لعب علماء ومشايخ وطلاب الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، خلال حرب العاشر من رمضان عام 1393 هجرية، السادس من أكتوبر عام 1973 ميلادية؛ دوراً رئيسياً فى تحفيز همم المصريين ورفع روحهم المعنوية وحثهم على الوقوف صفاً واحداً خلف قواتنا المسلحة، وهو الدور الذى كان له الأثر البالغ فى تحقيق النصر على العدو الصهيونى وتحرير أرض سيناء الحبيبة.
فقد أعلن الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، من على منبر الأزهر الشريف - أثناء إلقائه خطبة الجمعة التى واكبت توقيت الحرب - أن معركة السادس من أكتوبر «حرب مقدسة» وجهاد فى سبيل الله، وأن الله يولى فيها كل سبل الرعاية والعناية لأبطال القوات المسلحة المصرية؛ مؤكداً أن هذه الحرب تشبه من حيث الأسباب والظروف والغايات غزوة بدر الكبرى، التى نصر الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم على مشركى مكة، وتعيد «صوت الأزهر» فى السطور التالية نشر أهم ما جاء فى تلك الخطبة.
أكتوبر وبدر
الإمام الأكبر الراحل؛ أكد فى بداية الخطبة أن حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ميلادية، وغزوة بدر الكبرى التى قاتل فيها جيش المسلمين بقيادة النبى صلى الله عليه وسلم المشركين فى الثانية للهجرة، تتشابهان من حيث الأسباب والظروف والملابسات والغايات؛ قائلاً: «ذكر الله أسباب معركة بدر، فقال: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ»، والأسباب التى ذكرها الله تتمثل فى ثلاثة أسباب: ظُلموا، وقُوتلوا، وأُخرجوا من ديارهم، وهذه هى نفس الأسباب لهذه الحرب الحالية: لقد قُوتلنا، وظُلمنا، وأخرجنا من ديارنا بغير حق؛ فالأسباب هى الأسباب، والظروف هى الظروف، والملابسات هى الملابسات».
ودعا شيخ الأزهر الراحل المصريين إلى الوقوف صفاً واحداً خلف القوات المسلحة فى معركة السادس من أكتوبر، والإلتفاف حول قائدها الأعلى، والضرب بيد من حديد على كل من يريد تفريق شمل الأمة وبث الفتن بين أبنائها، تأسياً بالمسلمين الذين التفوا فى غزوة بدر الكبرى حول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان يمثل القائد الأعلى؛ قائلاً: «وفى بدر التف المسلمون حول القائد الأعلى، ونحن بحمد الله على طريق أهل بدر نلتف حول القائد الأعلى، ونستمسك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون هنّات وهنّات - أى ستكون فتن - فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الامة وهى جميع فاضربوه بالسّيف كائنا من كان».
إن الله معنا
وأوضح الدكتور عبدالحليم محمود؛ أن الله أحاط أبطال الجيش المصرى فى حربهم ضد العدو الصهيونى بكل سبل العناية والرعاية التى أحاط بها أهل بدر فى حربهم ضد المشركين؛ قائلاً: «وأهل بدر كانوا فى رعاية الله وعنايته، ومن عناية الله بهم أنَّ الأرض التى كانوا يسيرون عليها كانت تراباً تغوص فيه الأقدام وكانوا متعبين، فألقى الله عليهم النعاس لأجل السير فى الأرض، وأنزل عليهم من السماء ماء ليثبت به أقدامهم ويطهرهم به: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ»، ومن عناية الله أيضاً بأهل بدر أنه كان يقلل عدد المشركين فى أعين المسلمين حتى لا يفزعوا وحتى لا يضطربوا: «إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ»، ومن عناية الله كذلك بأهل بدر، أنه يقول للمسلمين إنهم لم يقتلوهم ولكن الله قتلهم: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى»، وأنه أوحى إلى الملائكة أن يثبتوا قلوب المسلمين، وتولى هو سبحانه أن يلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب ثم خاطب المسلمين قائلاً: «إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»؛ هذه كانت عناية الله بأهل بدر، ونحن أيها الأخوة المؤمنون نلاحظ عناية الله سبحانه وتعالى بنا فى هذه المعركة، لقد كان مقدراً أن يستشهد فى العبور نحو 15 ألفاً، ولكن الذين استشهدوا أقل من 200؛ إنها عناية الله بنا، كما كانت عنايته سبحانه بأهل بدر، وهذه الطائرات التى تتهافت كما تتهافت أوراق الخريف، ففى يوم واحد أسقط جيشنا 23 طائرة؛ إن الله سبحانه وتعالى معنا، وإنه ناصرنا، وإنه ولينا».
