يحرص الأزهر الشريف، من خلال جهوده فى تطوير المناهج الأزهرية - التى تواجه هجمة شرسة بلا سند ولا دليل - على تعريف أبنائه بالحقوق والواجبات التى عليهم أن يؤدوها سواء لوطنهم أو لمجتمعهم، وبالمسئولية التى عليهم أن يتحملوها فى سبيل الدفاع عن دينهم ووطنهم، وفى هذا الإطار وضعت لجنة إعداد وتطوير المناهج بالأزهر بعض الدروس التى تتضمن بعض الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، التى تدعو إلى مواجهة الفساد، وبيان جزاء المفسدين فى الأرض، وكيف نحافظ على النفس الإنسانية ونعلى من قدرها.
حيث جاء فى كتاب «أصول الدين» للصف الثالث الإعدادى الأزهرى، فى الصفحة رقم «66»، درس كامل عن الفساد، وجاء عنوانه «جزاء المفسدين فى الأرض»، وقد تناول الموضوع تفسيرا للآيات الكريمة من سورة المائدة، من قوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وساق الكتاب معانى المفردات التى وردت فى الآيتين الكريمتين، موضحاً تعريف المحاربة، والتى هى كل الأعمال الإجرامية التى تلحق الضرر بالناس وتقطع عليهم الطريق، معرفا أيضاً الفساد، وهو كل ما يخرج عن وضعه الذى يكون نافعا إلى حالة الضرر، مبينا أيضاً حكم الإفساد فى الأرض، وجزاءه الذى نص عليه القرآن الكريم.
وقال الكتاب فى بيانه حول جزاء الإفساد فى الأرض، ان تعاليم الإسلام الحنيف تدعو إلى إقامة مجتمع متماسك يسوده الأمن والأمان، وينعم فيه الناس بالاستقرار والأمان، وحتى يتم هذا المقصد ويتحقق هذا الهدف المنشود، بينت الآيات العقوبة التى ساقها الشرع الحنيف لمحاربة هذه الجريمة الكبيرة والتى هى أصلا لجرائم، مشيراً إلى أن هذه الجريمة تنطبق حرفيا على كل من يقوم بترويع وتهديد الآمنين.
وقد بدأت الآية الكريمة بالتأكيد فى قوله تعالى «إنما جزاء» تأكيدا لعظم الجرم المرتكب، وتأكيدا للعقوبة التى يجب أن يستحقها مرتكبها، مبينة أن العقوبة هنا جاءت تقديرا للذنب المرتكب، فقد جعل الإسلام هذا الذنب بمثابة محاربة الله تعالى ورسوله، لأنه اعتداء على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم، ولذا أجاز الشرع للحاكم أن يقتل المفسدين فى الأرض، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف جزاء لما ارتكبوه من ذنب، فى حالة أخذهم المال وقتلهم النفس أو استحلالهم للعرض، أما فى حالة أخذهم المال فقط فللحاكم أن ينفيهم من الأرض، مشددا على أن هذا عقابهم فى الدنيا، أما عقابهم فى الآخرة فهو خزيان وعذاب عظيم لا يستطيع أحد أن يتحمله، إلا من تاب توبة خالصة لله فإن حد الحرابة يسقط عنه، ويبقى القصاص جزاء ما ارتكب.
وأشار الكتاب إلى أن هذا النص القرآنى يقطع الطريق على كل من تسول له نفسه أن يسعى فى الأرض بالفساد، بأى وسيلة من الوسائل، من اعتداء على الناس والممتلكات والأعراض، مبينا أن هذا التشريع يحفظ المجتمع ويؤمنه من الإفساد.
وفى ذات الكتاب، فى الصفحة رقم «75» فى موضوع بعنوان (من مقاصد الشريعة حفظ الأعراض) فى تفسيره للآيات الكريمة من سورة النور، من قوله تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ....)
وأشار الكتاب فى شرحه للدرس إلى أن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، تحفظ فيه الحرمات، وتصان فيه الأعراض، وتعلو فيه قيم الطهر والعفاف، ولذا جاء التوجيه الربانى والأمر الإلهى للمؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم، وبأن يحفظوا فروجهم، وقد بدأ بغض البصر فى التحذير، لأنه الباب الأكبر إلى القلب، ولأن النظرة سهم مسموم، ولأن النظرة ذريعة لارتكاب المعصية.
وتابع الكتاب فى شرحه للدرس، بأنه لما كانت النساء كالرجال، وهن شقائق الرجال، تجرى عليهن نفس الأحكام اتبع الله تعالى نفس الخطاب، بأمر خاص للنساء، بأن يغضضن من ابصارهن، وأن يحفظن فروجهن، ولا يظهرن مواضع زينتهن، إلا ما جرت العادة بكشفه كالوجه والكفين.
حسن مصطفي