12 فبراير, 2025

ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر.. الدكتور/ السيد بلاط: الأمة الإسلامية والعربية اليوم في أمسِّ الحاجة إلى تطبيق نموذج المؤاخاة.. لأنه لا سبيل للنصر غيره.

ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر.. الدكتور/ السيد بلاط: الأمة الإسلامية والعربية اليوم في أمسِّ الحاجة إلى تطبيق نموذج المؤاخاة.. لأنه لا سبيل للنصر غيره.

الدكتور/ خالد عبد النبي: الخلافات التي نشبت في المجتمع الإسلامي الأول كانت بسبب عدم التزام اليهود ببنود المعاهدة التي وقَّعوها مع الرسول ﷺ

عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "حِكْمَة النبي القائد ومقومات الأمة" وذلك بحضور: أ.د/ السيد بلاط، أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا، وأ.د/ خالد عبد النبي، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأدار الحوار الشيخ/ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.

في بداية الملتقى، قال الدكتور/ السيد بلاط: إن النبي ﷺ أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على أسس عدة، أولها: بناء المسجد؛ من أجل أن يوثق الصلة بين المسلمين وخالقهم، وحرص النبي ﷺ على أن يعاون أصحابه في بناء المسجد يدا بيد، وفي هذا المشهد إشارة إلى أهمية التعاون، وليعطينا النبي ﷺ درسًا عمليًّا من أول لحظة في تأسيس المجتمع الإسلامي الجديد. كما أن المسجد لم يكن بهدف العبادة فقط، وإنما كان المسجد مكانًا للتعليم، ومكانًا للفصل بين المتخاصمين، ومكانًا لاجتماع المسلمين للمشورة واتخاذ القرارات المهمة، ولاستقبال سفراء المجتمعات الأخرى القادمين إلى الرسول ﷺ، وعلى المسلمين أن يهتموا بإعمار المساجد {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله}.

وأوضح الدكتور/ سيد بلاط، أن الأساس الثاني الذي شيد عليه النبي ﷺ المجتمع الإسلامي الجديد، هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليشكل بذلك مجتمعًا متماسكًا، وهي رؤية سياسية حكيمة من الرسول ﷺ، ولم تقتصر المؤاخاة على شكل واحد، وإنما قامت على ثلاثة محاور: الأول بين المهاجرين الذين قَدِموا من مكة وبين الأنصار سكان المدينة؛ من أجل أن يزيل آثار الغربة من نفوس المهاجرين؛ لإحداث نوع من التوازن في المجتمع الجديد من خلال التكافل والتعاون، وهو الأمر الذي عزَّز الأُخوَّة بين المسلمين، حتى وصل الأمر إلى أن تقاسم المسلمون كل شيء فيما بينهم، وعلينا أن نقتدي بهم في شيم الإيثار، والمحور الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليصرفهم عن عادات الجاهلية إلى قيم الدين الإسلامي الحنيف، ثم المحور الثالث بالمؤاخاة بين العرب والموالي؛ من أجل القضاء على العنصرية والطبقية التي كان يعاني منهما المجتمع قبل مجيء الإسلام؛ لهذا كانت المؤاخاة بأقسامها الثلاثة نموذجًا للدولة المتماسكة وهو ما مَكَّنها من النصر على أعدائها.

وبيَّن أن الأمة الإسلامية والعربية اليوم في أمس الحاجة إلى تطبيق نموذج المؤاخاة الذي أسس له النبي ﷺ في المجتمع الإسلامي الأول، وخاصة في ظل تربص الأعداء بها من كل جانب؛ لأن المؤاخاة هي التي كانت السبب في انتصار المسلمين على اعدائهم، فعلينا أن نتمسك بهذا النموذج اليوم؛ لأنه لا سبيل للنصر غيره.

من جانبه، قال الدكتور/ خالد عبد النبي: إن النبي صلى عليه وسلم في تأسيس المجتمع الإسلامي لم يُقصِ أحدًا داخل المجتمع؛ لذلك أبرم النبي صلى عليه وسلم معاهدة المدينة مع غير المسلمين، وكان الهدف منها تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع بما يحفظ لكل طرف حقه، وضمنت المعاهدة الحقوق الكاملة، سواء في الذمة المالية، والمساواة، والحرية الدينية، وقيم التعايش، والبيع والشراء، وغيرها، وكل ما يلزم المجتمع لضمان استقراره، وكان الضامن لهذه المعاهدة هو النبي ﷺ، وكان هذا النموذج في المجتمع الإسلامي دليلًا على رقي الإسلام، كما شَكَّلت هذه المعاهدة وجهًا حضاريًّا مشرقًا للمجتمع الإسلامي في أول عهده.

وذكر الدكتور/ خالد عبد النبي، أن النبي صلى عليه وسلم أظهر جليًّا مبادئ التعايش من خلال تعاملاته الشخصية، فعندما رهن درعه لليهودي كان ذلك بمثابة رسالة إلى الأمة في إرساء قيم التعايش في المجتمع، وليقطع الطريق على كل من يحاول أن يثير الفتنة في المجتمعات بدعوى التفرقة الدينية؛ لأن التسامح في الإسلام لا يفرق بين المسلم وغير المسلم، وهو الأمر الذي ميَّز المجتمع الإسلامي وجعل منه مجتمعًا حضاريًّا بامتياز، فلم يكن المجتمع الإسلامي يَعزِل أحدًا أو يُجنِّب أحدًا، ولا يمكن لمجتمع أن يتماسك ما لم يلتزم كل أعضائه بواجباتهم، وحصل كل منهم على حقوقه كاملة، مبينًا أن الخلافات التي نشبت في المجتمع الإسلامي الأول كانت بسبب عدم التزام اليهود ببنود المعاهدة التي وَقَّعوها مع الرسول ﷺ وتآمروا عليه، وحاولوا أن يفسدوا في المجتمع بشتى الطرق.

وفي السياق ذاته، قال الشيخ/ إبراهيم حلس: إن النبي ﷺ قاد الأمة بعبقرية لم يعرف التاريخ مثلها، هذه العبقرية التي جعلت الأمة في تلك الفترة -رغم قلتها- قادرة على أن تقود الدنيا بأسرها؛ نتيجة إخلاصهم وعملهم الدؤوب لنصرة هذا الدين، وهو ما ظهر في براعة سفراء الأمة قبل الهجرة، وقدرتهم على إقناع الوفود التي أرسلوا إليها برسالة الإسلام، وهذه البراعة هي التي أسست لأمة لم يعرف التاريخ مثلها، كما أسس النبي ﷺ في المجتمع الجديد لقيم التعايش والتفاهم بين المسلمين وغيرهم.

وأوضح مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، أن أول عمل قام به النبي ﷺ بعد الهجرة المباركة هو بناء المسجد؛ ليكون مؤسسة شاملة للمجتمع الإسلامي الجديد؛ لأن المسجد ليس مكانًا للعبادة فقط، وإنما هو مؤسسة تعليمية متكاملة. كما أن المسجد ليس حلقة وصل بين العبد وربه فقط، وإنما يصل المؤمن بأخيه المؤمن، من خلال اجتماعهما للعلم والعبادة، ثم جاءت بعد ذلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ من أجل تقوية المجتمع الجديد في المدينة، ولتشيع بينهم مشاعر الود والمحبة، وبهذا العمل أحدث النبي ﷺ تناغمًا بين المجتمع المسلم، وأصبح المجتمع الإسلامي -في تلك الفترة- قادرًا على مواجهة كل الصعاب والمخاطر.

يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر؛ بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وتسليط الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة.


 

قراءة (152)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
12345الأخير