وأكد الإمام الأكبر الراحل؛ أن حرب السادس من أكتوبر، هى حرب إسلامية بكل ما تحتمله الكلمة من معنى؛ قائلاً: «إنها الجهاد المقدس، والله يربط الإيمان بالجهاد برباط وثيق؛ فيجعل سبحانه الجهاد جزء من الإيمان حين يقول: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»؛ إن الله سبحانه وتعالى هو الشارى، والمؤمن هو البائع، والبضاعة هى الجهاد، ومكان التسليم هو المعركة، أما تسجيل العقد - الذى باع فيه المؤمن نفسه وماله لله بثمن هو الجنة - كان فى التوراة والإنجيل والقرآن».
حرب مقدسة
وأعلن، شيخ الأزهر الراحل؛ أن معركة السادس من أكتوبر «حرب مقدسة»، وهى فرض على جميع الدول الإسلامية؛ قائلاً: «ننادى من على منبر الأزهر - هذا الأزهر الخالد الذى كانت تلجأ إليه الأمة المصرية باستمرار عند الأزمات - ونعلنها باسم علماء الإسلام حرباً مقدسة، وجهاداً فى سبيل الله، ومن على هذا المنبر نرسل تحياتنا إلى القائد الأعلى، وإلى القائد العام، وإلى جنودنا الأبطال الذين حققوا المعجزات فى بطولتهم وفى بسالتهم، وأمر من الأمور الذى نعلنه من على منبر الأزهر ونعلنه باسم علماء الإسلام عامة وهو أن الحرب الحالية إنما هى فرض على جميع أقطار الإسلام، وعلى كل مسلم ومسلمة، وأنه إذا قصرت دولة من الدول فى هذه الحرب فقد خرجت على الله ورسوله.. خرجت على تعاليم الله وتعاليم رسوله صلى الله عليه وسلم».
ودعا الإمام الأكبر الراحل؛ الدول الإسلامية والعربية إلى بذل أقصى ما يستطيعون للمشاركة فى حرب السادس من أكتوبر؛ قائلاً: «ونحن ندعو باسم الأزهر وباسم علماء الإسلام، الدول الإسلامية والعربية أن تبذل أقصى ما تستطيع.. تبذل أقصى ما تستطيع بالمال، والسلاح، والرجال، والعتاد، والذخيرة؛ إن هناك أمما تتكدس أموالهم فى البنوك الأجنبية وقد آن أوان أن تنفق هذه الأموال فى سبيل الله، وما دامت هذه الحرب إسلامية بكل معنى الكلمة فإننا لا نكتفى من الدول الإسلامية بكلمات التشجيع أو بكلمات الثناء وإنما نريد عملاً يتحقق بالفعل - وكثير من هذه الدول بذلت الكثير من مالها ومن نفسها ومن سلاحها ومن عتادها فلها الجزاء عند الله سبحانه وتعالى - ولكن كلمة الحرب المقدسة التى ننادى بها التى ونعلنها من على منبر الأزهر إنما هى لكل الدول الإسلامية؛ إن مصر معقل الإسلام، وحصن الإسلام الحصين، وإن الثقافة الإسلامية تتركز فى العصر الحاضر فى مصر، وما دامت مصر إذاً قلب الإسلام النابض فعلى كل مسلم أن يسهم فى هذه المعركة بقدر ما يستطيع ولا يستصغر البذل فى سبيل الله ولا يستعظمه أيضاً وكل بذل فى سبيل الله فى هذه المعركة يهون».
محمد أبوالعيون