17 فبراير, 2025

ردود الأفعال العالمية الرافضة لمقترح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشأن تهجير سكان غزة

ردود الأفعال العالمية الرافضة لمقترح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشأن تهجير سكان غزة

كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مطلع فبراير 2025م الحديث عن خططه للسيطرة على قطاع غزة. وقال: إن الخطط ستشمل شراء القطاع، كما يزعم أنه يريد أن يفعل مع "جرينلاند"، الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي الخاضعة للسيادة الدنماركية، وامتلاكها.

"أنا ملتزم بشراء غزة وامتلاكها. أما بالنسبة لإعادة إعمارها، فيمكننا أن نعطيها لدول أخرى في الشرق الأوسط لإعمار أجزاء منها، ويمكن للآخرين القيام بذلك، تحت رعايتنا. ولكننا مصممون على امتلاكها، والاستيلاء عليها، والتأكد من أن [الجماعة الفلسطينية المتطرفة] حماس لن تعود إليها"، وجاءت تصريحاته بعد أن أذهل المجتمع الدولي هذا الأسبوع بإعلانه أنه ينوي السيطرة على القطاع وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

وكان ترامب قد أشار في اقتراحه بعد اجتماعه مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، إلى أن أكثر من مليوني شخص يعيشون في الأراضي الفلسطينية، وسيتعين على سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني شخص الرحيل إلى الدول العربية المجاورة مثل: مصر، أو الأردن؛ لأنها "موقع هدم". وكرر في عدة مناسبات أن هذا الترحيل سيكون دائمًا.

وأوضح البيت الأبيض في اليوم التالي أن النقل القسري سيكون مؤقتًا فقط. وفي تصريحاته كان الرئيس الأمريكي غامضًا بشأن مصير هؤلاء الفلسطينيين. وقال في إحدى المرات: "إنه من الخطأ الكبير السماح للأشخاص الذين يعيشون في غزة، أي الفلسطينيين، بالعودة مرة أخرى". كما ذكر أيضًا أن سكان غزة "لا يريدون العودة" إلى أرضهم، ويدَّعون فقط أنهم يريدون ذلك؛ لأنه ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن الولايات المتحدة والدول العربية ستبني في غزة أماكن جميلة للشعب، وللفلسطينيين ليعيشوا في سلام ووئام لأول مرة منذ قرون.

ولكن وفقًا لـ"فرانس 24" فإن قرار ترامب سيحول دون تنفيذه خمس عقبات:

1-   الجذور الفلسطينية المتشبثة بالأرض منذ آلاف السنين

إن مشروع دونالد ترامب لا يولي اهتمامًا كبيرًا لتعلق الفلسطينيين بأرضهم، وهو ما تجلى مع ذلك في عودة نصف مليون شخص إلى شمال قطاع غزة، بعد وقف إطلاق النار مباشرة. وتقول دلال عريقات، نائبة رئيس الجامعة العربية الأمريكية للعلاقات الدولية، الأستاذة المساعدة في الجامعة العربية الأمريكية، لـ"فرانس 24": "يجب ألا نغفل حقيقة أن الشعب الفلسطيني قد هُجّر قسرًا في مناسبات عديدة، ولكن هذه الأرض لا تزال أرضه، ولا يزال يعيش فيها".

2-  المعارضة العربية

وعلى عكس مزاعم ترامب، رفضت الدول العربية الخطة بشدة؛ حيث نددت كل من: مصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يوم السبت الماضي بأي انتهاك لحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف. وسافر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الأردن يوم الأربعاء للتشاور مع الملك عبد الله الثاني، وأعرب عن قلقه العميق.

3-  الإرهاق من كثرة التدخلات

يتضمن اقتراح ترامب إرسال قوات أمريكية إلى غزة. وأي نشر من هذا القبيل سيكون تراجعًا فوريًّا عن وعد رئيسي قطعه خلال حملته الانتخابية: عدم توريط واشنطن في حروب خارجية. وستواجه مثل هذه القوات معارضة شرسة من مقاتلي حماس الفلسطينيين، الذين أضعفتهم الحرب مع الكيان الصهيوني التي استمرت 15 شهرًا، ولكن لم يتم القضاء عليهم بأي حال من الأحوال. وقد أثبتت حماس قدرتها على الحفاظ على قوتها ضد أية قوة عسكرية تقليدية من النوع الذي يلوح في الأفق في الذاكرة الأمريكية بعد العمليات العسكرية الفاشلة في أفغانستان والعراق وفيتنام.

