16 أغسطس, 2017

معهد أسيوط العلمي الديني.. منارة أزهرية عمرها 100عام

معهد أسيوط العلمي الديني.. منارة أزهرية عمرها 100عام

هناك على نيل أسيوط الساحر يقبع ذلك البناء الفخم المشيد على الطراز الاندلسى، عندما تمر أمامه لا يخالجك شك فى أنك أمام مبنى يحمل عبقا تاريخيا لا يقل عن قصور الاندلس روعة وقيمة، وإذا اقتربت أكثر ستفاجأ بأن هذا المبنى العريق عبارة عن معهد دينى أزهرى، يدلك على ذلك اللافتة التى يحملها (معهد أسيوط العلمى الدينى) أو معهد فؤاد الأول الذى احتفل الأزهر الشريف بمرور مائة عام على إنشائه، والذى احتضن أبناء الصعيد على مدار سنوات طويلة تمتد لمائة عام يتلقون فيه علوم الدين نقية من كل شائبة وينشرونها فى صعيد مصر بل وينطلقون بها إلى أصقاع الدنيا حاملين وسطية الأزهر وتقاليده العريقة.. «صوت الأزهر» تروى لكم تفاصيل حكاية المعهد العريق فى السطور التالية.

 

كان لأبناء الصعيد ممن يرغبون الدراسة بالأزهر رواقان من أروقته هما رواقا الفشنية والصعايدة، كما كانت هناك أوقاف موقوفة على هذين الرواقين يصرف ريعها على إطعام طلاب العلم المقيمين بهذين الرواقين، إلا أن طلبة العلم من أبناء الصعيد كانوا يلقون مشقة ويتكبدون المصاعب من عناء السفر إلى الجامع الأزهر ونفقاته، خاصة الفقراء منهم، فرأى أهل أسيوط أن الحاجة ماسة إلى إنشاء معهد لنشر الثقافة الإسلامية فى البلاد ليوفر على أبناء الصعيد جهدهم وأموالهم.

خاطب أهالى أسيوط مشيخة الأزهر لإنشاء معهد دينى فقام وكيل الأزهر الشيخ محمد شاكر عام 1911م بزيارة للمساجد فى الصعيد، وتفقد أحوالها، للتعرف على مدى صلاحيتها لإنشاء معاهد دينية، وقد زار مساجد أسيوط فوجد أنها تصلح لإنشاء المعاهد الدينية، واستبشر الأهالى من الخديوى عباس حلمى خيرا فى موافقة رغبتهم، وفى 19 ذى القعدة 1333هـ /19سبتمبر 1915م أصدر السلطان حسين كامل أمره بإنشاء معهد دينى إسلامى نظامى فى أسيوط.

افتتاح المعهد

افتتح المعهد للدراسة فى المحرم سنة 1334هـ/ أكتوبر 1915م، وكان عدد الطلاب إذ ذاك 154 طالبا، وقُسّم الطلاب إلى خمسة فصول بعدد المدرسين، وكان أكثر الطلاب على مذهب الحنفية وأقلهم الشافعية والباقون على مذهب الإمام مالك، ولم يلتحق أحد بمذهب الإمام ابن حنبل، وفى يوم 15 نوفمبر 1915م كان ذلك اليوم المشهود الذى افتتح فيه المعهد رسمياً بمسجد اليوسفى بحضور الشيخ سليم البشرى شيخ الجامع الأزهر وشرف الحفل مجموعة من كبار العلماء.

وقد شغل معهد أسيوط بقسميه الأولى والثانوى ستة مساجد هى: مسجد اليوسفى، ومسجد جلال الدين السيوطى، ومسجد القاضى، ومسجد الفائز ومسجد الأفندى والمسجد الأموى. وأخذ عدد طلاب المعهد فى الازدياد حيث بلغ عددهم فى عام 1922م (988) طالبا منهم 746 طالبا بالقسم الأولى و242 بالقسم الثانوى.

وكانت هذه المساجد تبعد عن بعضها البعض، ومزدحمة بالطلاب كما كانت هناك أماكن لإقامة الطلاب، ولكن هذه الأماكن لم تكن لائقة من الناحية الصحية أو النظامية الأمر الذى استتبع إنشاء المبنى الجديد للمعهد الكائن على شاطئ النيل فى حى الحمراء بأسيوط. هذا إلى جانب حرص مشيخة الأزهر على التيسير على الطلاب وتفادى بعد المسافة بين أماكن إقامتهم ومكان الدراسة حيث وضعت قاعدة اختصاص كل معهد بالمناطق القريبة منه فاختص معهد أسيوط بالمديريات القريبة منه وهى المنيا وأسيوط وجرجا وقنا وأسوان.

