وبعد ما ذكرنا لك سابقًا نقول: ما ظنك في تلك القدرة التي فوق القُدَر؟ هل عسيت أن تقول: إنها قوةٌ قاهرةٌ حقٍّا، ولكنها ليست شيئًا وراء قوة الطبيعة المادية؟ أتظن ذلك؟ ناشدتك! نبئني ماذا تفهم من كلمة "الطبيعة"؟ فإني لست أفهم منها إلا مجموعة تلك الخصائص والسنن التي تجري عليها المادة في وجودها، وهذه الخصائص وإن صلحت مبدأً لآثارها لا تصلح أن تكون هي المبدأ الأول للكائنات كلها حتى المادة التي تقوم هي بها؛ لأن منزلتها من المادة منزلة الصفة من موصوفها، ولن تكون صفة الشيء اللاحقة به المستندة إليه مبدأ له، إلا لو كان ثوبك الذي تلبسهُ أو شكلك الذي أنت عليه سببًا في وجودك، فإن ما لا قيام له إلا به كيف يُقَوِّمُ غيره، بل كيف يُقَوِّمُ ما هو محتاجٌ إليه ولا قيام له هو بنفسه؟! فهذه السنن الكونية إذن مفعولةٌ مجعولةٌ لا فاعلةٌ مسيطرةٌ.