22 نوفمبر, 2022

الإسلام وثقافة السلام المجتمعي

الإسلام وثقافة السلام المجتمعي

     تعتبر الصراعات الاجتماعية الناجمة عن التوترات السياسية والثقافية والعِرقية والدينية، أساس مشكلات الإنسان المعاصر الذي انخرط في البحث عن حلول عاجلة تكفل له السلم المجتمعي المنشود.

والمقالة التالية تسلط الضوء على المبادئ الإسلامية التي ترسخ لثقافة التسامح وقبول الآخر، وتقضي على جذور العنف في المجتمعات، مع بيان ما رسخه الإسلام للتعارف والتسامح بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات المختلفة.    

1. تعريف السلام وأهميته

السلام بحسب التعريفات المتداولة هو "غياب العنف" الذي يتخذ ثلاثة أشكال هي:

1- العنف المباشر أو تعمد الأذى الجسدي ويشمل القتل، والتشويه، وكل أشكال القوة الجسدية الأخرى.

2- العنف الهيكلي، نتيجة الهياكل الاجتماعية التي تنحو باتجاه الاستغلال والقمع. ويبرز العنف الهيكلي في شكل أعمال تتيح للعديد من الأطراف الفاعلة في المجتمع إساءة استغلال السطوة غير المتكافئة ومحنة المحرومين، ويُمكن رصد أشكال هذا النوع في الأوساط الاجتماعية مثل السياسة والتعليم والدين والإعلام.

3- العنف الثقافي، وينتشر في المجتمعات العنصرية التي لا تنتقص حقوق الآخرين، وتتجاهل حقوق الإنسان.

في السياق ذاته، يقدم آخرون السلام بشكل أعم من انعدام الحرب والعنف، إذ يقتضي أيضًا المحافظة على الاستقرار والعدالة داخل المجتمع، وحماية أفراده من العنف، والابتزاز، والاستغلال وسوء المعاملة. ويميز العديد من المفكرين بين السلام السلبي الذي يعني مجرد غياب العنف، والسلام الإيجابي الذي يقوم على وجود العدالة، ويرون أن السلام قد يكون عبودية وقهرًا أو حرية وعدلًا، وقد يرتقي السلام الحقيقي بالبشرية نحو عالم أكثر حرية وعدالة.

والسلام بالنسبة للمسلمين لا يعني مجرد انعدام الحرب أو العنف المنظم، وإنما يتطلب توفير العدالة، وتهيئة الظروف التي يمكن للبشر من خلالها إدراك مساعيهم الحميدة. والحقيقة أن تعاليم الديانات السماوية المختلفة حول العالم تحض على السلام، غير أن هناك من يسيء استغلال دور بعض أتباع هذه الديانات في الترويج للحرب والصراعات الدينية بدلًا من السلام وخاصة في دول بورما وسريلانكا والهند والسودان والعراق واليمن وفلسطين وغيرها، في الدعوة إلى حظر التعليم الديني بالمدارس والجامعات. لكن لا يمكن لعاقل أن ينكر ارتكاز التعاليم الإسلامية الصحيحة على مبادئ ترسخ لثقافة السلام ونبذ العنف وقَبول الآخر.

2. مبادئ ثقافة السلام في الإسلام

الإسلام هو دين الشمولية والتسامح والسلام، وتؤكد تعاليمه على وجوب إعلاء الحق والعدالة، وتفرض على المسلمين السعي في سبيل تحقيق العدالة ومواجهة القهر والمعاناة. وللأسف يبرر البعض للاستفادة من العنف بدعوى أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، لكن الإسلام يؤسس ويرسخ في حقيقة الأمر للنظام السلمي العادل الذي يحقق العدالة للجميع دون عنف أو نزاع. يؤكد الإسلام على مبادئ التسامح والسلام أساسًا لعلاقة المسلمين بغيرهم، ويحث أتباعه على تجنب الحرب والعنف، ويضع قيودًا على استخدام القوة، فالقرآن ينص على حق القِصاص ولكنه يصرح بأنه: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (40: الشورى). وفيما يلي نعرض لبعض المبادئ الإسلامية التي من شأنها خلق ثقافة السلام.

المبدأ الأول والجوهري لثقافة السلام هو "حرية الاعتقاد"، ووَفقًا للتعاليم الإسلامية، للناس حرية المعتقد الديني. يقول الله تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ  وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256: سورة البقرة)، ويقول سبحانه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ} (29: سورة الكهف). وهكذا فالاعتقاد الديني هو أمر طوعي للأفراد حرية اختياره. إن الرسالة التي تنطوي عليها هذه الآيات القرآنية هي احترام المعتقدات المخالفة والاعتراف بحرية الآخرين، ومن شأن هذه الرسالة إرساء ثقافة اللا عنف والمساهمة في تحقيق ثقافة السلام.

المبدأ الثاني لخلق ثقافة السلام والمجتمع الخالي من العنف هو "تأكيد الإسلام على السلام واللا عنف باعتبارهما الأصل". يقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (25: سورة يونس)؛ ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (208: سورة البقرة). وتأكيدًا على ذلك، يُجيز الإسلام حق الجهاد الدفاعي بشروط منها وقوع العدوان على المسلمين؛ يقول تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (190: سورة البقرة)؛ وينص على أن يكون رد العدوان مماثلًا ولا يزيد على  مقدار العدوان الواقع على المسلمين فيقول سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194: سورة البقرة). هذه المبادئ وغيرها تكفل نشر السلم وقبول الآخر ونبذ الكراهية والتعصب في أوساط المجتمع، بما يخلق ثقافة سلام مجتمعي عامة يعيش في رحابها جميع فئات المجتمع.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

قراءة (1202)/تعليقات (0)