لكل هذه الأسباب انتهز مشايخ وعلماء أسيوط زيارة الملك فؤاد إلى مدينة أسيوط فطلبوا منه إنشاء معهد دينى أزهرى على غرار المعاهد التى كانت تبنى فى القاهرة آنذاك بعد أن ازدحم مسجدا اليوسفى والأموى بالوافدين من طلاب العلم من مديريات الصعيد المجاورة، فاختار لهم الملك فؤاد الأول الموقع الحالى بمنطقة الحمراء بأسيوط وأصدر بذلك مرسوما ملكياً أن تخصص قطعة الأرض الكائنة بمنطقة الحمراء بجوار نيل أسيوط ومساحتها أربعة أفدنة وثمانية قراريط وسهمان تقريبا لإنشاء معهد دينى أزهرى وقام فؤاد بوضع حجر الأساس يوم الأحد غرة شعبان سنة1349هـ الموافق 21 ديسمبر 1930م، واستغرق بناؤه أربع سنوات، وافتتح للدراسة سنة 1934م، وشيدت مبانيه على الطراز الإسلامى.

قال عنه أحد مفتشى العلوم والآداب بأنه «أفخم معهد دينى فى القطر بل أفخم المبانى الإسلامية فى الشرق، لذلك لا يمر يوم دون أن يزوره زائر جديد لمشاهدة ما فيه من آيات الفن والهندسة المعمارية الإسلامية».

3 مبانٍ

يتألف معهد أسيوط من ثلاثة مبان؛ خصص المبنى الأول للدراسة ويتألف من طابقين، ويضم فصول الدراسة ومكاتب إدارية ومكتبة، وتتوفر فيه كل الوسائل التعليمية من مقاعد وسبورات، ومعامل لعلوم الأحياء والكيمياء والفيزياء، وقاعة عرض للأفلام السينمائية العلمية، وغرفة الخرائط والمصورات.

المبنى الثانى: مجهز لإقامة وإعاشة الطلاب الوافدين من مديريات الصعيد المجاورة، ومكون من طابقين ويتسع لأربعمائة طالب موزعين على الطابقين، وكل طابق يتألف من عدد من عنابر (حجرات) النوم المزودة بالأسرّة والدواليب لحفظ أمتعة الطلاب، كما يحتوى على مطعم يقدم المأكولات للمقيمين بالمعهد.

المبنى الثالث: جامع ذو مئذنة شاهقة لإقامة الصلاة وتعلم الخطابة فيه، واشتمل فناء المعهد على حديقة مستطيلة الشكل يتوسطها نافورة رخامية بديعة التصميم، والمعهد بهذا التكوين يحقق كل المتطلبات التعليمية والراحة البدنية والنفسية للطلاب.

رعاية صحية

بالإضافة إلى توفير الإقامة والإعاشة للطلاب فقد عملت الإدارة على توفير الرعاية الصحية لهم من خلال طبيب يعودهم، إلا أنه فى بداية نشأة المعهد لم يكن الطبيب مقيماً فيه فيتم إرسال الطلاب إلى المستشفى، كما يقوم الطبيب بالإشراف على نظافة المعهد وصحة المأكولات.

والعلوم التى كانت تدرس بمعهد أسيوط فى القسمين الابتدائى والثانوى هى علوم دينية وعربى وتاريخ وجغرافيا ورياضة وعلوم وآداب وسيرة نبوية وقراءات، أما مواد الرسم والخط فكانت مقتصرة على القسم الابتدائى فقط.

أعداد الطلبة

بلغ عدد طلاب معهد أسيوط عام 1935م 783 طالبا، منهم 419 طالباً فى القسم الابتدائى والباقى 364 بالقسم الثانوى. وبلغ عدد فصول الدراسة 21 فصلّا موزعا على القسمين، وكان المذهب الغالب بين مدرسى العلوم الدينية والعربية فى هذا المعهد عند افتتاحه هو المذهب الحنفى، وعددهم 17 مدرساً ثم المذهب المالكى وعددهم 15 مدرسا والمذهب الشافعى مدرس واحد فقط.

وفى عام 1957 حدثت زيادة فى عدد الطلاب والفصول، فبلغ إجمالى عدد الطلاب 1205 طلاب منهم 519 فى القسم الثانوى و686 فى القسم الابتدائى، وزاد تبعاً لذلك عدد الفصول ففصول القسم الثانوى كان عددها 12 فصلاً، وبلغ عدد فصول القسم الابتدائى 15 فصلا.