4-  القانون الدولي

بتدخله في غزة، يخرق ترامب القانون الدولي، وهو إرث النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كانت واشنطن حتى وقت قريب تدافع عنه بفخر، على الأقل في خطابها. تقول الفلسطينية دلال عريقات: ”يعكس هذا التصريح عقلية استعمارية جديدة تسعى لفرض واقع جديد على دول أخرى بالقوة، في انتهاك للقانون الدولي".

5-  الحذر داخل الكيان الصهيوني

بينما تشجع نتنياهو وأنصاره بسبب تصريحات ترامب، فإن الطبقة السياسية الصهيونية بشكل عام تتوخى الحذر قبل الانتخابات التشريعية بعد عام. يقول ديفيد خليفة، الباحث في مؤسسة جان جوريس في باريس: اليمين المتطرف منتشٍ ومبتهج. أما الأكثر اعتدالًا والوسطيون في البرلمان فيهنئون ترامب، لكنهم يعربون عن شكوكهم في جدوى خطته". وأشار الباحث إلى تصريحات زعيم المعارضة يائير لبيد بعد إعلان ترامب، مشددًا على ضرورة أن تضع القيادة الصهيونية خططًا بدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة.

ونستعرض سريعًا ردود الأفعال العالمية حول قرار الرئيس ترامب بتهجير أهل غزة قسريًّا:

في إسبانيا:

قال وزير الخارجية الإسباني "خوسيه مانويل ألباريس" في بيان صحفي: "غزة لأهل غزة. يجب على أهل غزة أن يبقوا في أرضهم. وغزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تراهن عليها إسبانيا. وهذه الدولة يجب أن تتعايش مع الدول الأخرى وتضمن الرفاهية والأمن للكيان الصهيوني، الذي نود له كذلك أن يتمتع بتطبيع العلاقات مع الدول العربية. وأهل غزة وأهل فلسطين يجب أن يعلموا أنهم سوف يحظون بتأييد من إسبانيا حكومة وشعبًا، كما تؤيدهم الآن في هذه الأوقات من خلال تقديم المساعدات الإنسانية عن طريق الوكالة الإسبانية للتعاون الموجودة الآن في غزة".

وفي ألمانيا:

قالت وزيرة الخارجية الألمانية، "أنالينا بايربوك": إن قطاع غزة هو ملك للفلسطينيين، مضيفة أن طردهم سيكون غير مقبول ومنافيًا للقانون الدولي.

وفي بريطانيا:

قال رئيس الوزراء البريطاني، "كير ستارمر": إنه يجب السماح لسكان غزة بالعودة إلى منازلهم ”في إعادة الإعمار على طريق حل الدولتين“. وقالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، "كاجا كالاس": إن ”غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية“.

وفي فرنسا:

أكد الأمر نفسه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية، "كريستوف لوموين"، مؤكدًا على "معارضة أي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين في غزة، والذي سيشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وهجومًا على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، بل وعقبة رئيسية أمام حل الدولتين".

وفي الصين:

تم رفض فكرة ”التهجير القسري“ للسكان، على أمل أن تستغل جميع الأطراف وقف إطلاق النار وما يتبعه من حكم القطاع كونه فرصة لإعادة القضية الفلسطينية إلى المسار الصحيح للتسوية السياسية على أساس حل الدولتين. وقد أعربت روسيا عن موقف مماثل.

وفي كندا:

من جانبها، أعربت كندا عن رفضها التهجير القسري لسكان غزة، وكذلك التزامها بحل الدولتين، لكنها تجنبت الإشارة إلى تصريحات ترامب. وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلي جولي: ”نحن نؤيد حق تقرير المصير للفلسطينيين، بما في ذلك عدم تهجيرهم قسرًا من غزة".

وفي تركيا:

تم التصريح بأن قرارات ترامب غير مقبولة، وأن محاولة إخراج الفلسطينيين من المعادلة لن تجلب سوى المزيد من الصراع.

وفي المكسيك:

قالت الرئيسة المكسيكية "كلاوديا شينباوم": إن بلادها تعترف بالدولة الفلسطينية، وبدولة الكيان الصهيوني على حد سواء، وأكدت على ضرورة بناء حل سلمي للصراع.

وفي البرازيل:

أكد الرئيس البرازيلي "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا" في مقابلة مع محطات الإذاعة المحلية أن اقتراح ترامب لا معنى له. متسائلًا: "أين سيعيش الفلسطينيون؟ إنه غير مفهوم لأي إنسان".

وفي أمريكا:

سعى بعض مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تليين بعض أجزاء من اقتراحه بإعادة توطين سكان قطاع غزة بشكل دائم، وذلك في أعقاب الإدانة الدولية، وذلك بعد ردود الفعل العنيفة في الداخل والخارج والشكوك حول قانونية الخطة.

