17 فبراير, 2025

دلالات تفكيك خلية إرهابية بين المغرب وإسبانيا

دلالات تفكيك خلية إرهابية بين المغرب وإسبانيا

 

     أثارت واقعة توقيف 6 أشخاص بتهمة الإرهاب العديد من التساؤلات حول الدوافع التي تقف وراء انضمامهم للنشاط الإرهابي حتى صاروا يمثلون تهديدًا حقيقيًّا؛ فطبقًا لمصادر مطلعة، فإن المعتقلين الستة الذين تم اعتقالهم يوم الجمعة الموافق 22 من شهر نوفمبر  لعام 2024م في سبتة وإيبيزا ومدريد، كوَّنوا خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي فرع الساحل، وأنهم كان لديهم تصميم متزايد على تنفيذ عمليات إرهابية، وبحثوا عن أهداف محتملة في محيطهم، كما قام المتهمون بتجميع أسلحة بيضاء وطلقات نارية إضافة لحيازتهم مواد دعائية خاصة بتنظيم داعش الإرهابي.

ولقد تم تمديد اعتقال هذه المجموعة الذين تتراوح أعمار أفرادها بين الثلاثين والخمسين عامًا، وذلك بهدف أن يتمكن المحققون من فحص المواد التي تم اكتشافها. وبعد ذلك بيومين تم عرضهم على النيابة، وأمرت المحكمة المركزية رقم (1) للمحكمة العليا الوطنية إيداع كل المعتقلين السجن. وطبقًا لمصادر قضائية، فإنه قد تم اتهام 2 منهم بالانضمام لتنظيم إرهابي، و3 بمعاونة تنظيم إرهابي، وآخر بتهمة تبني الفكر المتطرف.

الأشخاص الذين يجري التحقيق معهم كانوا يعرفون بعضهم بعضًا بشكل شخصي، وكانوا على تواصل فيما بينهم من خلال الإنترنت. وطبقًا لمصادر مطلعة على التحقيقات، فإن نسبة تطرفهم كانت تتصاعد مع مرور الوقت. فلقد أظهر أحدهم "تصميمًا أكثر وضوحًا" على ارتكاب فعل عنيف، وظهر عليه الانتماء وتبني أفكار التنظيم الإرهابي، لدرجة أنه كان يشعر أنه جزء منه، وأحاط نفسه بأشياء، مثل بعض الأدوات، جعلته يشعر بالانتماء إلى تنظيم داعش.

وأضافت المصادر أن أحد المتهمين كان له أقرباء كانوا قد انتقلوا إلى مناطق الصراع  للقتال في صفوف تنظيم داعش، وجرى تدريب آخرين على الإرهاب في منطقة الساحل. ولدى 2 منهم سوابق جنائية بسبب جرائم متعلقة بالإرهاب في دعاوى مختلفة على الرغم من أنه قد بُرئت ساحتهم.

وأفادت الشرطة الإسبانية أن هذه الخلية التي يتم التحقيق معها تتألف من "أشخاص في غاية التطرف"، ولديهم "الرغبة الشديدة في ارتكاب أعمال عنف". وعملت هذه الخلية على محور سبتة - كاستييخوس، على جانبي الحدود الإسبانية والمغربية. وذكرت البوابة الرقمية المغربية هيسبريس أن المعتقلين كانوا يعقدون اجتماعات في بلدات سبتة وتطوان للتخطيط للقيام بعمليات إرهابية باسم تنظيم داعش الإرهابي.

وتشكل هذه الاعتقالات جزءًا من عملية مشتركة بين الشرطة الوطنية الإسبانية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (وهي وكالة المخابرات الداخلية للدولة المغربية). وإضافة للأشخاص الذين تم اعتقالهم في إسبانيا، تم اعتقال ثلاثة آخرين في مدينة تطوان ومدينة كاستييخوس (واسمها الفنيدق بالمغرب) والتي تقع على مسافة سبعة كيلومترات من مدينة سبتة.