التشكيل الإدارى

كانت إدارة المعهد تتألف من شيخ المعهد وعدد من المدرسين وهم مدرسو الآداب والعلوم والمراقبون والفراشون، وشيخ المعهد يأتى على أعلى السلم الإدارى للمعهد، وأول شيخ لمعهد أسيوط الدينى الشيخ أحمد شريت، وممن تولى منصب شيخ معهد أسيوط الشيخ الأحمدى الظواهرى شيخ الجامع الأزهر فى الفترة من عام 1929م حتى عام 1935م فقد تولى مشيخة معهد أسيوط فى الفترة من عام 1923 إلى عام 1928م، وكان اختيار شيخ المعهد وتعيينه بأمر ملكى كما نص على ذلك القانون رقم 49 لسنة 1930 المادة 34 «لكل معهد آخر شيخ من العلماء يديره يكون اختياره وتعيينه منوطين بنا وبأمر منا».

كان شيخ المعهد هو المسئول عن توزيع الأعمال والمهام بين الأساتذة والمفتشين ومساعديهم والكتاب والموظفين بما يحقق النظام والانضباط فى المعهد، ومتابعة أحوال الدراسة، وصرف الجراية، توزيع النقود والتبرعات التى ترد إلى الطلبة وفق شروط الواقفين، ومعاقبة الطلاب والمخالفين للنظام، ومتابعة أسباب تخلفات الطلاب سير الامتحانات ورفع تقارير عن الامتحانات للمجلس الأعلى للأزهر.

ولم تكن إدارة شئون المعهد بيد الشيخ وحده بل كان يشاركه شيخ المعهد فى مجلس إدارة يتألف بموجب القانون رقم (10) لسنة 1911م برئاسة شيخ أو وكيل المعهد، وعضوية أحد علماء الحنفية، وأحد علماء المالكية، وواحد ممن يكون فى وجوده إصلاح التعليم وتطوره.

ولم يظل هذا التشكيل ثابتا بل طرأت عليه عدة تغييرات ففى عام 1930م أصبح يتألف من شيخ المعهد رئيسا، وثلاثة من الأعضاء من علماء المعهد، ولم يشترط فيهم أن يمثلوا المذاهب الفقهية بالإضافة إلى عضو ممن يكون فى وجوده إصلاح التعليم وتطوره وانتظام الحالة العلمية بالمعهد.

وكان يتم انعقاد مجلس الإدارة برئاسة شيخ المعهد، وفى حالة غيابه يكون برئاسة وكيل المعهد وفى حالة غيابه يكون أكبر الأعضاء سنا، وينعقد مجلس الإدارة بصفة دورية مرة كل أسبوع، ويجوز انعقاده أكثر من ذلك كلما دعت الحاجة، واجتماعات تلك المجالس صحيحة إذا حضر جلساته أربعة، ثم أصبح منذ عام 1911م ثلاثة أعضاء غير الرئيس، أو اثنين فقط فى قانون عام 1930م، وقراراته تصبح سارية بالأغلبية، فإذا تساوت يرجح قرار الفريق الذى فيه الرئيس.

وكان يساعد شيخ المعهد فى الأعمال الإدارية الكتبة يقومون بأداء الأعمال الكتابية من تحرير وقيد فى السجلات وإنشاء الإحصائيات والكشوف بأسماء الطلاب وغير ذلك، وإخطار أولياء الأمور بتخلفات أبنائهم، وإعداد إحصائيات بتخلفات المدرسين والموظفين، وكشوف شهرية بتأخرهم وإرسالها للمشيخة بالإضافة إلى عدد من المراقبين يتولون متابعة ومراقبة الطلاب الموجودين فى السكن الخاص بالمعهد، ومراقبة نظافة وسلامة المأكولات.

بالإضافة إلى إيرادات معهد أسيوط من ميزانية الدولة، هناك مورد آخر لإيرادات المعهد مصدرها الأوقاف الموقوفة على معهد أسيوط وطلبة وعلماء المعهد، والعدد الأكبر من هذه الأوقاف موقوف على الطلبة وعدده أحد عشر وقفا واثنان مشتركان بين العلماء والطلبة، واثنان على المعهد، وقد بلغ عدد هذه الأوقاف خمسة عشر وقفا، شارك فيها الرجال والنساء والأكثر لرجال مختلفين فى الطبقة الاجتماعية ما بين باشوات وبكوات وأفندية ومشايخ.

