04 مايو, 2017

مؤتمر السلام.. فى قلعة الإسلام

مؤتمر السلام.. فى قلعة الإسلام

انطلقت فعاليات مؤتمر الأزهر العالمى للسلام الأسبوع الماضى، بحضور ممثلين عن الديانات السماوية، ووفود من مختلف دول العالم، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وشملت وقائع الجلسة الافتتاحية كلمات لعدد من القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين، بينما بدأت فعاليات المؤتمر بعرض فيلم تسجيلى حول جهود الأزهر الشريف فى دعم السلام، والتسامح والمواطنة.

وألقى القس الدكتور جيم وينكلر الأمين العام للمجلس الوطنى للكنائس بالولايات المتحدة، الكلمة الأولى للمؤتمر، قائلًا: إنه على قناعة بأنه لا يمكن أن يعيش العالم فى سلام حتى يتعلم المسيحيون والمسلمون واليهود العيش فى سلام واحترام متبادل، وأن يعملوا جميعًا لخير البشرية جمعاء، مقدمًا الشكر لفضيلة الإمام الأكبر لدعوته لحضور هذا المؤتمر المهم للسلام، مؤكدًا أن المجتمع المسيحى يُكنّ لفضيلة الإمام عميق الاحترام ويُقدِّرون تواصله مع المجتمع المسيحى، وخاصة رحلات فضيلته فى السنوات الأخيرة إلى الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمى، وكانتبرى، وزيارته لقادة الكنيسة فى ألمانيا.

وأضاف وينكلر أنه يأمل أن يزور فضيلة الإمام الأكبر الولايات المتحدة قريبًا، مؤكدًا أنه على استعداد لمد يد العون والمساعدة لمساعى فضيلة الإمام لإرساء السلام والعيش المشترك.

وأشار وينكلر إلى أن المجلس الوطنى لكنائس المسيح فى الولايات المتحدة الأمريكية يعد صوتًا دائمًا للسلام والمصالحة بين المسيحيين واليهود والمسلمين، وبناء السلام مع جيراننا المسلمين أحد مبادئنا الراسخة، مقدمًا عزاءه لكنائس الشرق الأوسط فى ضحايا تفجيرى كنيستى الغربية والإسكندرية.

ونبه الأمين العام للمجلس الوطنى للكنائس بالولايات المتحدة، بأنه يعمل على تشجيع كنائسنا المحلية على إقامة يوم أحد للاجئين، كما يرفض استخدام الإيمان المسيحى لصالح أغراض عنصرية ضد المسلمين بالإضافة إلى العمل على توسيع الحركات بين الأديان فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومواجهة المحاولات التى تسعى لمنع المسلمين من فرصة بناء المساجد والمراكز المجتمعية.

بينما جاءت الكلمة الثانية للقس الدكتور أولاف فيكس، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمى، والذى أكد خلالها أن مجلس الكنائس يشعر بالامتنان الشديد للأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين بقيادة فضيلة الإمام الأكبر، لعقد هذا المؤتمر فى وقت دقيق وهام تمر به المنطقة.

وأضاف فيكس خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية، أن الهُوِيَّة والنصوص الدينية يساء استخدامها من قبل البعض لإضفاء الشرعية على العنف والإرهاب الذى يرتكبونه باسم الدين، مبينًا أن البشرية يجب أن تنبذ هذه الدعوات لكى تعيش الأجيال المقبلة فى سلام ولكى تتحقق تطلعاتهم وأحلامهم.

وأوضح أمين عام مجلس الكنائس العالمى أن مبدأ المواطنة يجب أن يكون هو المعيار الوحيد للتعبير عن كل المواطنين؛ لأنه يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات، ويمنحهم أرضية مشتركة للتعايش فيما بينهم، مشيرًا إلى أن مجلس الكنائس العالمى ناقش مع مجلس حكماء المسلمين كيفية التعايش المشترك فى مختلف المجتمعات.

ودعا فيكس إلى احترام جميع المواطنين فى الدول الغربية التى تشهد موجات هجرة متزايدة، وأن يكون هناك اندماج إيجابى بين جميع المواطنين فى تلك البلاد، وأن تكفل لهم حرية العقيدة، مبديًا إعجابه بما رآه فى مصر من أمثلة مذهلة تعكس معانى التعايش بين أبنائها، من خلال صور المسلمين وهم يحمون الكنائس ضد العنف، وصور المسيحيين وهم يقدمون المساعدات للفقراء بغض النظر عن دينهم.

وأكد أمين مجلس الكنائس العالمى أن الزعماء الدينيين يجب أن يتحدثوا بصوت واحد ضد دعاة الكراهية، وأن يقفوا مدافعين عن المساواة بين كل البشر، مضيفًا أن المحبة والتعايش لم تعد مجرد رغبة إنسانية، بل مسألة ملحة وأساسية فى وقت تزيد فيه جماعات العنف التى تستغل الدين لتبرير ممارساتها الإجرامية.

