تزايدت في السنوات الأخيرة المخاوف بشأن تصاعد الكراهية والتمييز ضد المسلمين في أوروبا، حيث تظهر الأبحاث والبيانات الرسمية ارتفاعًا ملحوظًا في جرائم الكراهية والخطاب المعادي للإسلام، مؤكدة أن المسلمين يواجهون تحديات متزايدة، بدءًا من التمييز في المجتمع وانتهاءً بالاعتداءات الجسدية على أماكن عبادتهم، وفي الوقت نفسه، تسعى بعض الحكومات والمنظمات إلى معالجة هذه الظاهرة عبر اتخاذ إجراءات تهدف إلى الحد من الإسلاموفوبيا وتعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك.
وفي سياق الأخبار المتعلقة بقضية الإسلاموفوبيا أثارت تصريحات حاكمة ولاية النمسا السفلى، يوهانا ميكل-ليتنر (حزب الشعب النمساوي)، استياءً واسعًا بعدما دعت - خلال مقابلة مع قناة ORF - إلى ما أسمته "مكافحة الإسلام" ضمن جهود الانتعاش الاقتصادي، ووصف رئيس الجماعة الإسلامية في النمسا(IGGÖ) ، أوميت فورال، هذه التصريحات بأنها: "إهانة مباشرة لأكثر من 700 ألف مسلم"، محذرًا من أنها تعزز العداء ضدهم.
وحاولت ميكل-ليتنر لاحقًا توضيح موقفها عبر فيسبوك، مؤكدة أنها لم تقصد الإسلام بشكل عام، وإنما كانت تشير إلى "الإسلام السياسي" خاصة، إلا إن نشطاء، بينهم رئيس مبادرة المسلمين النمساويين، طالبوا باعتذار رسمي يُنشر عبر وسائل الإعلام بنفس مستوى التصريحات الأصلية.
وتعليقًا على هذا نبين أنه من المهم أن يدرك السياسيون أن خطابهم له تأثير واسع النطاق، خاصة عندما يُبث عبر وسائل الإعلام، فاستخدام تعبير مثل "مكافحة الإسلام" دون توضيح مباشر قد يفتح الباب لسوء الفهم، ويغذي مشاعر العداء تجاه المسلمين، حتى وإن كان المقصود هو الإسلام السياسي تحديدًا، وفي مثل هذه الحالات، لا يكفي مجرد التوضيح بعد انتشار التصريح، بل يجب أن يكون هناك إدراك مسبق لوقع الكلمات، وتحمل المسؤولية عن أي تداعيات قد تنجم عنها، لذلك فإن مطالبة النشطاء باعتذار رسمي يُنشر عبر وسائل الإعلام بنفس مستوى التصريحات الأصلية أمر منطقي، حيث يُعد تصحيحًا للخطاب، وتعزيزًا لمبدأ المسؤولية السياسية والإعلامية، فالاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية أمران ضروريان للحفاظ على التماسك المجتمعي، وتجنب تصاعد التوترات بين مكونات المجتمع المختلفة.
وقد دعت الجماعة الإسلامية في النمسا (IGGÖ) إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لمكافحة هذا التمييز، مؤكدةً أن تحميل المسلمين مسؤولية الأزمات يعزز الشكوك تجاههم، ويؤدي إلى مزيد من الانقسامات المجتمعية، وهذه النتائج تفتح الباب أمام تساؤلات حول كيفية مواجهة هذا الاتجاه المتزايد للحفاظ على التناغم المجتمعي، وهذا يعد امتدادًا لنفس النمط من التفكير التمييزي، حيث يُنظر إلى المسلمين أحيانًا كعامل مزعزع للاستقرار، سواء بسبب قضايا الهجرة، أو التهديدات الأمنية، أو الجدل حول الاندماج الثقافي.
مبادرة ألمانية لمكافحة التمييز ضد المسلمين
على الجانب الآخر، تسعى بعض الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو ما ظهر في ولاية شمال الراين-وستفاليا بألمانيا؛ حيث أعلنت السلطات عن إطلاق منصة "MEDAR" الإلكترونية في ربيع 2025م، وفقًا لما نشره موقع "فوكوس" في 30 ديسمبر 2024م، وتهدف هذه المنصة إلى توثيق حوادث التمييز ضد المسلمين، مما يسمح للضحايا بالإبلاغ عن الحوادث بسرية تامة، مع إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية عند الضرورة.
يأتي هذا المشروع في ظل تزايد الجرائم المعادية للإسلام؛ حيث سجلت ولاية شمال الراين-وستفاليا 270 حادثة في عام 2023م، وهو عدد مرتفع مقارنةً بالسنوات السابقة. ورغم معارضة حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) لهذه المبادرة، فإن الجهات الداعمة تؤكد أنها خطوة ضرورية للحد من التمييز، وتعزيز اندماج المسلمين في المجتمع الألماني.
ويرجو المرصد أن تسهم منصة MEDAR في توفير بيئة آمنة للمسلمين، وتشجيعهم على الإبلاغ عن التمييز دون خوف أو تردد، خاصة في ظل تزايد الاعتداءات العنصرية على المسلمين، والتي أصبحت مصدر قلق كبير؛ ولذا فإن هذه المبادرة تحمل أهمية خاصة في توثيق هذه الحوادث، وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورتها، ونأمل أن تكون هذه الخطوة بداية لمبادرات أوسع تهدف إلى تعزيز التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع، كما نرجو أن تُحدث المنصة أثرًا إيجابيًّا يُخفف من مشاعر الإقصاء، ويقوي الروابط في المجتمع.
توضح هذه الأحداث كيف أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا تحديًا متزايدًا في بعض الدول الأوروبية، فبينما تُظهر الدراسات ازدياد المشاعر المعادية تجاه المسلمين، تتزايد في المقابل الاعتداءات المباشرة على أماكن عبادتهم، ما يؤكد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان أمنهم وسلامتهم.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار المبادرات مثل منصة "MEDAR" خطوة إيجابية لمكافحة التمييز، لكنها لا تكفي وحدها، بل المطلوب هو إستراتيجية شاملة تشمل التوعية المجتمعية، وتفعيل القوانين الرادعة ضد جرائم الكراهية، وتعزيز الحوار بين الثقافات لضمان بيئة أكثر تسامحًا، وانفتاحًا.
وحدة الرصد باللغة الألمانية