معمل متكامل

بمجرد دخولك إلى ساحة المعهد إذا أردت أن تعرف كيف كان التعليم الأزهرى فعليك أن تبحث عن المعمل فبمجرد دخولك إلى المعمل ستفاجأ أمامك بهيكل عظمى محفوظ فى أحد الصناديق وإذا سألت العاملين سيؤكدون أن الهيكل لطبيبة هندية زارت المعهد عقب افتتاحه مع الملك فؤاد وانبهرت بما يتم تعليمه للطلاب والأسلوب العلمى فأوصت إذا ماتت فى مصر أن تتبرع بهيكلها العظمى لطلاب المعهد العلمى الدينى بأسيوط للاستفادة منه فى دراستهم. ومازال هذا الهيكل بحالته الطبيعية حتى الآن.

وعلى يدك اليمنى إذا دخلت المعمل ستجد محنطات من الطيور والزواحف والحيوانات مازالت على حالتها الطبيعية قام بتحنيطها طلاب المعهد الأزهرى.

وعند تجولك بالمعمل سيشد انتباهك العود والكمان وقد يسأل سائل: ما وظيفة هذه الأدوات بالمعهد الأزهرى وما علاقتها بتعليم الطلاب؟! لكن الإجابة واضحة أن تعليم التلاوة والقراءة والابتهالات كان يحتاج لمعلم خبير يدرب الطلاب على المقامات الصوتية، ومما يجذب الانتباه أيضاً أن المعهد به قاعة عرض سينمائى ومازالت آلة العرض موجودة بالمتحف. كما يوجد بالمعمل مكيال من نوع نادر وهو من أوائل المكاييل التى تضعها فرنسا فى متحف خاص بها.

كما يضم المعمل أدوات للتحنيط، كاميرا تراثية قديمة، كافة وسائل المعامل من تليسكوب وغيره الكثير مما يزخر به معمل المعهد الذى يعد متحفا أثريا يعكس كيف كان التعليم فى الأزهر الشريف، والذى من خلاله يمكن الرد على كل من يطالب بأن تكون الدراسة فى الأزهر للعلوم الشرعية والعربية فقط، فطلاب الأزهر ومنذ مائة عام كانوا يدرسون العلوم الحديثة، أى قبل قانون تطوير الأزهر سنة 1961م.

تقارير تاريخية

تحتفظ مكتبة الأزهر وذاكرته بتقريرين عن الدراسة بمعهد أسيوط العلمى الدينى تم كتابتهما عامى 1957 و1958 من قبل الموجه العام وقد جاء فى التقريرين توضيح فى منتهى الأهمية عن حالة المعهد والدراسة فيه لكن اللافت للنظر أن التقريرين ركزا على قدرات الطلاب فى دراسة الرياضيات والكيمياء والعلوم الطبيعية وكذلك الرياضة البدنية. فقد جاء فى تقرير عام 1957 والذى أعده الشيخ محمد بهاء السبكى عن اهتمام المعهد بالجمعيات العلمية والثقافية والكيميائية والجغرافية وجمعية الرسم، وذكر التقرير أنه حضر أحد الدروس للطلاب كانت عن الأسهم والسندات وتقرير عن الطلاب فى دراستهم لعلم النبات وأن الرسم على السبورة كان بالألوان، وذكر التقرير عن حضور درس فى الجبر لطلاب المرحلة الابتدائية عن الحدود الجبرية.

ولم يختلف التقرير الذى أعد عام 1958 كثيرا عن سابقه وعن المواد التى كانت تدرس للطلاب وقد كان أبرز الدروس التى حضرها المفتش العام مع الطلاب هو درس عن كيفية تحضير الغاز فضلا عن حصص الرسم وتعليم الطلاب كيفية الرسم.

مخطوطات نادرة

تزخر مكتبة المعهد بكتب تراثية ومخطوطات نادرة وقد تم نقل المخطوطات لمكتبة الأزهر للعناية بها إلا أن هناك أخرى نادرة تحتاج للرعاية والترميم ولعل أبرز شىء يمكن الاطلاع عليه هو الكتاب الخاص بتوقيع عقد إنشاء المعهد من الملك ويتضح فيه استخدام الألوان بصورة فائقة الجودة فى الطباعة مازالت محتفظة بقيمتها ورونقها حتى الآن فضلا عن دفتر الزيارات حيث سجل زيارات شخصيات كثيرة للمعهد أبرزهم السفير الأمريكى عام 1987.

محمد فتحي

قراءة (4073)/تعليقات (0)

كلمات دالة: