عقد الجامع الأزهر أمس الإثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: "آداب وواجبات الحج في الفقه الإسلامي"، بحضور: أ.د/ حسن الصغير، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، والمشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، والأمين المساعد للبحوث بمجمع البحوث الإسلامية، وأ.د/ محمد محمد عبد الستار الجبالي، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وأدار الحوار الدكتور/ مصطفى شيشي، مدير إدارة الرواق بالجامع الأزهر.
وافتتح الدكتور/ حسن الصغير، حديثه بتوضيح آداب الحج التي تُعدُّ سُننًا مستحبة للحجيج، وواجبات الحج التي لا يصح الحج إلا بها، كما تطرق فضيلته إلى إمكان إسقاط هذه الآداب والواجبات على غير الحجاج أيضًا. فكما أن أول ما نعلمه للحاج هو التوبة النصوح بشروطها المعروفة، فإن هذا الواجب ينطبق على كل مسلم في مكانه، وتذكير الحاج بها ينبع من قدسية رحلة الحج، والحرص على ألا يضيع الحاج أجرها، وأن يستفيد منها بالابتعاد عن كل ما ينقص من ثوابه، كذلك فإن هذه الأمور واجبة علينا جميعًا، و كما نأمر الحاج بـصلة الرحم التي قد يكون قطعها، وهو كذلك أمر واجب على الجميع، وما يدل على هذا قول الحق سبحانه وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، وكما نوجِّه الحاج إلى تحري طيب النفقة، فإن هذا المبدأ يُعدُّ واجبًا على المسلم في كل زمان ومكان، وفي أي عمل يقوم به: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ}، وكما يحظر على الحج اللغط والرفث: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، كذلك مأمور بها كل إنسان، سواء كان في الحج، أو في أي مكان.
وأضاف المشرف على لجان الفتوى بالأزهر، أنه على الإنسان أن يتحلى بالأدب في كل وقت، فالأيام جميعها مِلْك لله سبحانه وتعالى، ولكن الأمر يكتسب أهمية خاصة في الأيام المباركة؛ حيث يضاعف الله فيها الأجر والثواب؛ وبالتالي ينبغي علينا مضاعفة اجتهادنا في الابتعاد عن المعاصي في هذه الأيام المباركة. وفي سياق هذه المشاركة الروحية مع الحجيج، ينبغي علينا أيضًا أن نتعمق في فهم أمور دِيننا ومناسك الحج، فهذا يُعدُّ مشاركة للحجاج في آدابهم، فالفقه الإسلامي، بجانب كونه مجموعة من القواعد المنظمة والضابطة لعباداتنا، يحمل في طياته جانبًا عميقًا من الحكمة والمقاصد الشرعية التي تستدعي منَّا تأملًا بالغ الأهمية، فالحاج مطالب بأداء النسك على الوجه الصحيح، وغير الحاج مطالب بتطبيق الحكمة والغاية من هذه النسك؛ لأن شعائر الله جاءت من أجل صلاح البشرية دون التقيد بزمان ومكان.
وأوضح المشرف على لجان الفتوى بالأزهر، أن الله سبحانه وتعالى قد خص أيام الحج بفضل عظيم للمسلمين، مستشهدًا بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، ويقصد بها الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وهذا الفضل لا يقتصر على الحجاج فحسب، بل يشمل غير الحجاج أيضًا؛ مما يؤكد أن شعائر الله تحمل في طياتها دلائل خير وبركة لجميع المسلمين، وكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يمنح جميع المسلمين فرصة المشاركة في الأجر والثواب، وليس لمن حج فقط.
من جانبه، أشار الدكتور/ محمد عبد الستار الجبالي، إلى حكمة الله تعالى في جعل مواسم للطاعات؛ لكي نتمكن من خلالها تدارك ما فاتنا من خيرات؛ حيث يضاعف الله فيها الأجر على الطاعات؛ إكرامًا لعباده "إن لله في أيام الدهر لنفحات، فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا"، ومن هذه المواسم المباركة تلك الأيام الخاصة بشعائر الحج، فكما منح الله الحجيج شرف هذه العبادة وفضلها العظيم، شمل فضله جميع خلقه؛ فجعل أيام الحج أيام خير وبركة لجميع عباده، مبينًا أن الحج يقوي الجانب الإيماني في نفس المؤمن، الذي يُعدُّ دعامة أساسية في بناء الشخصية المسلمة؛ لذا من لم يتمكن من أداء فريضة الحج، فلا يزال بإمكانه مشاركة الحجاج الجانب الروحي من خلال اغتنام فضل هذه الأيام المباركة.
وبيَّن عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن شعائر الحج تحمل معنى عظيمًا وحكمة بالغة، تكمن في أداء مناسك الحج بهذا الجمع من الناس من كل حدب وصوب، هذا التجمع الذي يُعدُّ دلالة عظيمة على وحدة الأمة وتماسكها، وأنها مجتمعة على قلب رجل واحد في أداء منسك واحد لله رب العالمين، مستدلًا على هذا المعنى السامي -الذي تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم أكثر من أي وقت مضى- بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله”. كما أن هذا المعنى لم يكن خاصًّا بالحجيج في حجة الوداع، وإنما هو نداء نبوي من الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى الأمَّة على امتداد مكانها، وعلى اختلاف زمانها.
يُذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، ويهدف الملتقى إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقًا للشريعة.