وجاءت الكلمة الثالثة لنيافة الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، وممثل قداسة البابا تواضروس بالمؤتمر، الذى أكد على أننا لن نواجه آلات الموت إلا بنشر السلام فى ربوع المسكونة، وأن مصر ستنتصر على الإرهاب بزرع ثقافة السلام والمحبة فى قلوب الناس، مشددًا على ضرورة أن يكون البشر أداة حقيقية لنشر السلام بين الشعوب، وأنه بات على الضمير العالمى الوقوف أمام داعمى الإرهاب ومموليه، ووحدة الصف العالمى فى تجفيف منابع الإرهاب المالى والعسكرى والفكرى.

وناشد ضرورة السعى قدمًا لإنهاء البؤر الاستعمارية فى العالم كما هو الحال فى فلسطين، وكذلك تقليل الفجوة الاقتصادية بين الدول الغنية والفقيرة والسعى لوجود حد أدنى لمستوى معيشة الفرد فى كل بلدان العالم لأجل الوصول إلى مبتغانا من التعايش السلمى بين الجميع، مشيرًا إلى أن الأوضاع الاقتصادية حول العالم تستدعى عمل الأغنياء بجدية على التكافل الاجتماعى لتقليل الفروق فى المستوى المعيشى بين أفراد الدولة الواحدة لنشر السلام الاجتماعى.

فيما ألقى الدكتور محمد عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى، الكلمة الرابعة بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأزهر للسلام، قائلًا خلالها: إنه من دواعى السرور أن نجتمع اليوم فى ضيافة الأزهر ذلك الصرح العالمى الكبير لنتناول الحديث عن موضوع غاية فى الأهمية تقوم عليه حياتنا وتآلفنا وتراحمنا.

وأضاف العيسى أن السلام مكسب عظيم للعالم أجمع وهو مبدأ دين الإسلام، لافتًا إلى أنه لا يتحقق إلا بالحوارات التى تتم بين وقت وآخر مع الإصرار على تنفيذ الأطروحات والتوصيات مؤكدًا أنه لا سلام إذا ازدوجت المعايير ولا سلام إذا هيمنت قوى وحدها لتطبيقه، ولكن السلام يأتى بصفاء الوجدان حتى يكون سلامًا حقيقيًّا ينبذ خلق الكراهية البغيض.

وأشار إلى أن خطأ التشخيص وخطأ المعالجة يأتى من الصدام الدينى والتاريخى، والعلاج الصحيح يأتى من الإيمان بالتنوع وطبيعة الاختلاف وتقبل الآخر، مضيفًا أن الإرهاب ليس له دين ولا مدارس معينة ولا وطن حتى نقصره على الإسلام، سائلًا المولى -عز وجل- أن يبارك فى هذا المؤتمر وأن يجزى القائمين عليه خير الجزاء.

وألقى الكلمة الخامسة البطريريك برثلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، قائلًا: إنه خلال عقدين شهدت البشرية هجمات مستمرة تسببت فى الموت والأذى لملايين الأشخاص وأصبح التهديد الأخطر فى المجتمع المعاصر هو تهديد الإرهاب؛ مما أسفر عن اتهام دائم للأديان صراحةً بالتحريض على الإرهاب والعنف، والأديان من ذلك براء، مؤكدًا أنه يجب أن نروّج للحوار فى مواجهة العنف والهجمات على الكنائس القبطية؛ من أجل تحقيق التعايش المشترك بين الشعوب.

وأعرب خلال كلمته عن سعادته البالغة للمشاركة فى هذا المؤتمر مهنئًا الإمام الأكبر على تحليه بالرؤية والشجاعة لينظم هذه المبادرة المهمة التى تروج للسلام بين رموز كافة الأديان، مقدمًا تعازيَه لكل الشعب المصرى، معبرًا عن أن الأديان ارتبطت بالحوار والمحبة واحترام هُوِيَّة الأفراد وحضارتهم وإقامة الحوار الهادئ الذى يحقق السلام الذى يؤدى إلى تعميق الحوار وتحقيق الإنجاز للبشرية

