12 سبتمبر, 2017

محمد ماكين.. أزهري علم الصينيين اللغة العربية

محمد ماكين.. أزهري علم الصينيين اللغة العربية

سنوات تجاوزت عدتها ألفا وستين عاماً وما زال نهر العطاء يفيض بلا انقطاع، فى مصر كنانة الله بأرضه منبعه وفيضه، وفى أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا والأمريكتين ثمره وفرعه، ألوان وأجناس شتى ولت وجوهها شطر الأزهر الشريف؛ نهلت من علوم مشايخه الوسطية المستمدة من سند إجماع الأمة المتصل، ثم عادت إلى بلادهم دعاة سلام ومحبة، تحيا القلوب إذا ما فاح عبير مسك العلم من أفواها، لتصدح ألسنة السامعين: «قوموا جميعاً فى فم الدنيا وحيوا الأزهرا".

وقبل سبعين عاماً من الآن وبالتحديد فى عام 1946 ميلادية، حمل أبناء الأزهر الشريف راية نشر علوم اللغة العربية فى بلاد الصين فأسسوا كلية اللغات الشرقية وأنشئوا بداخلها قسما لـ«لغة الضاد» وهو ما دعا وزارة التعليم العالى الصينية ولأول مرة فى تاريخ البلاد للاعتراف بـ«لسان العرب» كلغة رسمية تدرس فى المناهج المقررة بمدارسها.

بداية التاريخ

البداية كانت من قرية شاديان إحدى ضواحى مدينة قجيو بمقاطعة يوننان تلك البلدة التى ولد فيها «محمد ماكين» - أو «ما جيان» كما يلقبه الصينيون - عام 1906 ميلادية؛ لأسرة مسلمة من قومية «هوى» والتحق فى سن مبكرة بمدرسة تشنجدة المتوسطة بـ«كونمينج» عاصمة المقاطعة، ثم رحل عن بلدته إلى قويوان فى مقاطعة نينجشيا الواقعة فى شمال غربى الصين، حيث تتلمذ على يد إمام ذائع الصيت ليتعلم اللغة العربية، والعلوم الإسلامية.

وفى عام 1929 ميلادية رحل محمد ماكين، إلى مقاطعة شانجهاى، حيث التحق فيها بدار المعلمين المسلمين، وهناك واصل دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية إضافة إلى اللغة الإنجليزية، حتى أنجز مهمته عام 1931 ميلادية بتقدير ممتاز فى سلوكه وعلمه، ثم سافر فى ديسمبر من العام ذاته إلى القاهرة فى أول بعثة صينية أوفدها مجمع الدراسات الإسلامية فى الصين إلى مصر، وظل يدرس فى جامعة الأزهر حتى حصل على شهادة العالمية عام 1939 ميلادية.

تدريس اللغة العربية

عاد محمد ماكين، عقب إنهاء دراسته بالأزهر الشريف، إلى موطنه الأصلى وعمل أستاذاً فى جامعة بكين، وكانت الصين فى ذلك الوقت - ثلاثينيات القرن المنقضي - لا تعترف بـ«العربية» كلغة رسمية تدرس فى المناهج الدراسية المقررة بالبلاد، وهو الأمر الذى عمل «ماكين» على تغييره فاقترح على زميليه «عبدالرحمن ناتشونج» و«رضوان ليو لين روى» - اللذين درسا وتخرجا معه من الأزهر - تأسيس كلية اللغات الشرقية فى جامعة بكين، وكان ذلك فى عام 1946 ميلادية، وبالفعل نجح فى نفس العام بعد أن بذل مع زملائه مجهودات مضنية فى تأسيس وافتتاح الكلية، وأنشأ بداخلها قسماً لتدريس وتعليم اللغة العربية.

عقب تأسيس الكلية وافتتاحها رسمياً اقتبس محمد ماكين، من نظم تعليم اللغة العربية المعاصرة وقواعدها - فى ذلك الوقت - وطبقها فى عمليات التدريس بالصين وفقاً لأصول اللغة العربية المعمول بها فى الأزهر الشريف مع مقارنتها بخصائص اللغة الصينية، ووضع بذلك ما يشبه حجر أساس تدريس اللغة العربية هناك، وسرعان ما نجح فى إقناع مسئولى وزارة التعليم العالى الصينى بإدراج «لغة الضاد» فى المناهج الدراسية هناك.

إنجازات علمية

لم يكن هذا السبق التاريخى والنجاح منقطع النظير هو كل ما حققه «محمد ماكين» فى مشواره العلمي؛ فالرجل لم يتوقف طوال حياته عن التأليف والترجمة، وترك لنا عدداً كبيراً من الترجمات والمؤلفات أبرزها: «ترجمة معانى القرآن الكريم» ومؤلف «تاريخ العرب العام»، كما أشرف على تأليف «معجم الصينية - العربية» و«معجم العربية - الصينية» وذلك خلال فترة عمله فى جامعة بكين.

بالإضافة إلى ما سبق ترجم «محمد ماكين» إلى جانب القرآن الكريم عدة مؤلفات تمتاز بالقيم الأكاديمية الرفيعة من أمهات الكتب الدينية مثل: «الرسائل المحمدية فى حقيقة الديانة الإسلامية»؛ كما سعى جاهداً إلى توسيع مجالات دراساته ومضامين ترجمته فجعلهما من الأنشطة العلمية الثنائية الاتجاه، فترجم من اللغة الصينية إلى العربية كتب - «الحوار» للحكيم الصينى «كونفوشيوس»، و«الأساطير الصينية» و«الأمثال والحكم الصينية» وغيرها من مؤلفات التراث الصينى، وأصدر طبعتها الأولى فى القاهرة فأثرى المكتبات العربية بتحف نادرة من كنوز الحضارة الصينية.

رسول سلام

وفى مجال العمل العام اختير عام 1949 ميلادية عضواً بالمجلس الاستشارى السياسى للشعب الصينى، ثم انتخب نائباً بالمؤتمر الوطنى لنواب الشعب منذ دورته الأولى حتى دورته الخامسة ابتداء من عام 1954 وحتى آخر أيام حياته، وقد كان أحد الدعاة لإنشاء الجمعية الإسلامية الصينية، وعضواً بلجنتها الدائمة، وهو ما أهله ليكون بشهادة العالم أجمع أكبر العلماء المسلمين وأشهر الأساتذة المستعربين فى تاريخ الصين الحديث، ليصبح بذلك نموذجاً مضيئاً من أعلام درسوا فى الأزهر الشريف وعادوا إلى بلادهم رسلاً يحملون مشاعل النور ويقودون بنى وطنهم على طريق العلم والمحبة والسلام.

بعد مشوار زاخر بالنضال، حمل خلاله رايات الوسطية والمحبة والسلام التى درسها بالأزهر الشريف؛ لقى محمد ماكين ربه فى السادس عشر من أغسطس عام 1978 ميلادية، فى العاصمة الصينية بكين؛ ليُخلد التاريخ اسمه كواحد ممن نجحوا باقتدار فى نشر رسالة الأزهر العالمية وتعليم الصينيين اللغة العربية.

محمد أبوالعيون

قراءة (3586)/تعليقات (0)

كلمات دالة: