحم الله الجميع، مشدداً على ضرورة عدم الاستهزاء برجال الدين واحتكار الفهم والحكمة والثقافة، والعمل على وصف علماء الدين بالتخلف والرجعية والأصولية والتزمّت، واعتبار أن الدين الوسطى هو التحرر والتسيّب والابتعاد عن الدين أصلاً.

نقاط مضيئة

ويقول الناقد السينمائى محمود قاسم إن عالم الدين بشر كان له فى فترة من الفترات قدسية شديدة جدا ومكانة عظيمة فى تاريخ السينما مثل شخصية حسين رياض فى سنة 1956 بفيلم بنات الليل وكان يصور دور التصوف والتدين ويجلس بمنطقة السيدة زينب تبركاً وكذلك فيلم قنديل أم هاشم، مشيراً إلى أن هناك مواقف عديدة اظهرت رجل الدين بأنه المناضل الذى يقف ضد الظلم كما حدث فى فيلم بين القصرين بعد وقوف علماء الأزهر مع رجال الدين المسيحى لقيادة المظاهرات التى تناهض الاستعمار، كما أن هناك أفلاما عكست شخصية رجل الدين الذى يساند الباطل أو السلطة كما فى فيلم "الزوجة الثانية"  مشيراً إلى أنها صور واقعية من المجتمع تم التأثر بها وانتقلت إلى الشاشات، كما حدث مع القاضى فى فيلم "قاع المدينة" عندما أغتصب الخادمة وهتك عرضها وهذا الفعل لم يكن فى المحكمة ولكن فى البيت وحياته الشخصية وليس فى عمله الاداري، وبالتالى فهذه الحالة لا يمكن أن تنتقل هذه الصورة على رجال القضاه بالكامل، ولكنها حالة شاذة، مشيراً إلى تعرض رجال الدين المسيحى فى فيلم "عالم مجنون مجنون " لمثل هذه المواقف من الرصد السينمائي، كنوع من اظهار الصورة الحياتية لرجل الدين كشخص مدنى له حياة خاصة مثل سائر الناس.

                                                                  مكاسب مادية

وأشار الدكتور محمد مبارك أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر إلى أن موضوع إظهار الدراما المصرية لصورة عالم الدين الإسلامى يمتد من الفكاهة إلى السخرية، نتيجة عدم وعى بعض هؤلاء الناس بقيمة وأهمية ومكانة رجل الدين سواء كان واعظاً أو مأذوناً، مندداً تحقيق المكاسب المادية على حساب الأخلافية، مشيراً إلى أن غياب الوعى رسخ فى ذهن الكثير من الناس صورة غير سوية عن رجال الدين على اعتبار أن عندهم نهم كبير على الموائد والولائم وأنهم يقولون ما لا يفعلون، ما يدفع الأذى والضرر عن هذه الفئة الطيبة الصالحة، مندداً بعدم وجود قانون أو ميثاق شرف يعاقب من يقدم على هذا العمل.

مصطفى هنداوى

 

قراءة (2937)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
12345الأخير