وفي سبتة حدثت 4 اعتقالات في أحياء برينسيبي ألفونسو، وبيسيدو مارتين. وخلال الضبطية الشرطية حدث شد وجذب وتوتر بين رجال الشرطة والمعتقلين. وكان وكلاء مركز معلومات الشرطة الوطنية العام المتخصصين في مجال الإرهاب يعملون على تعقب تحركات المشتبه بهم لمدة عام ونصف. ووجدوا أنهم كانوا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لعرض مواد مرئية وسمعية إرهابية، ومشاركتها. وبعد مراقبة نشاطهم على الإنترنت وجدوا أنهم كانوا ينشرون "محتوى إرهابيًّا عدوانيًّا" به تهديدات صريحة ضد الشعوب الغربية ويحضون على القيام باعتداءات ضدهم.

وأبرزت الشرطة الوطنية أن تعاون جهاز المخابرات الداخلية المغربي كان عاملًا محوريًّا لنجاح العملية. وأضافت الشرطة الوطنية أن "الوكلاء يرون أنه قد تم تحييد خطر حقيقي على أمن البلدين". وقد تعاون المحققون مع أجهزة الاستخبارات الإقليمية في سبتة، وسيجوبيا، ومالقة، ومدريد، وأجهزة الاستخبارات المحلية في إيبيزا، وألخِثيراس، (الجزيرة الخضراء). كما تلقوا دعمًا من وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون (اليوروبول) من أجل تنفيذ هذه العملية.

إن الإرهاب قد زُرع منذ أكثر من عقد من الزمان في منطقة الساحل الإفريقي، التي تضم بوركينا فاسو، ومالي، والكاميرون، ونيجيريا، والنيجر، وبنين. هذا الإرهاب لم يسفر فقط عن الآلاف من القتلى، وتهجير مئات الآلاف، بل أسفر عن وقوع أزمة إنسانية خطيرة، كما أدى النشاط الإرهابي المتزايد إلى انتشار حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

إن وجود هذه التنظيمات المسلحة هو أحد التهديدات الرئيسية للأمن الأوروبي. وتعمل في هذه المنطقة، إضافة لأحد فروع تنظيم داعش، جماعة نصر الإسلام والمسلمين (وهو تحالف من مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة). ورغم أن نشاط هذه التنظيمات قد انخفض خلال الشهور الأخيرة، لكنها لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا على الأمن، ففي شهر سبتمبر فقط تم تسجيل 89 هجومًا، أسفروا عن 527 حالة وفاة في هذه الدول.

وختامًا، ينبه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة يقظة أجهزة الأمن والاستخبارات بكل دول العالم والتعاون فيما بينها من أجل القضاء على الإرهاب، وتجفيف منابعه، فالإرهاب لا يستهدف وطنًا واحدًا فقط، بل يستهدف جميع الأوطان من أجل تنفيذ أجنداته السوداء الظلامية، كما ينبه المرصد على ضرورة القضاء على الظروف التي تؤدي إلى سلك بعض الشباب هذا الطريق المدمر لأنفسهم ولأوطانهم، كما ينبه أيضًا على ضرورة أن تقوم المؤسسات التعليمية والإعلامية بدورها المنوط بها لتوعية الشباب، والنأي بهم عن سلوك هذا الطريق.

كما يشدد المرصد على ضرورة التكاتف مع قوات الأمن، والتعاون مع أجهزة الدول، من أجل استئصال الإرهاب، والتصدي لتهديداته، وأن تتبنى أجهز الجيش والشرطة في جهود مكافحة الإرهاب إستراتيجية استباقية وهي الهجوم الدفاعي على مواقع تلك التنظيمات الإرهابية، وألا تكتف بمجرد الدفاع الهجومي لصد الهجمات الإرهابية.

وحدة البحوث والدراسات

قراءة (457)/تعليقات (0)