صدر قبل بضعة أعوام كتاب "بيتر هاينز": "آداب الثقافة لغير المسلمين"؛ كدعوة منه إلى حسن التعامل مع المهاجرين من الدول الإسلامية إلى أوروبا، وفى الطبعة الجديدة التى صدرت منذ أيام، يعتقد المؤلف أن الأشياء البسيطة فى الحياة اليومية مثل: الترحيب الصحيح، أصبحت من القضايا الرئيسة فى فكرة التعايش، ويقول الكاتب: إن إعادة النظر فى نشر الكتاب مرة أخرى كانت خطوة هامة؛ بسبب قدوم عددٍ كبيرٍ من اللاجئين إلى ألمانيا، كما يرى أيضًا ضرورة النظر فى كل شىء يحدث عند التعامل مع المسلمين؛ لذا فإن الباحث الألمانى للعلوم الإسلامية "بيتر هاينز" قدّم فى كتابه أكثر من 200 صفحة فى آداب الثقافة لغير المسلمين، بالإضافة إلى نظرة عامة عن التيارات والمذاهب الدينية الأكثر أهمية، وكذلك المعرفة المعجمية والنظرية، ثم بعد ذلك العملية، ومن أبرز التساؤلات التى أثارها كانت على سبيل المثال: لماذا يهمل المسلمون فى كثير من الأحيان فى أوقاتهم؟ ولماذا لا يأتون فى الوقت المناسب؟! وهذا لا ينطبق على المسلمين فقط، بل على مسيحيى الشرق أيضًا، ويرى الكاتب أن هذا لا ينبع من سوء نية أو عدم احترام للمواعيد، بل هى مشكلة صعبة للغاية فى المدن الشرقية الكبيرة مثل: القاهرة، وبغداد؛ فالشخص يأتى متأخرًا لساعة أو نصف الساعة، والعادة أنه لا يعطى موعدًا محددًا، بل جرت العادة أن يكون الموعد فى صورة "بعد الإفطار" أو "بعد صلاة الظهر"، وما إلى ذلك من صيغ غير رسمية؛ لذلك فوجئ الكثير من اللاجئين فى ألمانيا بأن الحضارة هنا أكثر انضباطًا، ويتوقع "بيتر هاينز" فى كتابه أن اللاجئين لديهم الرغبة فى الاندماج فى المجتمع الألمانى، وعليهم -من وجهة نظره- الاطّلاع على الأعمال الأدبية المنشورة فى تراثهم، باللغات العربية والفارسية ولغات أخرى؛ من أجل تسهيل اندماجهم فى المجتمع الجديد ومعايشتهم لأفراده.
ويرى "المرصد" فى تعقيبه على صدور هذا الكتاب، أن مثل هذه المؤلفات التى تتناول قضايا التعايش والاندماج من الأهمية بمكان، وذلك لعدة أسباب؛ أولها: عملية المقارنة التى تنتهجها فى تناول الحضارتين الشرقية والغربية وطريقة العيش هنا وهناك، والتى تبرز التباين بين هذه الثقافات وأسبابه، الأمر الذى يجعل القارئ يتنبه عن طريق هذه المقارنة إلى الجوانب والاتجاهات والعناصر الجديدة داخل ثقافة هذه البلدان التى هاجر إليها، الأمر الثانى: أن هذه الأعمال لا تتطرق كثيرًا إلى العوامل السياسية أو الدينية أو الاقتصادية التى قلّما تهمّ اللاجئين الباحثين عن الأدبيات "السوسيولوجية" التى تُقدّم بلغة سهلة ميسورة، على غرار هذا الكتاب الذى تحدثنا عنه، يضاف إلى ذلك أمر ثالث مُفاده: أن الكتاب لا يستهدف دائرة القراء الأجانب أو اللاجئين فحسب، بل فيه مادة مهمة يُعنى بها المواطنون فى البلدان الغربية من غير المتخصصين، الذين بات عليهم أن يتعرفوا على الحضارة الشرقية وجوانبها بما فيها من مميزات وعيوب، يجب أن توضع فى الحسبان عند التعامل مع الوافدين من هذه الحضارات؛ لأن عملية الاندماج يجب اعتبارها -أساسًا- مسألة مشتركة بين المواطن الأصلى والوافد عليه، ولا تتحقق بصورتها المطلوبة إلا بدارسةٍ وانفتاحٍ مُتبادَلين بينهما. وأخيرًا، سيواصل "المرصد" تتبعه وتحليله لأهم الأدبيات التى نُشرت أو تُنشر حديثًا، وتُعنى بشأن اللاجئين بشكلٍ عامٍّ، أو بالشأن الإسلامى بوجهٍ خاصٍّ.