نشرت جمعية «بروبيبيندا» الإسبانية، المناصرة لحق الإنسان في السكن، تقريرًا بعنوان: «بيت للإيجار؟ العنصرية والتفرقة في سوق الإيجارات السكنية في إسبانيا»، ينبئ عن واقعٍ مفجعٍ ألمَّ بساحة سوق الإيجارات العقارية في إسبانيا، حيث تتجذَّر ممارسات عنصرية ممنهجة تُقصي الأجانب —ولا سيَّما في مدينتَيْ: مدريد، وبرشلونة— عن حقّهم في السكن الكريم. وقد أزاح التقرير الستار عن نسبةٍ مفزعة بلغت 99 % من الوكالات العقارية التي تُذعن لشروطٍ تمييزية يفرضها المالكون، يُستبعَد بموجبها المهاجرون الذين لا ينتسبون إلى الأصل الإسباني، في ارتفاعٍ حادٍّ عمَّا سُجِّل في عام 2020م، حين بلغت النسبة آنذاك 72.5 %.
وليس هذا الإقصاء —كما ورد في التقرير— محض أثرٍ لاعتباراتٍ اقتصاديةٍ بحتة، بل يقوم في جوهره على تمييزٍ عرقيٍّ صريح، يطال فئاتٍ بعينها، في مقدمتها النساء ذوات البشرة غير البيضاء، والأمهات المهاجرات الوحيدات، اللواتي يرزحن تحت نِيرِ تمييزٍ متعدد الأوجه، يجمع بين العِرق والجنس والوضع الاجتماعي.
كما وثَّق التقرير شكاوى عديدة من معاملاتٍ مُجحفة، ومسوِّغاتٍ واهيةٍ لرفض الإيجار، وشروطٍ تُفرَض على المهاجرين دون نظرائهم من المواطنين الإسبان. وأشار التقرير إلى أن بعض الوكالات تمضي في هذا السلوك العنصري إلى حد فرضِ ضماناتٍ قاسية، كعقودِ عملٍ دائمة، وكفالاتٍ مالية، لا تُطلَب عادةً من الأوروبيين أو البيض، ما يُسهم في تهميشِ المهاجرين ودفعِهم إلى أطراف المدن، حيث تقلُّ الخدمات والاستثمارات، الأمرُ الذي يُعمِّق الهوَّة الاجتماعية، ويُكرِّس العزلة.
وأمام هذا المشهدِ القاتم، نقلت مجلة جمعية "أفرو فيميناس" الإسبانية —المعنية بالدفاع عن النساء ذوات البشرة غير البيضاء ومناهضة التمييز العِرقي— في 13 مايو 2025م، مقترح قانونٍ غير ملزمٍ عُرض على البرلمان الإسباني، تطالب فيه 47 منظمة مدنية، في طليعتها جمعية «بروبيبيندا»، بتقنين شروط الوصول إلى المسكن، ومعاقبة كل من يمارس التمييز العنصري، وفتح سُبُلٍ فعَّالةٍ أمام الضحايا لرفع شكاواهم. وفي حين رحَّبت جهاتٌ مثل جمعية "أفروفيميناس"، بطرح القضية على طاولة البرلمان، فإنها شدَّدت على ضرورة سنِّ سياساتٍ جريئةٍ وعادلة، مدعومةٍ بإجراءاتٍ حقيقية، لردِّ المظالم.
كما جاء في ثنايا المقترح أن هذه الممارسات لا تُعد تجاوزاتٍ فردية، بل تمثِّل منظومةً راسخة تستبطن منطقًا استعماريًّا يُقرِّر من يستحقُّ المسكن ومَن يُنفَى إلى الهامش، ما يجعل السكن —في واقع الحال— امتيازًا محصورًا في فئةٍ بعينها، لا حقًّا مضمونًا للبشر كافة على اختلاف أعراقهم وأصولهم. ومن ثمَّ، تدعو المنظماتُ المعنيةُ إلى تكريسِ الحق في السكن بوصفه حقًّا إنسانيًّا شاملًا، لا تُقصى عنه روح، ولا يُحرَم منه بشر.
من جانبه، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن ما كشف عنه هذا التقرير لا يندرج فحسب في باب التمييز العنصري الذي تُدينه الشرائع والمواثيق الدولية، بل يُنبئ عن تحولٍ خطيرٍ في بنية الوعي الجمعي، حين تُجعلُ كرامةُ الإنسان رهينةَ عِرقه، ومكانُ سُكناه خاضعًا لدمه ولونه وأصله. وإن هذا الإقصاء الممنهج لا يُهدِّد السلمَ الاجتماعي فحسب، بل يُمهِّد لتربةٍ خصبةٍ تنبت فيها نوازع الكراهية، وتُسقى فيها بذور التطرف والتنافر. وإذ يُذكِّر المرصدُ بأن السكن حقٌّ أصيل تكفله القيمُ الإنسانية قبل أن تُقرَّه الدساتير، فإنه يحث الجهات التشريعية والحقوقية في إسبانيا وسواها على إرساء منظومةٍ عادلةٍ تُجرِّم هذا التمييز، وتُعلي من شأن العدالة والكرامة، دون نظرٍ إلى لونٍ، أو عِرقٍ، أو دِينٍ.
وحدة رصد اللغة الإسبانية