27 مايو, 2025

كشمير بؤرة التوتر.. كيف تؤجج التنظيمات المتطرفة النزاع بين الهند وباكستان؟

كشمير بؤرة التوتر.. كيف تؤجج التنظيمات المتطرفة النزاع بين الهند وباكستان؟

تُصنّف العلاقة بين الهند وباكستان كإحدى أكثر العلاقات توترًا وتعقيدًا في جنوب القارة الآسيوية، وربما على مستوى العالم أيضًا. فمنذ قيام الدولتين عقب تقسيم عام 1947م، ظلت هذه العلاقة حبيسة تاريخ مثقل بمخلفات الاستعمار البريطاني، وخلافات سياسية وجغرافية مستمرة، يأتي في مقدمتها النزاع الدائم حول إقليم كشمير، الذي أصبح نقطة اشتعال دائمة، تغذيها صراعات الحكومات، وتيارات التشدد التي تسعى لتأجيج الواقع الأمني والسياسي بالمنطقة.

فمنذ اللحظة الأولى لتقسيم شبه القارة الهندية، برز إقليم كشمير منطقةَ خلاف شديدة الحساسية؛ نظرًا لموقعه الجغرافي وخصوصيته السكانية والدينية. وقد وجدت التنظيمات المتطرفة في هذا الإقليم بيئة خصبة لبث أفكارها، ورفع شعاراتها، التي تُصوّر الصراع باعتباره “حربًا مقدسة” بين الإسلام والكفر”، متجاهلة الطابع السياسي والتاريخي للنزاع.

ففي خطاب هذه الجماعات، يتحول النزاع الكشميري إلى “جهاد لتحرير الأرض الإسلامية”، في محاولة واضحة لتعبئة المشاعر الدينية، وتسويغ العنف المسلح، ورفض كل أشكال الحوار أو التفاوض. هذا الخطاب الخطير يُمثّل تحديًا ليس فقط للحكومات، بل أيضًا للمؤسسات الدينية المعتدلة، التي تُحاول تصحيح المفاهيم وتفكيك سرديات التطرف.

شهدت السنوات الماضية تصاعدًا كبيرًا في العمليات الإرهابية المنفذَة من قبل جماعات متطرفة، ما أدى إلى توترات غير مسبوقة بين الهند وباكستان. ومن أبرز هذه العمليات هجوم “بولواما” في فبراير 2019م، الذي أودى بحياة العشرات من الجنود الهنود، وأشعل فتيل تصعيد عسكري خطير بين الجانبين، شمل قصفًا متبادلًا وغارات جوية اخترقت الأجواء السيادية لكلتا الدولتين.

وفي أعقاب ذلك، استغلت الجماعات المسلحة هذا التصعيد في دعايتها لتجنيد عناصر جديدة، مستخدمةً صور “الشهداء”، والخطابات العاطفية، ومقاطع الفيديو التي تُروّج لما تسميه: “بطولات المجاهدين” في كشمير، وهو ما يُفاقم من ظاهرة الاستقطاب بين الشباب، ويُغذي مشاعر الكراهية والعداء المتبادل.
والحقيقة إن المتأمل في مسار العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان يلحظ أن كل محاولة جادة للتهدئة أو الحوار كانت تقابل بعمل إرهابي يُفجّر الوضع من جديد. فمثلًا، توقفت محادثات عام 2016م بعد الهجوم الذي استهدف قاعدة جوية في “باثانكوت”، وهو ما يُعزّز الفرضية القائلة: إن هذه الجماعات المتطرفة تُستخدَمُ أدواتٍ لتعطيل أية مساعٍ سلمية بين الطرفين.
وقد دفع ذلك الهند إلى تبني سياسة “الضربات الاستباقية”، كما حدث في غارة “بالاكوت”، التي قالت نيودلهي: إنها استهدفت معسكرًا لجماعة “جيش محمد”، وهو ما تبعته باكستان برد عسكري أدى إلى إسقاط طائرات هندية وأسر طيار، قبل أن يُفرج عنه لاحقًا كبادرة حسن نية.

وفي أحدث فصول التصعيد، نفذت الهند عملية عسكرية أُطلق عليها اسم “سيندور”، استهدفت عدة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من المدنيين، وردّت باكستان بإجراءات عسكرية شملت إسقاط طائرات ومناوشات حدودية أسفرت عن خسائر بشرية في الجانبين.
وهذه المرة لم تكتفِ التنظيمات المتطرفة بنشاطها في كشمير فحسب، بل امتد خطابها العنيف إلى مناطق أخرى مثل إقليم بلوشستان، حيث أصدرت جماعة “جيش تحرير بلوشستان” بيانًا عدائيًّا اتهمت فيه الجيش الباكستاني بتهديد الأمن الإقليمي والدولي بسبب امتلاكه للسلاح النووي. الأخطر من ذلك، أن البيان تضمّن استعداد الجماعة للتعاون مع الهند عسكريًّا، بل وشنّ هجمات من الحدود الغربية في حال اندلاع مواجهة شاملة.

هذا التطور ينذر بخطر مضاعف، إذ يُهدد بتحويل النزاع الثنائي إلى صراع إقليمي مفتوح، قد تستغله جماعات أخرى عابرة للحدود، تسعى إلى زعزعة الاستقرار في جنوب آسيا، وربما خارجها.

إن استمرار نشاط هذه الجماعات يُلقي بظلال ثقيلة على المنطقة بأسرها، ويضع باكستان تحت ضغط دولي متزايد، خاصة مع تكرار الهجمات الإرهابية في توقيتات حرجة. وفي المقابل، تُصر الهند على اعتبار هذه الجماعات أدوات تُحركها أجهزة استخباراتية باكستانية، في حين تنفي إسلام آباد رسميًّا أية صلة بهذه التنظيمات.

وفي هذا السياق، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة تحمّل المسؤولية المشتركة، ويدعو الدولتين إلى:

تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الجماعات المتطرفة وأنشطتها.

التعاون الأمني المباشر في ملاحقة هذه التنظيمات ومصادر تمويلها.

فرض رقابة صارمة على الجمعيات “الخيرية” المشتبه في دعمها لهذه الجماعات.

الرقابة الفعالة على المناطق التي تُشكّل حواضن للتطرف، وعلى رأسها كشمير وبلوشستان والبنجاب.

لا شك أن التنظيمات المتطرفة تُشكّل خطرًا مشتركًا لا يعرف حدودًا ولا يعترف بسيادة الدول. وإن نجاح أية مبادرة تهدف إلى خفض التوتر بين الهند وباكستان سيبقى مرهونًا بقدرة الطرفين على تفكيك البنية الفكرية والتنظيمية لهذه الجماعات، والالتزام بآليات الحوار والتفاهم السياسي بعيدًا عن منطق القوة والانفعالات.
فالتطرف لا يُهدد أمن البلدين فحسب، بل يُقوّض أسس الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، ويُشعل جذوة النزاعات التي لا تُبقي ولا تذر، مما يستوجب تحركًا دوليًّا وإقليميًّا جادًّا لإرساء قواعد السلام والتعايش، وتجفيف منابع العنف قبل أن تتوسع دائرته.


وحدة الرصد باللغة الأردية

قراءة (68)/تعليقات (0)