في الكيان الصهيوني:

أعربت بعض الأصوات في الأقلية اليسارية الصهيونية عن رفضها المطلق لأي ترحيل جماعي لسكان غزة. وقد دعا النائب الصهيوني عوفر كاسيف -الذي مُنع من دخول الكنيست لمدة ستة أشهر بسبب دعمه العلني للقضية الفلسطينية والشكوى ضد الكيان بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية- إلى مناهضة التطهير العرقي وإقامة دولة فلسطينية.

وعلى المنوال نفسه، نددت نوا لانداو، نائبة رئيس تحرير صحيفة هآرتس الليبرالية الصهيونية اليومية، في افتتاحياتها منذ أشهر بفظائع الحرب في غزة، ومحاولة جيش الكيان "التطهير العرقي" في شمال القطاع. وقالت لانداو على حسابها على موقع "إكس": "لن تصبح غزة ’ريفييرا أمريكية‘ في الشرق الأوسط، ولن يتم ’نقل‘ مليوني غزاوي في خطة ترامب الضخمة، كما لم تكن هناك ’صفقة القرن‘ مع نفق وهمي بين الضفة الغربية وغزة".

وعلى المستوى العربي فإن الحكومات العربية رفضت رفضًا قاطعًا المقترح الذي قدمه الرئيس الأمريكي وذلك على النحو التالي:

في مصر:

أكدت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبد العاطي على أهمية إعادة إعمار القطاع، ولكن "دون مغادرة الفلسطينيين للقطاع".

وفي الأردن:

رفض العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أية محاولة لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين، مشددًا على ضرورة وقف النشاطات الاستيطانية، ورفض أية محاولة لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين قسرًا في غزة والضفة الغربية، مؤكدًا على ضرورة توطين الفلسطينيين على أرضهم.

وفي قطر:

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري: "إنه من السابق لأوانه الحديث عن توطين الفلسطينيين من القطاع، وأن الدوحة مشغولة بمحاولة تحقيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب بين الكيان وحماس".

وفي السعودية:

رفضت المملكة العربية السعودية أي خطط لتهجير السكان الفلسطينيين الأصليين. وأشارت وزارة الخارجية السعودية إلى أن المملكة لن تقيم علاقات مع الكيان دون إقامة دولة فلسطينية. وهو ما يتناقض مع ما قاله ترامب الذي قال: إن الرياض لا تطالب بمثل هذه الدولة. ووفقًا لبيان الوزارة، فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبَّر عن الموقف السعودي بشكل واضح وصريح، دون مجال للتأويل، بحسب بيان الوزارة.

وفي إيران:

فإن الحكومة الإيرانية، التي دعمت حماس وهاجمت الكيان خلال الصراع، كانت متحفظة في ردها. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني: "في السياسة الخارجية نتبع ثلاثة مبادئ أساسية وهي الكرامة والحكمة والمصلحة الوطنية"، دون أن تحدد ما الذي كانت تشير إليه.

ومن جانبه، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن مقترح دونالد ترامب لشراء غزة و"امتلاكها" يهمِّش كل الأبعاد الإنسانية والأخلاقية، ولا يضع نصب عينيه سوى الاستثمارات والتنمية لصالح بلاده، في محاولة بائسة لإعادة إنتاج مشاريع تهجير الفلسطينيين التي فشلت عبر التاريخ. إن التهجير القسري الذي يقترحه ترامب تحت غطاء إعادة الإعمار ليس مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل هو طمس للهوية الفلسطينية، وسلب لحقوق الشعب الفلسطيني التي لطالما دافع عنها بدمائه وصموده.

لقد أظهرت ردود الفعل الدولية من الحكومات والمنظمات العالمية، وحتى من داخل الكيان الصهيوني نفسه، أن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل قبل أن يولد. فالواقع السياسي والقانوني والأخلاقي لا يسمح بتمرير مثل هذه السياسات العنصرية القائمة على الطرد والاستيطان القسري.

أما على الأرض، فقد أثبت الفلسطينيون أنهم متمسكون بحقوقهم وبأرضهم، وأن كل مشاريع التهجير لن تزيدهم إلا ثباتًا. فغزة ليست للبيع، ولن تكون "ريفييرا أمريكية"، بل ستبقى رمزًا للصمود والمقاومة، عصيةً على محاولات الطمس والاقتلاع، كما كانت طوال العقود الماضية. وأية خطة تحاول إعادة إنتاج نكبة جديدة لن تواجه سوى نفس المصير الذي لاقته المخططات السابقة: الفشل الذريع في مواجهة إرادة الشعب الفلسطيني الذي لن يقبل بأقل من حقه الكامل في تقرير مصيره على أرضه.

وحدة رصد اللغة الإسبانية


 

قراءة (1352)/تعليقات (0)