تتميز ألمانيا بوجود تنوع فى الأديان والثقافات، حيث يضمن دستورها حرية ممارسة العبادة وقد ساعد هذا الحق الدستورى الملايين من المسلمين على الاندماج هناك وبناء دُور عبادةٍ لهم. ولايزال عدد من قضايا «المسلمين فى ألمانيا» محور جدل ونقاش، حيث يعيش فى ألمانيا نحو 4.8 مليون مسلم، معظمهم من الأتراك، الذين جاءوا مع عائلاتهم إلى ألمانيا خلال الستينات ومطلع السبعينات، وتُثير هذه القضية الكثير من المناقشات فى الأوساط السياسية والبرلمانية والبلدية والثقافية، خاصةً عند الحديث عن حقوق أبناء هذه الأقلية الدينية فى إقامة مساجد ومقابر لهم فى أماكن إقامتهم، وكذلك عند الحديث عن حق الفتيات المسلمات فى ارتداء الحجاب فى المدارس الألمانية، ومعارضة بعض الجهات السياسية والاجتماعية والثقافية الألمانية لهذا الموضوع. فعلى الرغم من أن الدستور الألمانى ينص فى مادته الرابعة على حرية المعتقدات الدينية وحرية التعبير عن الرأى، كما ينص أيضاً على المساواة بين الألمان والأجانب فى الحقوق والواجبات كافةً وكذلك احترام كرامة الإنسان وحريته الشخصية، إلا أن الاتجاه العام فى الدولة يتحفظ على وجود شعارات دينية فى أماكن التعليم والدراسة انطلاقاً من أنها تشير إلى نوع من أنواع التمييز الدينى المخالف أيضاً للتوجه العلمانى للدولة، هذا كله بغض النظر عن أن الموضوع فى غاية التشعب والتعقيد، خاصة أننا نتحدث هنا عن دولة يحكمها قانون فيدرالى يتنوع من ولاية لأخرى فيما يخص التعليم والأسرة فى المقام الأول.
وتشير المعلومات التى نشرها المعهد المركزى لأرشيف الإسلام فى ألمانيا، أن عدد المساجد وأماكن العبادة الإسلامية الموجودة فى ألمانيا يُقدر بنحو 2900 مسجد ودار عبادة، إلى جانب عدد كبير من أماكن العبادة الصغيرة الملحقة بأماكن عمل أفراد الجاليات الإسلامية، خاصة التركية، والقاعات التى تستأجر أحياناً لقضاء صلاة الجمعة والعيدين ولا تعترف بها الجهات المحلية الألمانية باعتبارها مساجد رسمية، وما زال النقاش يدور حول وضعها القانونى واعتراف بلديات المدن بها رسمياً.
والواقع أن بناء المساجد الجديدة فى ألمانيا يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية وفتح ألمانيا الغربية آنذاك أبوابها للأجانب والعمال الأجانب الذين تدفقوا عليها خلال فترة النماء والازدهار التى أعقبت هذه الفترة التى يُطلق عليها اسم فترة المعجزة الاقتصادية الألمانية، ويرجع سبب عدم وجود مساجد عديدة فى ألمانيا قبل ذلك هو بقاء ألمانيا بعيدة عن آسيا وأفريقيا، على العكس من الدول الاستعمارية الأخرى كبريطانيا وفرنسا، حيث اقتصرت على عدة مساجد قليلة، منها المسجد الموجود فى منطقة «فليمرسدورف» فى برلين الذى شيد فى عام 1924، قبل إنشاء مساجد بمعناها الحقيقى فى مطلع الستينات من القرن الماضى، كما هو الحال فى مسجد الإمام على بمدينة «هامبورج» عام 1961 ومسجد بلال فى مدينة «آخن» عام 1964 ومسجد المركز الإسلامى فى مدينة» ميونيخ» عام 1967، لكن هذه الصورة تغيرت بصورة جذرية فيما بعد، وذلك عند بدء تشييد بعض من أفراد الجالية التركية مساجد ذات طابع تقليدى، تضم مآذن وقبباً وقاعات واسعة للصلاة، وذلك فى مطلع الثمانينات.