وأضاف البطريرك أن العالم كله مسئول عن احترام الكرامة البشرية، والقيم الإنسانية، فالأديان يمكنها أن تخدم كأدوات للسلام والفهم المشترك؛ ولهذا فإن الحوار بين الأديان يعترف بالاختلاف بين التقاليد الدينية المختلفة، معتبرًا أن المؤتمر فرصة عظيمة للتأكيد على أن الإيمان يجب أن يستخدم لتضميد جرح الآخر لا إلى إشعال حروب جديدة، وأن السلام الحقيقى فى العالم ليس غياب الحرب فقط بل أيضًا سيادة الحرية والعدالة والتضامن، ووظيفة الدين أن يرشد الناس نحو القيم والتفاهم المشترك وهذا هو صلب التقاليد الدينية، ولذلك فالإنسانية تستحق المزيد وهذا هو التحدى الأكبر أمام الأديان.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الإسلام لا يوازى الإرهاب ولا يجب ربط الدين بالجوانب السلبية، بل يجب تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك بين البشرية، فالأديان يمكنها أن تكون جسورًا للتعاون والاحترام وتعزيز السلم والتعايش والتعاون بين كافة الأعراق عن طريق الحوار بين الأديان، والعنف باسم الدين مرفوض، والأصولية هى مجرد حماسة متزايدة ليست مبنية على المعرفة، والحوار بين الأديان والسلام لا يتحقق من خلال القوة بل من خلال الحب والإيثار والتعايش الإيجابى، ويمكننا مواجهة التحديات بالتعاون معًا، فليس هناك دولة أو علم أو دين يستطيع أن يعمل منفردًا بل يجب التعاون المشترك فمستقبلنا مشترك والطريق نحو المستقبل هو الرحلة المشتركة، فإسهام الدين مهم للغاية فى بحثنا المشترك عن السلام، والمطلوب من الأديان إرشاد الناس حول القيم المشتركة وتعزيز قيم التعاون والتعاطف والحب المشترك.

من جهتها، قالت الدكتورة أمل عبدالله القبيسى، رئيسة المجلس الوطنى الاتحادى لدولة الإمارات العربية المتحدة: إن السلام هو تحية الإسلام الخالدة ودعوة الأديان السماوية وقيمة إنسانية غالية راح ضحية غيابها الكثير من الأبرياء من كافة الأديان على حد سواء جراء الحروب والصراعات أو فى اعتداءات إجرامية آثمة، مشيرةً إلى أن السلام مطلب حيوى وأمر حتمى للعالم أجمع، وهو لن يتحقق إلا بتحملنا مسئوليتنا تجاه اختلافاتنا الإنسانية، وأن نسعى للبحث عن المشترك بيننا ونقبل المختلف بيننا.

وأكدت القبيسى أن هذا المؤتمر العالمى فى حضور رموز وقامات دينية وسياسية وفكرية وثقافية لها جهود وأدوار واضحة فى السعى نحو السلام، وهذه الرؤية الحضارية لا يمكن أن تتجسد بشكل أكثر وضوحًا من تجمعنا هنا اليوم، وهو ما يوجب علينا التقدم بخالص الشكر والتقدير والامتنان لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لدعوته لهذا المؤتمر، منوهةً إلى أنه من المؤشرات الإيجابية أن يُناقش موضوع السلام بتنظيم من الأزهر الشريف الذى كان -وما زال- صرحًا عريقًا للاعتدال، وقلعة شامخة للدفاع عن التعايش والتسامح، على أرض مصر الشقيقة، أرض السلام، مهد الحضارة، وملتقى الأديان والثقافات.

وأوضحت القبيسى أن السلام لا بد أن يتحقق بالحوار الذى هو السبيل لبناء المشتركات وتكريس التفاهم وأسس التعايش، فالتعايش ثراء وتنوع وتفاعل حضارى بنّاء، مشيرةً إلى أن السلام لم يعد مفهومًا مرتبطًا بالعَلاقات بين الدول، بل بات مطلوبا وبإلحاح داخل كل دولة على حدة، كونه ركيزة جوهرية للاستقرار والعيش المشترك بين المكونات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية للدول، باعتبار أن الاحترام المتبادل وقبول الآخر ثوابت تنطبق على الأفراد كما تنطبق على الدول.

وشددت القبيسى على أن التنمية وتلبية تطلعات الشعوب تتطلب ثقافة راسخة للتعايش، والذى يوفر بدوره بيئة مجتمعية ملائمة للاستقرار والعمل والإبداع، وأن تأسيس مجلس حكماء المسلمين الذى يترأسه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، يأتى انطلاقًا من إيمان لا يتزعزع بحتمية تعايش الأديان والحضارات والثقافات، وقد لعب منذ تأسيسه دورًا حيويًّا فى تقديم الصورة الحقيقية للإسلام فى مختلِف أرجاء العالم، وتعزيز السلام والتسامح والعيش المشترك والتقارب بين الأديان.

وقالت: إن التطرف والغلو قد أساء للإسلام إساءة كبيرة، ودفع ضريبته المسلمون فى مناطق شتى من العالم، مشددةً على ضرورة الفصل التام بين الإسلام والإرهاب، وأن يكون الفصل واضحًا لا جدال فيه، دينيًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا وفكريًّا، فتخليص صورة الإسلام، بل الأديان جميعها، من براثن الإرهابيين أولوية قصوى لتحقيق التعايش الحقيقى، مشيرةً هنا إلى دور القيادات الدينية فى مواجهة التطرف والإرهاب وأن الشعوب تنظر إلى القيادات الدينية لتكون بوصلة لقيمها والقيم التى تحكم مجتمعاتها على اختلاف مشاربها، وهذه المسئولية تفرض على هؤلاء القادة أن تكون مواقفهم الإنسانية والسياسية والدينية درسًا فى التوافق المجتمعى، وتفرض مزيدًا من الجهد لتحقيق السلام بين الشعوب.

قراءة (1264)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
12345الأخير