في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ومركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام بوزارة الخارجية المصرية، لتعزيز التعاون والتنسيق المستمر، استقبل المرصد وفدًا من متدربي المركز اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر، وكان في استقبال الوفد أ.د رهام سلامة، المدير التنفيذي للمرصد.
بدأت الزيارة بتقديم نبذة تعريفية عن المرصد، متضمنة أهدافه وعدد الوحدات العاملة فيه. كما تم توضيح آلية العمل داخل المرصد وأبرز النتائج التي حققها على مدى تسع سنوات. وفي سياق لقائها مع الوفد، قدّمت د. رهام سلامة عرضًا توضيحيًّا تناولت فيه أبرز القضايا التي يعمل عليها المرصد، بما في ذلك تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتحليل الشبهات المتعلقة بالتنظيمات المتطرفة والرد عليها، وكذلك أهم الإصدارات.
وفي إطار زيارة اليوم، نظم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ثلاث محاضرات تناولت مناقشات معمقة حول رؤية التنظيمات الإرهابية لفكرة الصراع وانتشار الإسلام عبر استخدام السلاح، إضافة إلى الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومستقبل القضية الفلسطينية. كما تم تسليط الضوء على وثيقة الأخوة الإنسانية ودورها في تعزيز السلام العالمي والعيش المشترك.
وفي مداخلته حول القضية الفلسطينية، تناول الدكتور وسام حشاد، مشرف وحدة رصد اللغة العبرية، أهمية دراسة الأيديولوجية الصهيونية من جميع جوانبها. وأشار إلى أن الجهل والقصور في فهم الفكر الصهيوني يمثلان العدو الأول للمنطقة العربية، وخصوصًا للفلسطينيين.
كما استعرض حشاد أوجه التشابه بين الكيان الصهيوني وتنظيم داعش، إضافة إلى أساليب الاحتلال في توظيف المصطلحات واللغة لتغيير الحقائق، سعيًا لتحقيق أهدافه الاستعمارية. وأكد على أن الاحتلال يعتمد في هذا المخطط على المغالطات التاريخية، في محاولة للتلاعب بالمفاهيم والأفكار.
في سياق منفصل، تحدث د. محمد عبودة، الباحث في مرصد الأزهر، عن رؤية التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش لفكرة الصراع وانتشار الإسلام من خلال استخدام السلاح، وقام بتفنيد آراء هذه التنظيمات. وقد استشهد بحديث: "جئتكم بالذبح" لتوضيح كيفية تأويل الجماعات المتطرفة لبعض الأحاديث والنصوص الدينية بما يتوافق مع أهدافها. وأكد عبودة أن هذا الحديث لم يُدرج ضمن أبواب (الجهاد والسير)، بل جاء في سياق الحديث عن اشتداد الأذى الذي تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يشير إلى أن الحديث ارتبط بظرف خاص يتعلق بإيذاء المشركين للنبي، كما تبين ذلك بعض الروايات التي تذكر أن أحد المشركين، وهو عقبة بن أبي مُعَيط، كان يقوم بخنق النبي حتى كاد أن يقتله، وعندها قال صلى الله عليه وسلم هذه العبارة، وكأنه يُنبه إلى أن أفعالكم هذه ستؤدي في النهاية إلى الفتنة والقتال.
وواصل الباحث في مرصد الأزهر تفنيد رؤية التنظيمات الإرهابية، مُشيرًا إلى أن المقصود من الحديث هو خلق حالة من الخوف والرعب في نفوس الأعداء في أثناء الحروب. واستشهد بقوله تعالى في سورة الأنفال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}. وأكد على أن المبدأ الأساسي في الإسلام هو عدم قتل النفس بسبب اختلاف الدين، حيث ينص الإسلام على النهي عن المُثلة، فكيف يُمكن أن يُسوِّغ قطع الرؤوس!
وفي سياق عنوان: "وثيقة الأخوة الإنسانية.. دليل الأجيال"، ألقى الدكتور عبد الوهاب إبراهيم، الباحث في مرصد الأزهر، محاضرة تناول خلالها مضامين الوثيقة وميزاتها مقارنة ببقية المعاهدات والمواثيق والاتفاقات الدولية. وأشار الباحث إلى الرمزية العميقة لهذه الوثيقة، موضحًا أنها نتاج اجتماع أكبر رمزين دينيين وأهم مؤسستين دينيتين على مستوى العالم، وأنها نتجت من الحوار المشترك والمساحة الواسعة التي تجمع بين فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان. وأضاف د. عبد الوهاب أن الوثيقة تعالج القضايا ذات الأهمية الحيوية التي يواجهها عالمنا المعاصر، مثل الحروب، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحماية دور العبادة، ومفهوم المواطنة، إضافة إلى نشر ثقافة السلام، والتسامح، والتعايش المشترك، وغيرها من القيم والمبادئ الأساسية التي تساهم في تعزيز أمن العالم واستقراره.
وعقب اللقاء، أعرب الوفد عن تقديرهم للجهود التي يبذلها الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، من خلال هيئاته المتعددة، بما في ذلك مرصد الأزهر، لتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي، ومواجهة التحديات الناجمة عن التطرف والتشدد.