ويبلغ عدد المساجد ذات الطابع الإسلامى والعمران التقليدى فى ألمانيا اليوم نحو 206 مساجد، أهمها تلك الموجودة فى المدن الألمانية الكبيرة كمدينة «برلين «وبون» وفرانكفورت «وكولونيا» وهامبورج» و«مانهاين» و«دورتموند» و«دويسبورج»، أو فى المدن والبلديات الصغيرة المنتشرة فى المناطق الصناعية والإنتاجية المكتظة بالعمال الأجانب، خاصة الأتراك، فى الوقت نفسه الذى تم فيه توسيع أماكن الصلاة والعبادة الإسلامية وتطويرها وإضافة القبب والمآذن إليها، كما هو فى كل من: مدينة «بوبلينجن» و«ديللنبورج وهام» و«ازرلون» و«نبورتسهايم» و«نسيلنج» إلى آخر ذلك.. الأمر الذى أضفى على هذه الأماكن طابع الوجود والديمومة، والطابع الرسمى باعتبارها تابعة للهيئات والجمعيات الإسلامية المسجلة رسمياً لدى الجهات المختصة، والتى تنتشر فروعها فى معظم أنحاء ألمانيا.
وواجه تشييد المساجد الإسلامية فى معظم المدن والبلديات الألمانية خلال الثلاثين عاماً الماضية مناقشات صعبة شارك فيها الرأى العام الألمانى ووسائل الإعلام الألمانية المختلفة والسلطات الإدارية المختصة، بل إن بعضها وصل إلى ساحة القضاء الألمانى بدرجاته المختلفة، وقد دار معظمها حول مكان المشروع والترخيص له وشكل البناء من الناحية المعمارية والهندسية، وارتفاع المآذن والسماح باستخدام مكبرات الصوت فيها، ومدى استعداد السلطات المحلية للموافقة على بناء مساجد إسلامية خاصة أن الهيئات الإسلامية الموجودة فى ألمانيا لا تملك حتى الآن صفة الشخصية القانونية العامة وبالتالى حق إقامة «مراكز دينية»، كما تنص عليه التشريعات الألمانية، يضاف إلى ذلك الأسباب التى تتمسك بها بعض البلديات الألمانية فى رفضها الترخيص ببناء مساجد إسلامية فى وسط المدن والمناطق المكتظة بالمواطنين وحركة المواصلات والمساكن، كعرقلة حركة المرور والازدحام خلال أوقات الصلاة والضجيج وازعاج الجيران.
وفى إطار متابعة مرصد الأزهر الشريف لأحوال المسلمين بصفة عامة وكل القضايا المتعلقة بالمساجد فى ألمانيا، فإنه من الجدير بالذكر أن يُلقى المرصد الضوء على مشروع القانون الخاص بالإسلام والمسلمين فى ألمانيا، والذى يتردد صداه فى ساحات الإعلام فى الآونة الأخيرة، فقد نشر «ردايو ألمانيا» مقالاً للسياسى الألمانى «جنز شُبان»، عضو الحزب المسيحى الديمقراطى بالبرلمان الألمانى، والذى يتساءل فى هذا المقال: «هل ينبغى سَنَّ مشروع قانون جديد خاص بالإسلام فى ألمانيا؟ ففى ألمانيا لا يجد المسلمون شريكاً للحوار معهم؛ ولذلك ينبغى أن نطرح مشروع القانون للنقاش، هذا القانون سيكون معنياً بعملية تأهيل الأئمة واستيعاب المساجد وكذلك مناقشة مسألة تمويل المساجد والجمعيات الخيرية الإسلامية فى ألمانيا».
وطبقاً لما صرح به «جنز شبان» لصحف إذاعات المجموعة الإعلامية، فإنه يقترح سن مشروع قانون خاص بالإسلام فى ألمانيا، يعمل هذا القانون على تنظيم عملية تأهيل الأئمة ومدرسى التربية الدينية ورجال الدين، كذلك يجب على القائمين على أمر المساجد والجمعيات الإسلامية التقدم لتسجيل بياناتهم بقاعدة البيانات الخاصة بالدولة بموجب هذا القانون؛ فنحن لا نستطيع الآن أن نعرف إطلاقاً، كم عدد المساجد فى ألمانيا، ولا أين تُوجد، ولا من يُمولُها؟.
