20 ديسمبر, 2017

الجماعات المتطرّفة واللعب على وتر "نُصْرة القُدْس"

الجماعات المتطرّفة واللعب على وتر "نُصْرة القُدْس"

     في الوقت الذي اتّحد فيه منصفو العالم ونادى عقلاؤه بالعدول عن ذلك الاعتراف الجائر الصّادر ممن لا يملك لمن لا يستحقّ، تطلّ علينا رؤوس أفاعي وجدت في هذه الحالة بُغيتها، وكأنّها عثرت على ما كانت تفتقده، إذ لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصّهيوني وإعلانه عن نقل السّفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى تلك المدينة مجرّد قرار تثور على خلفيته حفيظة العرب ومحبي السلام وأنصار الإنسانية والمنصفين في مشارق الأرض ومغاربها فحسب، بل فتح هذا القرار الجائر بابًا لكم كنّا نتمنى له أن يوصد للأبد، الإرهاب!!!
إنّ الإرهاب الذي عانى العالم من ويلاته -ولا يزال- وفقد على أثره كثيرًا من معالم الحضارة ومعاني الإنسانية، وباتت أغلب شعوبه بين مهدّد ومشرّد وغارق في أحزانه جرّاء فقدان الأهل والأوطان وخراب الدّيار وضياع السّلام وتبدّد الأمان لا يتوانى في انتهاز أي فرصة والتسلّل من أي ثغرة إلى عقول الشّباب.
ولعلّ من الخطأ أن ننظر لتداعيات قرار إعلان القدس عاصمةً للكيان الصّهيوني من زاوية واحدة، إذ ثمّة جوانب أخرى لا تقلّ في خطورتها عن تهديد التّراث الإنساني بهذه المنطقة من خلال محاولات مشبوهة لطمس معالمها وتزييف هويّتها.
إنّ الجماعات الإرهابية التي تسعى ليل نهار إلى التوغّل كالسّرطان الخبيث في العالم، وتستشري في ربوعه انتشار النار في الهشيم، لم تتعامل مع الأمر من منطلق حماية المقدّسات والعمل على نصرة قضية الأمة الإسلامية والعربية، بل وجدت فيه ركيزةً أساسية في عملية استثارة أنصارها واستقطاب المزيد من الشّباب وستارًا جديدًا تفسد من ورائه وترتكب جرائمها تحت شعاره.

Image

وخلال عمله المتواصل على رصد ومتابعة تحركات الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرّفة راقب مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف ردود أفعال قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصّهيوني لدى تلك الجماعات، والتي جاءت في مجملها محمّلة بعبارات الاستثارة والتحريض، فهاهي حركة الشّباب الصّومالية وقد أصدرت بيانين أطلق أولهما علي ديري المتحدّث باسم الحركة قال فيه: "إن قرار ترامب في تحويل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه الرسمي بها كعاصمة لليهود هو دليل على تصاعد عدوانه ضد الإسلام والمسلمين، ولكن هذا في كل الأحوال لا يغير من الحقيقة على الأرض، في أن فلسطين برمتها كانت وستكون دوما الأرض المسلمة المقدسة"، كما ناشد ديري في تصريحاته التي أدلى بها لمؤسسة الكتائب –الجناح الإعلامي للحركة– جميع المسلمين بحمل السلاح والدّفاع عن الأقصى المبارك ضدّ الاحتلال الصهيوني المدعوم من أمريكا، -على حد تعبيره-، مشيرًا إلى "أنّ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
أمّا البيان الثّاني فقد أصدرته القيادة العامّة للحركة من خلال منصّتها الإعلامية "الكتائب" موسومًا بعنوان: "الملتقى بيت المقدس" في دعوة صريحة من الحركة لأنصارها بالزحف إلى بيت المقدس وإعلان "الجهاد" في سبيل نُصرته، الأمر الذي قد يكون محلّ تعاطف بعض المتابعين لا سيّما الشّباب ممن تغلبهم عاطفتهم الدّينية، وتدفعهم لاتباع أي دعوة من شأنها نُصرة الدّين والدّفع عن مقدّساته، دون التفكّر في مصدر هذه الدعوات والأهداف غير المعلنة من ورائها، وما تحمله مثل هذه الدعوات في طياتها من تحريض على العنف، وخدمة مصالح جهات وتيارات بعينها.
وقد بدأ البيان بلغة عاطفية تتحدّث عن الأقصى باعتباره جرح الأمة الغائر، مشيرًا إلى أنّ قرار الإدارة الأمريكية لم يكن مفاجئًا في ظل حالة التراجع والتقهقر للقادة العرب –بحسب تعبير البيان-، ثمّ انتقل البيان للحديث عن عداء اليهود والنّصارى للأمة الإسلامية من لدن عهد النبوة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، عارضًا جانبًا من سيرة بعض "المجاهدين" الذين هبّوا للدّفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرميْن أمثال "أسامة بن لادن".

Image

 

ثمّ انتقل البيان للدعوة الصّريحة للقتال في سبيل تحرير الأقصى، مؤكّدًا أنّ المسجد الأسير لن تحرّره سوى طلقات البنادق ولظى القنابل، معلنًا حالة النّفير العام داخل صفوف الحركة وبين جموع المسلمين. معتبرًا أنّ سبيل المفاوضات السّلمية هو طريق مسدود عاقبته خزي وخسارة للدين والدنيا، مخاطبًا بذلك الأمة الإسلامية قاطبةً، مستعرضًا ما تدّعي الحركة القيام به من أجل الأقصى من بذل للمال والجهد وإعداد معسكرات لتدريب المقاتلين لمواجهة أعداء الإسلام، وأضاف البيان أنّ الشبّاب المجاهدين يقاتلون في شرق إفريقيا وأعينهم على بيت المقدس، تتوق أنفسهم لملحمة كبرى يدخلون فيها باحات الأقصى مهلّلين مكبّرين رافعين رايات النّصر.
ويختتم البيان بالإشارة إلى أهمية قضية القدس والمسجد الأقصى باعتباره "قبلة المجاهدين" وأنّه الوعد الحقّ الذي ينتظرون تحقيقه، والحلم الذي لطالما راودهم، فهم على انتظار تحقيقه واقعًا أمام أعينهم.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف أنّ هذا البيان ما هو إلا حلقة في مسلسل الغواية والتضليل الذي تتبعه الجماعات المتطرّفة سالكة في سبيل تحقيق ذلك كل مسلك، غواية للشّباب وتضليلا لعقولهم وتلبيسًا للحق بالباطل؛ هكذا ديدن الجماعات المتطرّفة لا تترك شاردةً ولا واردةً إلا وسعت لتحقيق مآربها الخبيثة من ورائها، فما كان هذا القرار البغيض من الإدارة الأمريكية لتلك الجماعات إلا كطوق نجاة تعلّق به من يصارع الغرق، فوجدت فيه مادةً خصبةً يمكن استغلالها وتوظيفه لخدمة أهدافها الخبيثة، عساها تفلح من خلال مثل هذه الدعوات والبيانات والشعارات الرنّانة في استقطاب وتجنيد مزيد من الشّباب، فضلًا عن تسويغ أعمالها الإجرامية بدعوى الدّفاع عن الدّين ونصرة المقدّسات.
 والحقّ أنّ الدّين والمقدّسات برآء من ممارسات كثيرة ترتكب باسمهما، وإرهاب لعين استشرى في العالم معليًا شعار الدّين وما هو من الدّين في شيء.

وحدة رصد اللغات الإفريقية

 

قراءة (2111)/تعليقات (0)