وأضاف «شبان» أنه دشن هذه الحملة لأنه لا يوجد شريك رئيسى من المسلمين يمكن التحاور معه فى ألمانيا، فالجمعيات السياسية الإسلامية فى ألمانيا لا تمثل إلّا فئة قليلة متحفظة جداً من المسلمين، وهذا تمثيل مُزّيف بالنسبة للمسلمين فى ألمانيا، وقد دعا «شبان» إلى إجراء اختبارات فى اللغة للأئمة، وعلق قائلاً: «يجب أن نعرف ماذا يحدث فى المساجد». فمثل هذا الأمر سيساعد على إزالة الأحكام المسبقة أو الحد منها على الأقل؛ فالخطب القٍيمة التى تُلقى بالألمانية، يستطيع أى شخص أن يفهما، أما الخطب التركية والعربية فهى على خلاف ذلك. وكثير من أئمة المساجد فى ألمانيا يتم إرسالهم وتمويلهم من الخارج. ولذلك فإنه يجب المساهمة فى تمويل هؤلاء الأئمة من أموال الضرائب، وهذا مطلب صعب ولكن هذا بالنسبة لى شخصياً أفضل من أن يتم تمويلهم من تركيا أو المملكة العربية السعودية، وبالتالى ينبغى على المسلمين أن يدفعوا ضرائب للمساجد كما تدفع الكنائس، إذا توافرت الرغبة لدى المسلمين فى ذلك وأراد المسلمون المطالبة بحقهم من أموال الضرائب. وبسبب انشغال الساحة الألمانية وتركيزها على مشروع القانون الخاص بالإسلام والمسلمين فى ألمانيا، فقد جاء فى صحيفة فوكوس الألمانية خبًر بعنوان: «المسلمون فى ألمانيا، حيث يرغب السياسيون الكبار فى الحزب المسيحى الديمقراطى بسن قانون خاص بالإسلام فى البرنامج الانتخابى، هذا وقد نادى معظم السياسيين بالحزب المسيحى الديمقراطى بوجود قانون إسلامى فى البرنامج الانتخابي؛ من شأنه أن يمنع تمويل المنظمات الإسلامية من خارج البلاد وأن يوفر رعاية روحية من قبل رجال الدين الإسلامى فى السجون والمستشفيات. والى جانب ذلك قالت نائبة رئيسة الحزب يوليا كلوكنر «إن القانون الإسلامى يمكنه أن يضع حقوق وواجبات المسلمين فى ألمانيا من خلال أسس قانونية جديدة».
وتحدثت كلوكنر عن الوضع القانونى أيضاً للمنظمات الإسلامية واتحادات المساجد، ونادت بتسجيل المساجد، لمعرفة كم مسجد يوجد بالضبط فى ألمانيا وأين توجد تلك المساجد ومن يدعمها ويمولها.
وطالب العضو بالمجلس الرئاسى للحزب الديمقراطى المسيحى ينس شفان بضرورة أن يكون هناك امتحان فى اللغة الألمانية للأئمة قائلا: «يجب أن نعرف ما يحدث فى المساجد. والخطب الإسلامية بالألمانية ستساعد فى بناء أحكام مسبقة. يمكن لأى شخص أن يفهم الخطب الكاثوليكية، لكن التركية والعربية لا. كثيرون ممن يعظون فى المساجد يرسلون ويمولون من الخارج ولا يعرفون الألمانية. وهؤلاء الأئمة المستوردون من شأنهم أن يؤدوا إلى حالة من عدم الاندماج (التفكك)». كما طالب شفان بضرورة فرض ضرائب كنيسة يمول منها تدريب الأئمة ومعلمى الدين، وأشار إلى أن هذا الأمر سيدور حوله نقاش صعب. ويرى شفان أن التمويل من الداخل أفضل بالنسبة له من المال الذى يأتى من تركيا أو من المملكة العربية السعودية. وتحدث شفان عن فرض ضرائب كنيسة على المسلمين أيضاً. وذكر رئيس اتحاد الشباب «باولزيمياك» مؤيدا ما قيل مصرحٍا بأن النقاش حول وضع القانون الإسلامى قد بات ضرورة، ينبغى بأن تعرف الدولة أين توجد المساجد وماذا يحدث فيها. وأشار إلى أن الاندماج يفشل حتما إذا كانوا فى المساجد لا يتحدثون الألمانية ويقدمون وعظا عن الإسلام المتطرف.
المعاهد العليا لدراسة
العلوم الإسلامية
فألمانيا تهتم بتهيئة النشء المسلم لتحقيق تكامل أفضل فى المجتمع الألمانى، وقد بدأت بإنشاء معهد للدراسات الإسلامية بجامعة «هومبولت» فى برلين، وهو سادس معهد للدراسات الإسلامية فى ألمانيا، فقد بدأ العمل على إنشاء هذا المعهد وترأس إدارته شخصية ألمانية وليست شخصية مسلمة ويعمل هذا المعهد على تثقيف وتدريب الأئمة، الذين تأثر أغلبهم بالطابع العربى أو الطابع التركى. وفى هذا الصدد أشارت إذاعة ألمانيا إلى أنه قد تم اختيار السيد «ميخائيل بورجولت» لإدارة الجامعة وهو مؤرخ متقاعد، كان مجال عمله يتمحور حول تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى، وهكذا اختارت جامعة» هومبولت» واحدا من أفضل العلماء لديها فى مقابل شخصية مسلمة من أصول أجنبية، وقد بررت السيدة «زابيناكونست» رئيسة الجامعة اختيارها للسيد «ميخائيل بورجولت» قائلة: «لقد درس الرجل أُسس الحضارة الأوروبية وتاريخ أوروبا، ولم يتوقف الرجل فى دراسته عند دراسة المسيحية واليهودية بل انشغل أيضاً بالتزامن مع هذا بدراسة الإسلام والمسلمين الأوروبيين وصبغ هذه الدراسة بالصبغة الأوروبية بطريقة علمية خلال عقود من العمل الدؤوب والمتواصل».
تدريب الأئمة والدراسة الجامعية والماجستير
صرّحت إدارة الجامعة بأن الهدف من المعهد هو دراسة العلوم الإسلامية بصفة عامة وكذلك دراسة البكالوريوس والماجستير وتأهيل الكوادر التعليمية، هذا وقد رصدت الجامعة مبلغا قيمته 13 مليون يورو لتمويل منح دراسية حول موضوع» الإسلام والمجتمع». وصرح السيد «ميخائيل بورجولت» المكلف بإنشاء هذا المعهد قائلا: إن إنشاء معهد للدراسات الإسلامية بهدف تدريب الكوادر التعليمية على التدريس فى المدارس أو التدريس فى الجامعات هو وسيلة فعّالة لتحقيق الاندماج التام للمسلمين فى المجتمع وهذه غاية يٌبذل فى سبيلها كل نفيس».
إشكاليات حول سلطة تفسير الإسلام
أول مشكلة ستواجه «ميخائيل بورجولت» هى المجلس الاستشارى للمعهد، حيث انسحب العلويون من هذه الهيئة وتسبب وجود اتحاد جمعيات المساجد الإسلامية التركية بألمانيا (ديتيب) فى أزمة كبيرة ولذلك صرحت الليبرالية المسلمة ومحامية حقوق الإنسان السيدة «عيران اتيس» بأنه يجب استبعاد ممثل اتحاد جمعيات المساجد الإسلامية التركية بألمانيا من الهيئة الاستشارية للمعهد؛ فقد رفضت السلطات الألمانية التفاوض مع ممثلى الاتحاد ورفضت الاعتراف لهم بسلطة تفسير الإسلام، لأنهم إذا تعاملوا مع هذا الاتحاد، فإنهم بالتالى يتعاملون مع تركيا وبالتالى مع السيد أردوغان نفسه، وهذا ما لا تريده الآن ألمانيا. لا يرى المُفَوض بإدارة المعهد فى الاتحاد التركى حَجَر عَثْرة فى طريق المجلس الاستشارى، صرحت إدارة الجامعة بأن الاتحاد ليس مخصص له سوى 15 مقعدا فقط فى المجلس الاستشارى وبالتالى لا يستطيع أن يحدد بمفرده سير عمل المجلس الاستشارى وبناءً على ذلك فليس هناك مشكلة من وجود الاتحاد التركى فى المجلس.
عندما يأتى الطلاب المسلمون للدراسة فى جامعة «هومبولت» فإنهم سيطالبون ببناء مكان للصلاة لهم داخل حرم الجامعة مثل ما هو الحال فى الجامعات الأخرى، وبالنسبة لإدارة الجامعة فإنها ترفض مثل هذا الأمر إطلاقاً، بحجة أن الجامعة إذا كانت تدعم البحث العلمى والتوجيهات العملية من ناحية، فإنها على الجانب الأخر مٌلزمة أيضاً بالحيادية، ولذلك لا يُسمح ببناء أماكن للصلاة للمسيحين ولا لليهود فكيف يُسمح إذاً بها للمسلمين؟!.
افتتاح مساجد جديدة رُغم
الأجواء المناهضة
على الرغم من الاتجاه السائد فى ألمانيا كبلد من بلاد الاتحاد الأوروبى ضد كل ما هو إسلامى بسبب ظاهرة الإسلاموفوبيا، المنتشرة حول العالم فى هذه الأيام، والتى تعتبر نتيجة طبيعة للأحداث التى تُرتكب باسم الدين الإسلامى أزمنة وبقاع مختلفة حول العالم، فقد اورد راديو أوسبروج خبراً عن افتتاح رسمى لمسجد بمدينة «أوسبروج» للطائفة الأحمدية فى أبريل الماضى بعد سنوات طويلة من المماطلة. هذا ويُذكر أنه قد تم وضع حجر الأساس لهذا المسجد فى عام 2009، ولكن جماعة الأحمدية الإسلامية لم تتمكن بالفعل من الشروع فى البناء فى ذلك العام وذلك بسب نزاع قضائى من أحد الجيران ضد بناء المسجد وعدم التوصل إلى اتفاق مما تسبب فى تأخير بداية العمل بالمسجد مدة عام كامل، هذا وقد تم الاتفاق كذلك على التنازل عن بناء مأذنة للمسجد والاكتفاء بالبرج فقط. وقد أعلنت جماعة الأحمدية بمدينة «أوسبروج» بأنه سيتم افتتاح هذا المسجد، الذى بلغ تكلفة بنائه نحو 600.000 يورو، بحضور الأب الروحى للجماعة «الخليفة حضرت الميرزا مسرور أحمد».
خُطب الجمعة فى مِرآة السياسة والصحافة الألمانية
وفى إطار متابعة ما يدور فى المساجد فى ألمانيا فقد قام أحد الصحفيين الألمان (كونستانس شرايبر)، الذى يجيد اللغة العربية بمتابعة خطب الجمعة فى مساجد مختلفة بألمانيا على مدار أربعة أشهر متصلة وقام بتسجيل كل ما سمعه من أئمة هذا المساجد فى كتابه (الإسلام من الداخل)، الذى أثار ضجة كبيرة بين السياسيين والصحفيين فى الإعلام الألمانى، فخُطب الجمعة فى مِرآة السياسة والصحافة فى ألمانيا بعد هذا الكتاب وقبلة تمثل عائق أمام الاندماج؛ فأغلب الخطباء لا يجدون اللغة الألمانية ويُلقون خُطبهم باللغة العربية أو التركية، كما أن موضوع الخطبة لا علاقة له فى الأعم الأغلب بالسياق الألمانى، بل هو معزول عنه ومفصول منه، فأغلب الخطباء يعتبرون الاندماج خطرا على هُوِّيتهم، وذوبان لقيمهم الدينة ألتى نشأوا عليها، كما أن كثيرا من الليبراليين لا يحضرون إلى خطب الجمعة بسبب تشدد الأئمة وتزمتهم، ومن الجدير بالذكر والملاحظة أن أغلب الذين يحضرون إلى صلاة الجمعة هم من فئة الشباب والصغار، حتى اننى رأيت يوما جمعاً من طلاب المدارس فى إحدى الجُمع وقد تركوا مدرستهم وجاءوا لحضور صلاة الجمعة، فكيف يسمح لهم بذلك؟! وتوصل الكاتب فى النهاية إلى أن أغلب المساجد فى ألمانيا بوضعها الحالى تمثل عائق وحجرة عثرة أمام الاندماج والتعايش السلمى فى ألمانيا. وفى الختام يطالب مرصد الأزهر الشريف بضرورة الاهتمام بأئمة المساجد فى ألمانيا وتدريبهم وإعدادهم بشكل صحيح وإكسابهم العلوم الشرعية المعتبرة والمعتمدة لدى المرجعيات الإسلامية الكبرى كالأزهر الشريف، وعدم السماح لغير المؤهلين باعتلاء المنابر وتولى الخطابة فى المسلمين لما يمثله ذلك من تشويه للإسلام وهدم للثوابت ونشر للفوضى والتخبط فى أوساط المسلمين. وحذّر المرصد من خطورة ترك المنابر فى ألمانيا لغير المتخصصين ولبعض التيارات الدينية المتشددة، التى تعمل بشكل خاص على توظيف تلك المنابر ودور العبادة فى تحقيق أهدافها الخاصة، مستغلين فى ذلك الثقة الكبيرة التى يتمتع بها أئمة المساجد فى الأوساط الإسلامية، خاصة أن الكثير من المسلمين يتلقَّون الخطب والوعظ من الأئمة دون التأكد مما جاء فيها أو البحث عما ورد بها من فتاوى وأقاويل منسوبة إلى صحيح الدين. ويدعو المرصد الحكومة الألمانية إلى ضرورة استمرار التعاون مع المسلمين الألمان فى إعداد برامج تدريب وتأهيل خاصة لأئمة المساجد هناك، وتزويدهم بكافة المعارف والعلوم اللازمة لإعداد أئمة المساجد، والاستعانة فى ذلك بالمرجعيات الإسلامية المعتدلة فى العالم الإسلامي؛ لضمان تخريج أئمة على درجة من العلم والوعى تسهم فى تحقيق الاندماج الفعّال والإيجابى للمسلمين فى مجتمعهم الألمانى، ولقطع الطريق على التيارات المتطرفة والإرهابية فى توظيف دور العبادة فى تخريج عناصر متطرفة وإرهابية.
وحدة رصد اللغة الألمانية